تصرفات النيابة العامة في التهمة وفق قانون الاجراءات الجنائية
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر :: الفئة الأولى :: ******* ثانيا : المنتدى القانوني :: ( 2) : موضوعات قانونية
صفحة 1 من اصل 1
تصرفات النيابة العامة في التهمة وفق قانون الاجراءات الجنائية
تصرفات النيابة العامة في التهمة
قلنا فيما سبق إن النيابة العامة هي - في الأصل - الأمينة على الدعوى العمومية وهي التي تتولى تحريكها ومباشرتها وأنها المشرفة على أعمال من عداها من مأموري الضبط القضائي والموجهة لهم في كيفية أدائهم لهذه الأعمال (م(1) و(2) و(22) و(23) إجراءات)، وأنه تنفيذًا لذلك نص قانون الإجراءات الجنائية - كما كان ينص قانون تحقيق الجنايات الملغى - على إلزام هؤلاء المأمورين بإرسال المحاضر التي يحررونها عن التبليغات والشكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم إليها (م24 إجراءات)، وأن يخطروها بانتقالهم إلى محل الواقعة في حالة التلبس بجناية أو جنحة (م31/ 2 إجراءات)، وأن العمل استقر في الماضي ويمكن أن يستقر في ظل القانون الجديد على الاكتفاء بإخطارها في الجنايات عمومًا وفي الجنح الهامة التي يستلزم تحقيقها دراية خاصةً وأنه يتعين عليها الانتقال دائمًا لمحال الوقائع في الجنايات وأن من حقها أن تنتقل في الجنح الهامة التي أخطرت بها أو أن تنيب عنها غيرها من المأمورين، كما قلنا إن المشرع فصل في قانون الإجراءات الجنائية فصلاً تامًا بين سلطتي الاتهام والتحقيق في الجنايات وأنه خص النيابة العامة بالأولى وجعل الثانية من اختصاص قاضي التحقيق وحده أما في الجنح والمخالفات فقد أعطى النيابة العامة الحق في مباشرة تحقيقها بنفسها أو إحالتها إلى قاضي التحقيق ليتولى هو التحقيق، وذلك إذا رأت أن الاستدلالات التي جمعت فيهما بمعرفة غيرها من المأمورين القضائيين غير كافية للتصرف في الدعوى، وينتج عن ذلك أن كافة المحاضر التي تعمل بمعرفة مأموري الضبط القضائي عدا النيابة العامة والمحاضر التي تحررها النيابة العامة في الجنايات تعتبر من قبيل محاضر جمع الاستدلالات وأن المحاضر التي تجريها النيابة العامة في الجنح والمخالفات إنما هي محاضر تحقيق منتجة لكافة الآثار القانونية المترتبة على مثل هذه المحاضر ومن ثم فتصرف النيابة في الدعوى أو التهمة بعد جمع الاستدلالات يختلف عن تصرفها فيها بعد مباشرتها التحقيق بنفسها في الحالات الجائز لها ذلك وسنبين فيما يلي كيفية تصرفها في الحالتين والفارق بين التصرفين والآثار القانونية والعملية التي يمكن أن تنشأ عن كل منهما.
( أ ) في تصرفات النيابة العامة في التهمة بعد جمع الاستدلالات:
1 - متى يكون إصدار أوامر الحفظ وصيغها:
نصت المادة (61) من قانون الإجراءات الجنائية الواردة في باب تصرفات النيابة في التهمة بعد جمع الاستدلالات أنه إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير في الدعوى تأمر بحفظ الأوراق كما نصت المادة (62) على وجوب إعلان الأمر بالحفظ إلى المجني عليه وإلى المدعي بالحقوق المدنية أو ورثتهما ثم نصت المادة (63) على أنه إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لرفعها بناءً على الاستدلالات التي جمعت تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة وإذا رأت في مواد الجنح أن هناك محلاً لإجراء تحقيق فلها أن تُحيل الدعوى إلى قاضي التحقيق أو أن تتولى هي التحقيق طبقًا للمادة (199)، وما بعدها فإذا رأت في مواد الجنايات أن الاستدلالات التي جمعت كافية للسير في الدعوى تحيلها إلى قاضي التحقيق.
ومفهوم هذه النصوص أن الأمر بالحفظ المشار إليه في المادة (61) يصدر بعد مطالعة محاضر جمع الاستدلالات المرسلة إلى النيابة العامة من مأموري الضبط القضائي أو التي باشرتها بنفسها في الجنايات وأنه يمكن للنيابة العامة إصدار هذه الأوامر في الجنايات والجنح والمخالفات على السواء ما دام أنها ترى أن الاستدلالات التي جمعت غير كافية للسير في الدعوى في الجنايات أو غير صالحة لرفعها في الجنح والمخالفات فإذا رأت أن الاستدلالات التي جمعت في مواد الجنح والمخالفات غير صالحة بحالتها للتصرف في الدعوى وأن الأمر يتطلب إجراء تحقيق فلها أن تحيل الدعوى إلى قاضي التحقيق ليتولى إجراؤه أو أن تتولاه هي بنفسها طبقًا للمادة (199)، وما بعدها فإذا كانت الاستدلالات التي جمعت فيها صالحة لرفع الدعوى تكلف المتهم الحضور مباشرةً أمام المحكمة المختصة، وليس أمام النيابة العامة - في مواد الجنايات - أن رأت أن الاستدلالات كافية للسير في الدعوى إلا أن تحيلها إلى قاضي التحقيق فإذا ما أحيلت إليه أو أحيلت إليه جنحة ما أصبح هو دون غيره المختص بتحقيقها والتصرف فيها (م69 إجراءات)، وتقابل المادة (61) من قانون الإجراءات المادة 42/ 1 من قانون تحقيق الجنايات الملغى مع فارق هام هو أن المادة الأخيرة كانت تسمح للنيابة بحفظ الأوراق بعد ما تكون قد أجرته من تحقيقات قضائية صحيحة في كافة أنواع الجرائم وكان المتبع عملاً في ظل القانون الملغى أن التبليغات والشكاوى التي تنتهي الاستدلالات فيها إلى الجزم بانعدام قيام أية جريمة تفيد بدفتر خاص يسمى (دفتر الشكاوى الإدارية) كما أن التبليغات والشكاوى التي يثبت من الاستدلالات التي تمت فيها أنها حوادث عارضة مردها القضاء والقدر تقيد (بدفتر العوارض) أما التبليغات والشكاوى التي يسفر جمع الاستدلالات فيها أو تحقيقها عن قيام أية جريمة فتقيد وتوصف بما يتفق والواقعة مخالفة كانت أم جنحة أم جناية وبعد القيد والوصف يتم التصرف فيها بالحفظ إن رأت النيابة أن لا وجه لإقامة الدعوى أو تقدمها مباشرةً إلى المحكمة المختصة في المخالفات والجنح أو إلى قاضي الإحالة في الجنايات إن رأت أن الدعوى صالحة لرفعها وصيغ الحفظ التي كانت مألوفة هي الحفظ المؤقت (لعدم كفاية الأدلة) أو (لعدم معرفة الفاعل) والحفظ القطعي (لعدم الجناية) أو (لعدم الصحة) أو لعدم جواز رفع الدعوى أو لامتناع العقاب - أو لسقوط الحق في إقامة الدعوى بمضي المدة - أو لانقضائها أو لسقوطها بوفاة المتهم أو لانقضائها بالصلح أو لعدم الأهمية أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية - ومرد هذه الصيغ القانون أو الظروف العملية بالنسبة للحفظ (لعدم الأهمية) أو الاكتفاء بالمحاكمة الإدارية ولم يأتِ قانون الإجراءات الجنائية بجديد بالنسبة لصيغة الحفظ المؤقت، فيمكن للنيابة العامة أن تحفظ أوراق المخالفة أو الجنحة أو الجناية بعد جمع الاستدلالات مؤقتًا (لعدم معرفة الفاعل) أو (لعدم كفاية الاستدلالات) أما بالنسبة لصيغ الحفظ القطعي فقد أحدث القانون الجديد تغييرًا في بعض الصيغ دون البعض الآخر والصيغ التي لم يحدث بها تغيير هي الحفظ القطعي (لعدم الجناية) أو (لامتناع العقاب) - أو (لعدم جواز رفع الدعوى) أو (لعدم الصحة) أو لعدم الأهمية - أو الاكتفاء بالمحاكمة الإدارية أو لانقضائها بالصلح - أما حفظ الدعوى لسقوط الحق في إقامتها بمضي المدة أو بوفاة المتهم فالصيغة الجديدة هي انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة أو بوفاة المتهم وأحوال الحفظ القطعي (لعدم جواز رفع الدعوى) هي الحالات التي قضى فيها القانون بعدم جواز إقامتها إطلاقًا - كحالة الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة أو إذا تبين من الاستدلالات سبق الفصل نهائيًا في الدعوى الجنائية أو الحالات التي اشترط القانون لتحريكها ومباشرتها شرائط معينة كما جاء بالمواد (3) و( و(9) من قانون الإجراءات فإذا لم تقدم الشكوى أو الطلب المنصوص عليهما في هذه المواد فلا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها، أما إذا تقدمت الشكوى أو الطلب وتنازل مقدمهما قبل صدور حكم نهائي في الدعوى وكان هذا التنازل قبل رفع الدعوى للمحكمة فعلى النيابة العامة أن تحفظها قطعيًا (لانقضاء الدعوى الجنائية بالتنازل) فإذا قدمت الشكوى بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبيها فلا تقبل منه هذه الشكوى ويتعين على النيابة حفظ الأوراق قطعيًا (لعدم قبول الدعوى الجنائية).
هذه هي الصيغ التي يمكن للنيابة العامة العمل بها في ظل القانون الجديد ولكن هل يمكن العمل بها على إطلاقها وهل يمكن حفظ الجناية قطعيًا (لعدم الصحة) أو (لعدم الأهمية) أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية أو مؤقتًا لعدم كفاية الاستدلالات ورأينا أنه يمكن للنيابة العامة أن تحفظ المخالفات والجنح بعد جمع الاستدلالات قطعيًا لعدم الصحة أو لعدم الأهمية أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية لأنها وحدها المختصة بتقدير الدليل في المخالفات والجنح ولأنها وهي صاحبة الدعوى العمومية قد ترى أن الظروف والملابسات المحيطة بالدعوى تكفي معها المحاكمة الإدارية - التي قد تكون أقسى وأشد من المحاكمة العادية - أو تدعو إلى حفظ الدعوى لعدم الأهمية وأنه من الخير للمجتمع التنازل عن حقه في معاقبة الجاني أو الاكتفاء بمحاكمته إداريًا، أما بالنسبة للجنايات فنرى أنه ليس من حق النيابة العامة حفظها على الوجه السابق لأنه لا يمكن أن يقال إن الدليل في الجناية مدسوس على المتهم وغير صحيح أو أنه غير كافٍ إلا بعد تحقيق قضائي لا تملكه ومناقشة الدليل فيها والانتهاء إلى القول بعدم صحته أو كفايته لا يتأتى إلا بعد التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق لأنه لا شك أن النيابة عند بدئها في جمع الاستدلالات في جناية قد يثبت عدم صحتها أو عدم كفاية الدلائل فيها تواجه باستدلالات - في ظاهرها على الأقل - كافية للسير في الدعوى فيتعين عليها والحالة هذه أن تحيلها إلى قاضي التحقيق ليتولى تحقيقها والتصرف فيها وخاصةً إذا لوحظ أن القرار بعدم صحة الدلائل وعدم كفايتها يترتب عليه آثار جسيمة بالنسبة للمبلغ أو المجني عليه ومن حقه أن يعطي فرصة للطعن في هذا القرار أمام جهة قضائية ثانية وهو ما لم يملكه لو أن الحفظ صدر من النيابة العامة في حين أن من حقه الطعن في القرار الذي يصدر من قاضي التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الدلائل أو لعدم صحتها أمام غرفة الاتهام التي عليها أن تنظر الدعوى الجنائية من جديد وتمحصها وأن تستوفي - بنفسها أو بندب من ترى ندبه من قضاة التحقيق - أوجه النقض في التحقيقات، كما أنه إذا كانت النيابة ترى أن تحفظ الدعوى في جناية (لعدم الأهمية) - أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية فمعنى ذلك أنها ترى أن الاستدلالات كافية للسير فيها وما دام أنه قد تحقق لديها ذلك وجب عليها إحالتها إلى قاضي التحقيق عملاً بالمادة 63/ 3 إجراءات، ولا يمكن أن يتصور أنه من السهل على المجتمع أن يتنازل نهائيًا عن حقه في معاقبة الجاني في جناية الدلائل فيها كافية لمجرد حصول صلح فيها أو لأي سبب آخر كما لا يمكن أن تكون المحاكمة الإدارية رادعة لموظف استهان بعمله ووظيفته فارتكب جناية ما، ولقد قدر المشروع الظروف والملابسات التي قد تُحيط بالدعوى تقديرًا سليمًا لم ينته معه إلا إلى القول بتخفيف العقاب (م 158/ 2 و3 إجراءات)، ولو قلنا بغير ذلك لأصبح من حق النيابة العامة حبس أي جناية ترى لسبب أو لآخر عدم تقديم المتهم فيها للمحاكمة وحفظتها على الوجه الذي تريد وهو ما ينسح نصوص القانون المتعلقة بالتحقيق ويجعلها غير ذات موضوع.
2 - من يملك إصدار أوامر الحفظ:
لم يبين قانون الإجراءات الجنائية من يملك من أعضاء النيابة إصدار أوامر الحفظ كما فعل المشرع في قانون تحقيق الجنايات الملغى حيث نص في المادة 42/ 1 المشار إليها آنفًا على أن أمر الحفظ في مواد الجنايات يكون من رئيس النيابة العمومية أو من يقوم مقامه ومعنى ذلك أن لجميع أعضاء النيابة - عدا معاوني النيابة - الآن حق إصدار أوامر الحفظ في المخلفات والجنح والجنايات وإن كنا نوافق النائب العام على ما ارتآه من ضرورة إصدار أوامر الحفظ في الجنايات من رؤساء النيابة أن يقوم مقامهم (م29/ 3 من تعليمات النيابة العامة في شأن تنفيذ قانون الإجراءات الجنائية).
3 - إعلان أوامر الحفظ:
نصت المادة (62) إجراءات على إلزام النيابة العامة لإعلان أوامر الحفظ للمجني عليهم وللمدعين بالحق المدني أو ورثتهما جملة في حالة الوفاة ولم تبين طريقة الإعلان ويمكن أن يكون الإعلان على يد محضر أو بواسطة أحد رجال السلطة العامة أو بإرسال خطاب موصى عليه أو بأي وسيلة أخرى يمكن بها إخبار المجني عليه أو المدعي المدني بالحفظ والمهم في ذلك كله أن تتضمن ورقة الإعلان الأسباب التي استندت إليها النيابة في الحفظ ليكون المجني عليه أو المدعي المدني على بينة منها فيستطيع أن يتظلم من القرار لرئيس النيابة أو المحامي العام أو النائب العام أو أن يرفع دعواه مباشرةً في المخالفات أو الجنح.
4 - ماهية أوامر الحفظ والآثار المترتبة عليها:
أوامر الحفظ التي تصدر من النيابة العامة بعد جمع الاستدلالات تعتبر من قبيل الحفظ الإداري الصادر من النيابة العامة باعتبارها سلطة اتهام وليس حفظًا قضائيًا صادرًا منها باعتبارها سلطة تحقيق وهو في الواقع أمر منها بعدم السير في الدعوى مطلقًا سواء بتحقيقها أو رفعها مباشرةً للمحكمة ومن ثم فلا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه ويمكن لها العدول عنه في أي وقت والسير في الدعوى ولو لم تظهر أدلة جديدة ويمكن أن يكون هذا العدول من نفس وكيل النيابة الذي أصدر الأمر كما يكون من رئيس النيابة أو المحامي العام أو النائب العام دون تقيد بسبب معين أو موعد محدد.
والأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق وعدم السير في الدعوى لا يمكن استئنافه من المجني عليه أو المدعي المدني مع أنهما لا يملكان رفع الدعوى مباشرةً في الجنايات ولا الالتجاء إلى قاضي التحقيق في حين أنهما في مقدورهما استئناف الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة العامة بعد التحقيق أو من قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام وإذا كان لهما حق رفع الدعوى مباشرةً في المخالفات والجنح فالطريق أمامهما مقفل في مواد الجنايات اللهم إلا من تظلم للمحامي العام أو النائب العام لا ينتج أثره في الغالب وكان الأوفق إعطاؤهما حق استئناف أوامر الحفظ الصادرة في مواد الجنايات أمام جهة قضائية لتطمئن نفس المجني عليه أو المدعي المدني إن صدر قرارها بتأييد أمر الحفظ وليكون ذلك مدعاة للبعد عن التأثيرات والتقلبات الجوية المحيطة بالدعوى.
(ب) في تصرفات النيابة العامة في التهمة بعد مباشرتها التحقيق:
نصت المادة 63/ 2 إجراءات على أن النيابة العامة أن تتولى التحقيق في الجنح طبقًا للمادة (199) وما بعدها من القانون وإذا كان المشرع قد نص صراحةً على إعطاء النيابة حق التحقيق في الجنح فليس معنى هذا أن ليس لها هذا الحق في المخالفات فحقها في ذلك ثابت من باب أولى وإغفال النص عليه مرده تفاهة قضايا المخالفات وانعدام الحاجة الماسة لتحقيقها بمعرفة النيابة فإذا رأت النيابة العامة أن مخالفة ما تستحق منها التحقيق فلها إجراءه بنفسها أو ندب من تراه من المأمورين لمباشرته.
وتصرف النيابة في التهمة بعد التحقيق في المخالفات والجنح ينتهي إما إلى رفعها مباشرةً للمحكمة المختصة إن رأت أن واقعة المخالفة أو الجنحة ثابتة ثبوتًا كافيًا على المتهم أو إحالتها إلى قاضي التحقيق إن رأت أن التهمة جناية (م214 إجراءات) أو إصدار أمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا رأت أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الدلائل غير كافية للاتهام (م209 إجراءات)، ومن ثم فليس أمام النيابة العامة - بعد التحقيق - إلا صيغة واحدة للحفظ هي الأمر (بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية) لأن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو لأن الدلائل غير كافية على الاتهام، ويدخل في مدلول الحالة الأولى جميع الحالات التي يقف فيها القانون حجر عثرة في سبيل معاقبة الجاني كما إذا فقدت الجريمة ركنًا من أركانها أو امتنع العقاب عليها أو لم يجز رفع الدعوى بشأنها أو إذا ثبت انقضاؤها بمضي المدة أو بالصلح أو التنازل أو الوفاة كما يدخل في مدلول الحالة الثانية الحفظ لانعدام الدليل قبل شخص معين أو لعدم كفايته قبلة أو عدم صحته لن كل هذه الصور متصلة اتصالاً وثيقًا بالدلائل ومدى كفايتها على الاتهام.
أما الحفظ لعدم الأهمية أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية فلا يدخل في مدلول الحالتين المشار إليهما آنفًا لأن القانون يُعاقب على الواقعة ولأن الدلائل فيها كافية على الاتهام، ومن ثم فليس للنيابة العامة الآن بعد إجرائها التحقيق التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية أو اكتفاءً منها بالمحاكمة الإدارية ويتعين عليها في الحالين رفع الدعوى مباشرةً للمحكمة المختصة.
وعلى النيابة العامة أن تصدر الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ما دام أنها قد تولت بنفسها تحقيق جنحة أو مخالفة ورأت أن الدلائل غير كافية أو أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون كما يجب عليها إصدار هذا القرار إذا ندبت غيرها من مأموري الضبط القضائي لمباشرة التحقيق عملا بالمادة (200) إجراءات وتبين لها من مطالعته أو الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الدلائل غير كافية ويجب أن يكون أمر الندب مكتوبًا ومشتملاً على اسم ووظيفة من أصدره ووظيفة المأمور المنتدب واسم المتهم والتهمة المنسوبة إليه، والأعمال المطلوب إجراءها وأن يُذيل بتوقيع من أصدره وتاريخ إصداره، ومجرد إحالة الأوراق من النيابة إلى البوليس لا يعد انتدابًا منها لإجراء التحقيق، ويعتبر من قبيل التحقيق الموجب لإصدار الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية استجواب المتهم بمعرفة النيابة العامة بعد مراجعة محضر جمع الاستدلالات الذي أجراه البوليس وانتداب النيابة العامة للطبيب الشرعي لتشريح جثة المجني عليه وتقديم تقرير بما شاهده وبرأيه في الوفاة وأسبابها.... إلخ، وذلك لن المفروض أن الاستدلالات التي جمعت في الجنح والمخالفات كافية للتصرف في الدعوى فإن اتخذت النيابة فيها أي عمل من أعمال التحقيق سواء بطريق الإصالة أو الإنابة عد هذا تحقيقًا موجبًا لإصدار الأمر بأن لا وجه.
ويملك جميع أعضاء النيابة - عدا معاوني النيابة - إصدار الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
ويجب إعلان الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادرة من النيابة العامة لمن لم يصدر هذا الأمر في مواجهته من الخصوم، وذلك حتى يتمكن من الطعن فيه أمام غرفة الاتهام عملاً بالمادة (210) إجراءات ويكون الإعلان إما عن طريق قلم المحضرين أو بواسطة رجال السلطة العامة (م (83) و(165) و(210) إجراءات).
(ماهية الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر من النيابة العامة والآثار المترتبة عليه):
يعتبر الأمر بأن لا وجه الصادر من النيابة العامة بعد التحقيق من قبيل التصرفات القضائية الصادرة منها باعتبارها سلطة تحقيق ومن ثم فإنه يحوز قوة الشيء المحكوم فيه ولا يمكن العدول عنه أو إلغاؤه إلا بالشروط والأوضاع التي بينها القانون والتي نوضحها فيما يلي:
1 - للنائب العام أو المحامي العام حق إلغاء الأمر المذكور في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره إلا أنه لا يجوز لهما ذلك إذا صدر قرار من غرفة الاتهام برفض الطعن المرفوع لها عن هذا الأمر فإذا كان القرار الصادر من الغرفة بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد أو لرفعه بطريقة مخالفة للقانون فلا يوجد قانونًا ما يمنع النائب العام أو المحامي العام من إلغاء الأمر لأن قرارهما في هذه الحالة لا يتعارض مع ما قضت به الغرفة كما أنه - لا يوجد قانونًا ما يمنعهما من إلغاء الأمر رغم حصول الطعن فيه - ما دام أن غرفة الاتهام لم تفصل بعد في الطعن المرفوع لها عنه فإذا حصل الإلغاء على هذا الوجه وجب عليها أن تقضي بسقوط الطعن.
2 - للمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر المذكور أمام غرفة الاتهام طبقًا لأحكام المواد (162) وما بعدها من قانون الإجراءات وذلك بتقرير في قلم الكتاب في ميعاد ثلاثة أيام من صدور الأمر إذا كان الأمر صادرًا في مواجهتهما أو من تاريخ إعلانهما به إن كان قد صدر في غيبتهما (تراجع المواد (210) و(162) و(165) إجراءات).
3 - للمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللنائب العام الطعن بطريق النقض في القرار الصادر من غرفة الاتهام برفض الطعن المقدم من المجني عليه أو من المدعي المدني إذا كان هناك خطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها ويحصل هذا الطعن بالأوضاع المقررة للطعن في الأحكام بطرق النقض (تراجع المواد (212) و(195) و(196) و(424) وما بعدها من قانون الإجراءات).
4 - لا يمنع الأمر بأن لا وجه الصادر من النيابة العامة من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية ويشترط أن يكون الدليل جديدًا ولم يكن قد عرض على النيابة عند تحقيقها من قبل أما إذا كان قد عرض عليها وفاتها تحقيقه فلا يصح أن يكون أساسًا لاستئناف التحقيق بعد الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وجاء بالمادة 197/ 2 إجراءات التي تحيل عليها المادة (213) الواردة في باب التحقيق بمعرفة النيابة أنه يعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم تعرض على قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام ويكون من شأنها تقوية الدلائل التي وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدي إلى الحقيقة.
5 - ليس للمجني عليه أو للمدعي بالحق المدني الحق في رفع دعواهما مباشرةً أثناء مباشرة النيابة التحقيق في المخالفات والجنح ولا بعد صدور قرارها بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وذلك استنادًا إلى نصوص المواد (69) و(162) و(199) من قانون الإجراءات الجنائية التي يستفاد منها أنه متى بدأت النيابة العامة في تحقيق جنحة كانت هي دون غيرها صاحبة الحق في تحقيقها والتصرف فيها ما لم ترَ إحالتها إلى قاضي التحقيق وللمدعي المدني أن يحضر هو أو وكيله كافة إجراءات التحقيق كما له وللمجني عليه استئناف الأمر الصادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيتمكن بذلك من طرح الدعوى الجنائية أمام غرفة الاتهام ومن ثم فلا يمكن للمدعي المدني انتزاع الدعوى الجنائية من يد النيابة العامة أثناء مباشرتها التحقيق برفعها مباشرةً إلى المحكمة ما دام أنها لم تستكمل تحقيقها وتتصرف فيها فإذا انتهى تصرفها إلى الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية فلا يمكن تحريك الدعوى الجنائية مباشرةً بعد ذلك لاحتمال ظهور أدلة جديدة النيابة وحدها هي المختصة بتحقيقها ولأنه لمن يريد تحريك الدعوى الجنائية بالادعاء مدنيًا استئناف الأمر بأن لا وجه أمام غرفة الاتهام فإذا قضت هذه الأخيرة بتأييد الأمر كان قضاؤها دليلاً على صحته ولا محل بعد ذلك لتحريك الدعوى بالطريق المباشر.
( أ ) في تصرفات النيابة العامة في التهمة بعد جمع الاستدلالات:
1 - متى يكون إصدار أوامر الحفظ وصيغها:
نصت المادة (61) من قانون الإجراءات الجنائية الواردة في باب تصرفات النيابة في التهمة بعد جمع الاستدلالات أنه إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير في الدعوى تأمر بحفظ الأوراق كما نصت المادة (62) على وجوب إعلان الأمر بالحفظ إلى المجني عليه وإلى المدعي بالحقوق المدنية أو ورثتهما ثم نصت المادة (63) على أنه إذا رأت النيابة العامة في مواد المخالفات والجنح أن الدعوى صالحة لرفعها بناءً على الاستدلالات التي جمعت تكلف المتهم بالحضور مباشرة أمام المحكمة المختصة وإذا رأت في مواد الجنح أن هناك محلاً لإجراء تحقيق فلها أن تُحيل الدعوى إلى قاضي التحقيق أو أن تتولى هي التحقيق طبقًا للمادة (199)، وما بعدها فإذا رأت في مواد الجنايات أن الاستدلالات التي جمعت كافية للسير في الدعوى تحيلها إلى قاضي التحقيق.
ومفهوم هذه النصوص أن الأمر بالحفظ المشار إليه في المادة (61) يصدر بعد مطالعة محاضر جمع الاستدلالات المرسلة إلى النيابة العامة من مأموري الضبط القضائي أو التي باشرتها بنفسها في الجنايات وأنه يمكن للنيابة العامة إصدار هذه الأوامر في الجنايات والجنح والمخالفات على السواء ما دام أنها ترى أن الاستدلالات التي جمعت غير كافية للسير في الدعوى في الجنايات أو غير صالحة لرفعها في الجنح والمخالفات فإذا رأت أن الاستدلالات التي جمعت في مواد الجنح والمخالفات غير صالحة بحالتها للتصرف في الدعوى وأن الأمر يتطلب إجراء تحقيق فلها أن تحيل الدعوى إلى قاضي التحقيق ليتولى إجراؤه أو أن تتولاه هي بنفسها طبقًا للمادة (199)، وما بعدها فإذا كانت الاستدلالات التي جمعت فيها صالحة لرفع الدعوى تكلف المتهم الحضور مباشرةً أمام المحكمة المختصة، وليس أمام النيابة العامة - في مواد الجنايات - أن رأت أن الاستدلالات كافية للسير في الدعوى إلا أن تحيلها إلى قاضي التحقيق فإذا ما أحيلت إليه أو أحيلت إليه جنحة ما أصبح هو دون غيره المختص بتحقيقها والتصرف فيها (م69 إجراءات)، وتقابل المادة (61) من قانون الإجراءات المادة 42/ 1 من قانون تحقيق الجنايات الملغى مع فارق هام هو أن المادة الأخيرة كانت تسمح للنيابة بحفظ الأوراق بعد ما تكون قد أجرته من تحقيقات قضائية صحيحة في كافة أنواع الجرائم وكان المتبع عملاً في ظل القانون الملغى أن التبليغات والشكاوى التي تنتهي الاستدلالات فيها إلى الجزم بانعدام قيام أية جريمة تفيد بدفتر خاص يسمى (دفتر الشكاوى الإدارية) كما أن التبليغات والشكاوى التي يثبت من الاستدلالات التي تمت فيها أنها حوادث عارضة مردها القضاء والقدر تقيد (بدفتر العوارض) أما التبليغات والشكاوى التي يسفر جمع الاستدلالات فيها أو تحقيقها عن قيام أية جريمة فتقيد وتوصف بما يتفق والواقعة مخالفة كانت أم جنحة أم جناية وبعد القيد والوصف يتم التصرف فيها بالحفظ إن رأت النيابة أن لا وجه لإقامة الدعوى أو تقدمها مباشرةً إلى المحكمة المختصة في المخالفات والجنح أو إلى قاضي الإحالة في الجنايات إن رأت أن الدعوى صالحة لرفعها وصيغ الحفظ التي كانت مألوفة هي الحفظ المؤقت (لعدم كفاية الأدلة) أو (لعدم معرفة الفاعل) والحفظ القطعي (لعدم الجناية) أو (لعدم الصحة) أو لعدم جواز رفع الدعوى أو لامتناع العقاب - أو لسقوط الحق في إقامة الدعوى بمضي المدة - أو لانقضائها أو لسقوطها بوفاة المتهم أو لانقضائها بالصلح أو لعدم الأهمية أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية - ومرد هذه الصيغ القانون أو الظروف العملية بالنسبة للحفظ (لعدم الأهمية) أو الاكتفاء بالمحاكمة الإدارية ولم يأتِ قانون الإجراءات الجنائية بجديد بالنسبة لصيغة الحفظ المؤقت، فيمكن للنيابة العامة أن تحفظ أوراق المخالفة أو الجنحة أو الجناية بعد جمع الاستدلالات مؤقتًا (لعدم معرفة الفاعل) أو (لعدم كفاية الاستدلالات) أما بالنسبة لصيغ الحفظ القطعي فقد أحدث القانون الجديد تغييرًا في بعض الصيغ دون البعض الآخر والصيغ التي لم يحدث بها تغيير هي الحفظ القطعي (لعدم الجناية) أو (لامتناع العقاب) - أو (لعدم جواز رفع الدعوى) أو (لعدم الصحة) أو لعدم الأهمية - أو الاكتفاء بالمحاكمة الإدارية أو لانقضائها بالصلح - أما حفظ الدعوى لسقوط الحق في إقامتها بمضي المدة أو بوفاة المتهم فالصيغة الجديدة هي انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة أو بوفاة المتهم وأحوال الحفظ القطعي (لعدم جواز رفع الدعوى) هي الحالات التي قضى فيها القانون بعدم جواز إقامتها إطلاقًا - كحالة الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة أو إذا تبين من الاستدلالات سبق الفصل نهائيًا في الدعوى الجنائية أو الحالات التي اشترط القانون لتحريكها ومباشرتها شرائط معينة كما جاء بالمواد (3) و( و(9) من قانون الإجراءات فإذا لم تقدم الشكوى أو الطلب المنصوص عليهما في هذه المواد فلا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها، أما إذا تقدمت الشكوى أو الطلب وتنازل مقدمهما قبل صدور حكم نهائي في الدعوى وكان هذا التنازل قبل رفع الدعوى للمحكمة فعلى النيابة العامة أن تحفظها قطعيًا (لانقضاء الدعوى الجنائية بالتنازل) فإذا قدمت الشكوى بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبيها فلا تقبل منه هذه الشكوى ويتعين على النيابة حفظ الأوراق قطعيًا (لعدم قبول الدعوى الجنائية).
هذه هي الصيغ التي يمكن للنيابة العامة العمل بها في ظل القانون الجديد ولكن هل يمكن العمل بها على إطلاقها وهل يمكن حفظ الجناية قطعيًا (لعدم الصحة) أو (لعدم الأهمية) أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية أو مؤقتًا لعدم كفاية الاستدلالات ورأينا أنه يمكن للنيابة العامة أن تحفظ المخالفات والجنح بعد جمع الاستدلالات قطعيًا لعدم الصحة أو لعدم الأهمية أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية لأنها وحدها المختصة بتقدير الدليل في المخالفات والجنح ولأنها وهي صاحبة الدعوى العمومية قد ترى أن الظروف والملابسات المحيطة بالدعوى تكفي معها المحاكمة الإدارية - التي قد تكون أقسى وأشد من المحاكمة العادية - أو تدعو إلى حفظ الدعوى لعدم الأهمية وأنه من الخير للمجتمع التنازل عن حقه في معاقبة الجاني أو الاكتفاء بمحاكمته إداريًا، أما بالنسبة للجنايات فنرى أنه ليس من حق النيابة العامة حفظها على الوجه السابق لأنه لا يمكن أن يقال إن الدليل في الجناية مدسوس على المتهم وغير صحيح أو أنه غير كافٍ إلا بعد تحقيق قضائي لا تملكه ومناقشة الدليل فيها والانتهاء إلى القول بعدم صحته أو كفايته لا يتأتى إلا بعد التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق لأنه لا شك أن النيابة عند بدئها في جمع الاستدلالات في جناية قد يثبت عدم صحتها أو عدم كفاية الدلائل فيها تواجه باستدلالات - في ظاهرها على الأقل - كافية للسير في الدعوى فيتعين عليها والحالة هذه أن تحيلها إلى قاضي التحقيق ليتولى تحقيقها والتصرف فيها وخاصةً إذا لوحظ أن القرار بعدم صحة الدلائل وعدم كفايتها يترتب عليه آثار جسيمة بالنسبة للمبلغ أو المجني عليه ومن حقه أن يعطي فرصة للطعن في هذا القرار أمام جهة قضائية ثانية وهو ما لم يملكه لو أن الحفظ صدر من النيابة العامة في حين أن من حقه الطعن في القرار الذي يصدر من قاضي التحقيق بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الدلائل أو لعدم صحتها أمام غرفة الاتهام التي عليها أن تنظر الدعوى الجنائية من جديد وتمحصها وأن تستوفي - بنفسها أو بندب من ترى ندبه من قضاة التحقيق - أوجه النقض في التحقيقات، كما أنه إذا كانت النيابة ترى أن تحفظ الدعوى في جناية (لعدم الأهمية) - أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية فمعنى ذلك أنها ترى أن الاستدلالات كافية للسير فيها وما دام أنه قد تحقق لديها ذلك وجب عليها إحالتها إلى قاضي التحقيق عملاً بالمادة 63/ 3 إجراءات، ولا يمكن أن يتصور أنه من السهل على المجتمع أن يتنازل نهائيًا عن حقه في معاقبة الجاني في جناية الدلائل فيها كافية لمجرد حصول صلح فيها أو لأي سبب آخر كما لا يمكن أن تكون المحاكمة الإدارية رادعة لموظف استهان بعمله ووظيفته فارتكب جناية ما، ولقد قدر المشروع الظروف والملابسات التي قد تُحيط بالدعوى تقديرًا سليمًا لم ينته معه إلا إلى القول بتخفيف العقاب (م 158/ 2 و3 إجراءات)، ولو قلنا بغير ذلك لأصبح من حق النيابة العامة حبس أي جناية ترى لسبب أو لآخر عدم تقديم المتهم فيها للمحاكمة وحفظتها على الوجه الذي تريد وهو ما ينسح نصوص القانون المتعلقة بالتحقيق ويجعلها غير ذات موضوع.
2 - من يملك إصدار أوامر الحفظ:
لم يبين قانون الإجراءات الجنائية من يملك من أعضاء النيابة إصدار أوامر الحفظ كما فعل المشرع في قانون تحقيق الجنايات الملغى حيث نص في المادة 42/ 1 المشار إليها آنفًا على أن أمر الحفظ في مواد الجنايات يكون من رئيس النيابة العمومية أو من يقوم مقامه ومعنى ذلك أن لجميع أعضاء النيابة - عدا معاوني النيابة - الآن حق إصدار أوامر الحفظ في المخلفات والجنح والجنايات وإن كنا نوافق النائب العام على ما ارتآه من ضرورة إصدار أوامر الحفظ في الجنايات من رؤساء النيابة أن يقوم مقامهم (م29/ 3 من تعليمات النيابة العامة في شأن تنفيذ قانون الإجراءات الجنائية).
3 - إعلان أوامر الحفظ:
نصت المادة (62) إجراءات على إلزام النيابة العامة لإعلان أوامر الحفظ للمجني عليهم وللمدعين بالحق المدني أو ورثتهما جملة في حالة الوفاة ولم تبين طريقة الإعلان ويمكن أن يكون الإعلان على يد محضر أو بواسطة أحد رجال السلطة العامة أو بإرسال خطاب موصى عليه أو بأي وسيلة أخرى يمكن بها إخبار المجني عليه أو المدعي المدني بالحفظ والمهم في ذلك كله أن تتضمن ورقة الإعلان الأسباب التي استندت إليها النيابة في الحفظ ليكون المجني عليه أو المدعي المدني على بينة منها فيستطيع أن يتظلم من القرار لرئيس النيابة أو المحامي العام أو النائب العام أو أن يرفع دعواه مباشرةً في المخالفات أو الجنح.
4 - ماهية أوامر الحفظ والآثار المترتبة عليها:
أوامر الحفظ التي تصدر من النيابة العامة بعد جمع الاستدلالات تعتبر من قبيل الحفظ الإداري الصادر من النيابة العامة باعتبارها سلطة اتهام وليس حفظًا قضائيًا صادرًا منها باعتبارها سلطة تحقيق وهو في الواقع أمر منها بعدم السير في الدعوى مطلقًا سواء بتحقيقها أو رفعها مباشرةً للمحكمة ومن ثم فلا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه ويمكن لها العدول عنه في أي وقت والسير في الدعوى ولو لم تظهر أدلة جديدة ويمكن أن يكون هذا العدول من نفس وكيل النيابة الذي أصدر الأمر كما يكون من رئيس النيابة أو المحامي العام أو النائب العام دون تقيد بسبب معين أو موعد محدد.
والأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ الأوراق وعدم السير في الدعوى لا يمكن استئنافه من المجني عليه أو المدعي المدني مع أنهما لا يملكان رفع الدعوى مباشرةً في الجنايات ولا الالتجاء إلى قاضي التحقيق في حين أنهما في مقدورهما استئناف الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة العامة بعد التحقيق أو من قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام وإذا كان لهما حق رفع الدعوى مباشرةً في المخالفات والجنح فالطريق أمامهما مقفل في مواد الجنايات اللهم إلا من تظلم للمحامي العام أو النائب العام لا ينتج أثره في الغالب وكان الأوفق إعطاؤهما حق استئناف أوامر الحفظ الصادرة في مواد الجنايات أمام جهة قضائية لتطمئن نفس المجني عليه أو المدعي المدني إن صدر قرارها بتأييد أمر الحفظ وليكون ذلك مدعاة للبعد عن التأثيرات والتقلبات الجوية المحيطة بالدعوى.
(ب) في تصرفات النيابة العامة في التهمة بعد مباشرتها التحقيق:
نصت المادة 63/ 2 إجراءات على أن النيابة العامة أن تتولى التحقيق في الجنح طبقًا للمادة (199) وما بعدها من القانون وإذا كان المشرع قد نص صراحةً على إعطاء النيابة حق التحقيق في الجنح فليس معنى هذا أن ليس لها هذا الحق في المخالفات فحقها في ذلك ثابت من باب أولى وإغفال النص عليه مرده تفاهة قضايا المخالفات وانعدام الحاجة الماسة لتحقيقها بمعرفة النيابة فإذا رأت النيابة العامة أن مخالفة ما تستحق منها التحقيق فلها إجراءه بنفسها أو ندب من تراه من المأمورين لمباشرته.
وتصرف النيابة في التهمة بعد التحقيق في المخالفات والجنح ينتهي إما إلى رفعها مباشرةً للمحكمة المختصة إن رأت أن واقعة المخالفة أو الجنحة ثابتة ثبوتًا كافيًا على المتهم أو إحالتها إلى قاضي التحقيق إن رأت أن التهمة جناية (م214 إجراءات) أو إصدار أمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا رأت أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الدلائل غير كافية للاتهام (م209 إجراءات)، ومن ثم فليس أمام النيابة العامة - بعد التحقيق - إلا صيغة واحدة للحفظ هي الأمر (بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية) لأن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو لأن الدلائل غير كافية على الاتهام، ويدخل في مدلول الحالة الأولى جميع الحالات التي يقف فيها القانون حجر عثرة في سبيل معاقبة الجاني كما إذا فقدت الجريمة ركنًا من أركانها أو امتنع العقاب عليها أو لم يجز رفع الدعوى بشأنها أو إذا ثبت انقضاؤها بمضي المدة أو بالصلح أو التنازل أو الوفاة كما يدخل في مدلول الحالة الثانية الحفظ لانعدام الدليل قبل شخص معين أو لعدم كفايته قبلة أو عدم صحته لن كل هذه الصور متصلة اتصالاً وثيقًا بالدلائل ومدى كفايتها على الاتهام.
أما الحفظ لعدم الأهمية أو اكتفاء بالمحاكمة الإدارية فلا يدخل في مدلول الحالتين المشار إليهما آنفًا لأن القانون يُعاقب على الواقعة ولأن الدلائل فيها كافية على الاتهام، ومن ثم فليس للنيابة العامة الآن بعد إجرائها التحقيق التقرير بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية أو اكتفاءً منها بالمحاكمة الإدارية ويتعين عليها في الحالين رفع الدعوى مباشرةً للمحكمة المختصة.
وعلى النيابة العامة أن تصدر الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ما دام أنها قد تولت بنفسها تحقيق جنحة أو مخالفة ورأت أن الدلائل غير كافية أو أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون كما يجب عليها إصدار هذا القرار إذا ندبت غيرها من مأموري الضبط القضائي لمباشرة التحقيق عملا بالمادة (200) إجراءات وتبين لها من مطالعته أو الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الدلائل غير كافية ويجب أن يكون أمر الندب مكتوبًا ومشتملاً على اسم ووظيفة من أصدره ووظيفة المأمور المنتدب واسم المتهم والتهمة المنسوبة إليه، والأعمال المطلوب إجراءها وأن يُذيل بتوقيع من أصدره وتاريخ إصداره، ومجرد إحالة الأوراق من النيابة إلى البوليس لا يعد انتدابًا منها لإجراء التحقيق، ويعتبر من قبيل التحقيق الموجب لإصدار الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية استجواب المتهم بمعرفة النيابة العامة بعد مراجعة محضر جمع الاستدلالات الذي أجراه البوليس وانتداب النيابة العامة للطبيب الشرعي لتشريح جثة المجني عليه وتقديم تقرير بما شاهده وبرأيه في الوفاة وأسبابها.... إلخ، وذلك لن المفروض أن الاستدلالات التي جمعت في الجنح والمخالفات كافية للتصرف في الدعوى فإن اتخذت النيابة فيها أي عمل من أعمال التحقيق سواء بطريق الإصالة أو الإنابة عد هذا تحقيقًا موجبًا لإصدار الأمر بأن لا وجه.
ويملك جميع أعضاء النيابة - عدا معاوني النيابة - إصدار الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.
ويجب إعلان الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادرة من النيابة العامة لمن لم يصدر هذا الأمر في مواجهته من الخصوم، وذلك حتى يتمكن من الطعن فيه أمام غرفة الاتهام عملاً بالمادة (210) إجراءات ويكون الإعلان إما عن طريق قلم المحضرين أو بواسطة رجال السلطة العامة (م (83) و(165) و(210) إجراءات).
(ماهية الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر من النيابة العامة والآثار المترتبة عليه):
يعتبر الأمر بأن لا وجه الصادر من النيابة العامة بعد التحقيق من قبيل التصرفات القضائية الصادرة منها باعتبارها سلطة تحقيق ومن ثم فإنه يحوز قوة الشيء المحكوم فيه ولا يمكن العدول عنه أو إلغاؤه إلا بالشروط والأوضاع التي بينها القانون والتي نوضحها فيما يلي:
1 - للنائب العام أو المحامي العام حق إلغاء الأمر المذكور في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره إلا أنه لا يجوز لهما ذلك إذا صدر قرار من غرفة الاتهام برفض الطعن المرفوع لها عن هذا الأمر فإذا كان القرار الصادر من الغرفة بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد أو لرفعه بطريقة مخالفة للقانون فلا يوجد قانونًا ما يمنع النائب العام أو المحامي العام من إلغاء الأمر لأن قرارهما في هذه الحالة لا يتعارض مع ما قضت به الغرفة كما أنه - لا يوجد قانونًا ما يمنعهما من إلغاء الأمر رغم حصول الطعن فيه - ما دام أن غرفة الاتهام لم تفصل بعد في الطعن المرفوع لها عنه فإذا حصل الإلغاء على هذا الوجه وجب عليها أن تقضي بسقوط الطعن.
2 - للمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر المذكور أمام غرفة الاتهام طبقًا لأحكام المواد (162) وما بعدها من قانون الإجراءات وذلك بتقرير في قلم الكتاب في ميعاد ثلاثة أيام من صدور الأمر إذا كان الأمر صادرًا في مواجهتهما أو من تاريخ إعلانهما به إن كان قد صدر في غيبتهما (تراجع المواد (210) و(162) و(165) إجراءات).
3 - للمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللنائب العام الطعن بطريق النقض في القرار الصادر من غرفة الاتهام برفض الطعن المقدم من المجني عليه أو من المدعي المدني إذا كان هناك خطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها ويحصل هذا الطعن بالأوضاع المقررة للطعن في الأحكام بطرق النقض (تراجع المواد (212) و(195) و(196) و(424) وما بعدها من قانون الإجراءات).
4 - لا يمنع الأمر بأن لا وجه الصادر من النيابة العامة من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية ويشترط أن يكون الدليل جديدًا ولم يكن قد عرض على النيابة عند تحقيقها من قبل أما إذا كان قد عرض عليها وفاتها تحقيقه فلا يصح أن يكون أساسًا لاستئناف التحقيق بعد الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، وجاء بالمادة 197/ 2 إجراءات التي تحيل عليها المادة (213) الواردة في باب التحقيق بمعرفة النيابة أنه يعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم تعرض على قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام ويكون من شأنها تقوية الدلائل التي وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدي إلى الحقيقة.
5 - ليس للمجني عليه أو للمدعي بالحق المدني الحق في رفع دعواهما مباشرةً أثناء مباشرة النيابة التحقيق في المخالفات والجنح ولا بعد صدور قرارها بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وذلك استنادًا إلى نصوص المواد (69) و(162) و(199) من قانون الإجراءات الجنائية التي يستفاد منها أنه متى بدأت النيابة العامة في تحقيق جنحة كانت هي دون غيرها صاحبة الحق في تحقيقها والتصرف فيها ما لم ترَ إحالتها إلى قاضي التحقيق وللمدعي المدني أن يحضر هو أو وكيله كافة إجراءات التحقيق كما له وللمجني عليه استئناف الأمر الصادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فيتمكن بذلك من طرح الدعوى الجنائية أمام غرفة الاتهام ومن ثم فلا يمكن للمدعي المدني انتزاع الدعوى الجنائية من يد النيابة العامة أثناء مباشرتها التحقيق برفعها مباشرةً إلى المحكمة ما دام أنها لم تستكمل تحقيقها وتتصرف فيها فإذا انتهى تصرفها إلى الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية فلا يمكن تحريك الدعوى الجنائية مباشرةً بعد ذلك لاحتمال ظهور أدلة جديدة النيابة وحدها هي المختصة بتحقيقها ولأنه لمن يريد تحريك الدعوى الجنائية بالادعاء مدنيًا استئناف الأمر بأن لا وجه أمام غرفة الاتهام فإذا قضت هذه الأخيرة بتأييد الأمر كان قضاؤها دليلاً على صحته ولا محل بعد ذلك لتحريك الدعوى بالطريق المباشر.
مواضيع مماثلة
» الصفات العامة للتحقيق في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» مباشرة التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» ندب الخبراء في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» جمع الاستدلالات ورفع الدعوى في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» اختصاص قاضي التحقيق من حيث المكان في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» مباشرة التحقيق بمعرفة قاضي التحقيق في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» ندب الخبراء في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» جمع الاستدلالات ورفع الدعوى في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
» اختصاص قاضي التحقيق من حيث المكان في ضوء قانون الاجراءات الجنائية
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر :: الفئة الأولى :: ******* ثانيا : المنتدى القانوني :: ( 2) : موضوعات قانونية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى