كتاب شرح أسماء الله الحسني(5)
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر :: الفئة الأولى :: ******* أولا : المنتدى الأسلامي :ــــــ :: 6- مختارات إسلامية
صفحة 1 من اصل 1
كتاب شرح أسماء الله الحسني(5)
24- الـْحَلِيمُ
قال الله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( ).
الذي يَدِرُّ على خلقه، النعم الظاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرة زلاَّتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم. ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا( ).
وهو الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق، والعصيان حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم؛ فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم( ) كما قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ( )، وقال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ( ).
25- العَفُوُّ، 26- الغَفُورُ، 27- الغَفَّارُ
قال الله تعالى: إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( ).
الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده، موصوفاً.
كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
وقد وعد بالمغفرة والعفو، لمن أتى بأسبابها، قال تعالى( ): وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا ثُمَّ اهْتَدَى ( ).
والعفوّ هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا لما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفوٌ يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع، غفر له جميع جرمه: صغيره، وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجُبُّ ما قبله، والتوبة تجبُّ ما قبلها( )، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( )، وفي الحديث ((إن الله يقول: ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))( )، وقال تعالى: إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المـَغْفِرَةِ ( )، وقد فتح الله الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة، والاستغفار، والإيمان، والعمل الصالح، والإحسان إلى عباد الله، والعفو عنهم، وقوة الطمع في فضل الله، وحسن الظن بالله، وغير ذلك مما جعله الله مُقرِّباً لمغفرته( ).
28- التَّوَّابُ
قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( ).
((التَّوَّابُ)) الذي لم يزل يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين، فكل من تاب إلى الله توبة نصوحاً، تاب الله عليه.
فهو التائب على التائبين: أولاً بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه. وهو التائب عليهم بعد توبتهم، قبولاً لها، وعفواً عن خطاياهم( ).
وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعين:
أحدهما: يُوقع في قلب عبده التوبة إليه والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها. واستبدالها بعمل صالح.
والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها؛ فإن التوبة النصوح تجبّ ما قبلها( ).
قال الله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ( ).
29- الرَّقيبُ
الرقيب: المطَّلع على ما أكنَّته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( ).
والرقيب هو سبحانه الذي حفظ المخلوقات وأجراها، على أحسن نظام وأكمل تدبير( ).
30- الشَّهيدُ
الشهيد: أي المطَّلع على جميع الأشياء. سمع جميع الأصوات، خفيّها وجليها. وأبصر جميع الموجودات، دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده، وعلى عباده، بما عملوه( ).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: ((الرقيب)) و((الشهيد)) مترادفان،وكلاهما يدلُّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات،وعلمِه بجميع المعلومات الجليّة والخفية،وهو الرقيب على ما دار في الخواطر،وما تحركت به اللواحظ،ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( )، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ). ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبّد لله باسمه الرقيب الشهيد، فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، وتعبّد بمقام الإحسان فعَبَدَ اللَّهَ كأنَّهُ يَرَاهُ، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه( ).
فإذا كان الله رقيباً على دقائق الخفيات، مطلعاً على السرائر والنيات، كان من باب أولى شهيداً على الظواهر والجليات. وهي الأفعال التي تفعل بالأركان: أي الجوارح( ).
31- الحَفِيظـُ
قال الله تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ( ) ((للحفيظ)) معنيان:
المعنى الأول: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية؛ فإن علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ووكَّل بالعباد ملائكة كراماً كاتبين ((يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ))( )، فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة، وعلمه بمقاديرها، وكمالها، ونقصها، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله.
والمعنى الثاني: من معنيي ((الحفيظ)) أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون ،وحفظه لخلقه نوعان: عام، وخاص.
النوع الأول:حفظه العام لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظه بنيتها،وتمشي إلى هدايته وإلى مصالحها بإرشاده وهدايته العامة التي قال عنها:
أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( )، أي هدى كل مخلوق إلى ما قدّر له، وقضى له من ضروراته وحاجاته، كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح، والسعي في أسباب ذلك، وكدفعه عنهم أصناف المكاره والمضارّ، وهذا يشترك فيه البرّ والفاجر، بل الحيوانات وغيرها، فهو الذي يحفظ السموات والأرض أن تزولا، ويحفظ الخلائق بنعمه، وقد وكّل بالآدمي حفظةً من الملائكة الكرام يحفظونه من أمر الله، أي يدفعون عنه كل ما يضرّه مما هو بصدد أن يضرّه لولا حفظ الله.
والنوع الثاني: حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم، يحفظهم عما يضرّ إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشُّبَهِ والفتن والشهوات، فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس، فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ( )، وهذا عام في دفع جميع ما يضرّهم في دينهم ودنياهم، فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه، وفي الحديث: ((احفظ الله يحفظك))( )، أي احفظ أوامره بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعدّيها، يحفظك في نفسك، ودينك، ومالك، وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله( ).
32- اللَّطِيفُ
قال الله تعالى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ
العَزِيز( )، وقال تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الـْخَبِير ( ).
((اللطيف)) من أسمائه الحسنى، وهو الذي يلطف بعبده في أموره الداخلية المتعلقة بنفسه، ويلطف بعبده في الأمور الخارجية عنه، فيسوقه ويسوق إليه ما به صلاحه من حيث لا يشعر. وهذا من آثار علمه وكرمه ورحمته؛ فلهذا كان معنى اللطيف نوعين:
النوع الأول:أنه الخبير الذي أحاط علمه بالأسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الأمور،وما لطف ودقَّ من كل شيء.
النوع الثاني: لطفه بعبده ووليِّه الذي يريد أن يُتم عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويُرقِّيه إلى المنازل العالية فييسّره لليُسرى ويجنبه العُسرى، ويجري عليه من أصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه، وهي عين صلاحه والطريق إلى سعادته، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله، وكما ذكر الله عن يوسف وكيف ترقت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدّره عليه من تلك الأحوال التي حصل له في عاقبتها حسن العُقبى في الدنيا والآخرة، وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه ليُنيلهم ما يُحبون.
فكم لله من لُطْفٍ وكرمٍ لا تدركه الأفهام، ولا تتصوره الأوهام، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية، أو رياسة، أو سبب من الأسباب المحبوبة، فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمةً به لئلا تضره في دينه، فيظل العبدُ حزيناً من جهله وعدم معرفته بربِّه، ولو علم ما ادُّخِرَ له في الغيب وأريد إصلاحه فيه لحمد الله وشكره على ذلك؛ فإنّ الله بعباده رؤوف رحيم لطيف بأوليائه، وفي الدعاء المأثور( ): ((اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أُحبُّ فاجعله فراغاً لي فيما تُحبُّ))( ).
33- القَرِيبُ
قال الله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ( ).
من أسماء الله تعالى: ((القريب))، وقربه نوعان:
النوع الأول: قرب عام وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وهو بمعنى المعية العامة.
النوع الثاني:وقرب خاص بالداعين والعابدين المحبين،وهو قرب يقتضي المحبة، والنصرة، والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول والإثابة للعابدين( ). قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ( ).
وإذا فُهِمَ القرب بهذا المعنى في العموم والخصوص لم يكن هناك تعارض أصلاً بينه وبين ما هو معلوم من وجوده تعالى فوق عرشه، فسبحان من هو عليٌّ في دنوّه، قريب في علوَه))( ).
34- المُجِيبُ
من أسماء الله تعالى ((المجيب)) لدعوة الداعين وسؤال السائلين وعبادة المستجيبين، وإجابته نوعان:
النوع الأول: إجابة عامة لكل من دعاه: دعاء عبادة، أو دعاء مسألة، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ( )، فدعاء المسألة أن يقول العبد: اللهم أعطني كذا، أو اللهم ادفع عني كذا، فهذا يقع من البرّ والفاجر، ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب الحال المقتضية، وبحسب ما تقتضيه حكمته. وهذا يستدلّ به على كرم المولى وشمول إحسانه للبرّ والفاجر، ولا يدلّ بمجرّده على حسن حال الداعي الذي أجيبت دعوته إنْ لم يقترن بذلك ما يدلّ عليه وعلى صدقه وتعيّن الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيُجيبهم الله؛ فإنه يدلّ على صدقهم فيما أخبروا به، وكرامتهم على ربهم؛ ولهذا كان النبي كثيراً ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته، وذلك من دلائل نبوّته وآيات صدقه، وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء الله من إجابة الدعوات؛ فإنه من أدلة كراماتهم على الله.
النوع الثاني:أما الإجابة الخاصة
فلها أسباب عديدة، منها دعوة المضطر الذي وقع في شدّة وكربة عظيمة، فإن الله يجيب دعوته، قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الـْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ( )، وسبب ذلك شدة الافتقار إلى الله، وقوة الانكسار وانقطاع تعلّقه بالمخلوقين، ولسعة رحمة الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم إليها، فكيف بمن اضطر إليها، ومن أسباب الإجابة طول السفر، والتوسل إلى الله بأحب الوسائل إليه من أسمائه وصفاته ونعمه، وكذلك دعوت المريض، والمظلوم، والصائم، والوالد على ولده أو له، وفي الأوقات والأحوال الشريفة( ) مثل أدبار الصلوات، وأوقات السحر، وبين الأذان والإقامة، وعند النداء، ونزول المطر واشتداد البأس، ونحو ذلك( ). إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ( ).
35- الوَدُودُ
قال تعالى: وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ( ). وقال تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ( )، والودّ مأخوذ من الوُدّ بضم الواو بمعنى خالص المحبة، فالودود هو المحب المحبوب بمعنى وادّ مودود، فهو الواد لأنبيائه، وملائكته، وعباده المؤمنين، وهو المحبوب لهم، بل لا شيء أحب إليهم منه، ولا تعادل محبة الله من أصفيائه محبة أخرى، لا في أصلها، ولا في كيفيتها، ولا في متعلّقاتها، وهذا هو الفرض والواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة، غالبة لكل محبة، ويتعيّن أن تكون بقية المحابّ تبعاً لها.
ومحبة الله هي روح الأعمال، وجميع العبودية الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله.
ومحبة العبد لربه فضلٌ من الله وإحسان، ليست بحول العبد ولا قوته، فهو تعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه، ثم لمّا أحبه العبد بتوفيقه جازاه الله بِحُبٍّ آخر، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة، إذ منه السبب ومنه المسبِّب، ليس المقصود منها المعاوضة، وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده ولشكرهم، فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد، فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب المؤمنين، ثم لم يزل يُنميها ويُقويها حتى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحابّ، وتُسلِّيهم عن الأحباب، وتُهوِّن عليهم المصائب، وتُلَذِّذُ لهم مشقّة الطاعات، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز برضاه والأنس بقربه.
فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه: فمحبة قبلها صار بها محباً لربه، ومحبة بعدها شكراً من الله على محبة صار بها من أصفيائه المخلصين.
وأعظم سبب يكتسب به العبد محبّة ربه التي هي أعظم المطالب، الإكثار من ذكره والثناء عليه، وكثرة الإنابة إليه، وقوة التوكّل عليه، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال، ومتابعة النبي ظاهراً وباطناً( ) كما قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ( ).
36- الشَّاكِرُ، 37- الشَّكُورُ
قال الله تعالى: وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ( )، وقال تعالى: إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ( ) ، وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ( ).
من أسمائه تعالى: ((الشاكرُ الشَّكور)) الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة؛ فإن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، وقد أخبر في كتابه وسنّة نبيِّه بمضاعفة الحسنات الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وذلك من شكره لعباده، فبعينه ما يحتمل المتحمّلون لأجله ومن فعل لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن ترك شيئاً لأجله عوّضه خيراً منه، وهو الذي وفّق المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك وأعطاهم من كراماته، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكل هذا ليس حقاً واجباً عليه، وإنّما هو الذي أوجبه على نفسه جوداً منه وكرماً( ).
وليس فوقه سبحانه من يوجب عليه شيئاً،قال تعالى:لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ( )،فلا يجب عليه سبحانه إثابة المطيع،ولا عقاب العاصي،بل الثواب محض فضله وإحسانه،والعقاب محض عدله وحكمته؛ ولكنه سبحانه الذي أوجب على نفسه ما يشاء فيصير واجباً عليه بمقتضى وعده الذي لا يخلف كما قال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( )، وكما قال سبحانه: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الـْمُؤْمِنِينَ ( )، ومذهب أهل السنة أنه ليس للعباد حق واجب على الله، وأنه مهما يكن من حق فهو الذي أحقه، وأوجبه ولذلك لا يضيع عنده عملٌ قام على الإخلاص والمتابعة للنبي فإنهما الشرطان الأساسيان لقبول الأعمال( ).
فما أصاب العباد من النعم ودفع النقم، فإنه من الله تعالى فضلاً منه وكرماً، وإن نعّمهم فبفضله وإحسانه، وإن عذّبهم فبعدله وحكمته، وهو المحمود على جميع ذلك( ).
38- السَّيِّدُ، 39- الصَّمَدُ
قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ( ).
وقال النبي : ((السَّيِّدُ الله تبارك وتعالى))( ) و((السيد)) يطلق على الرّب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج، ومُتَحَمِّل أذى قومه، والله هو السيد الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم، فالسؤدد كله حقيقة لله والخلق كلهم عبيده.
وهذا لا يُنافي السِّيادة الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية، فسيادة الخالق تبارك وتعالى ليست كسيادة المخلوق الضعيف( ).
((الصمدُ)) المعنى الجامع الذي يدخل فيه كل ما فسّر به هذا الاسم الكريم، فهو الصمد الذي تَصْمُدُ إليه أي تقصده جميع المخلوقات بالذلّ والحاجة والافتقار، ويفزع إليه العالم بأسره،وهو الذي قد كَمُلَ في علمه، وحكمته،وحلمه،وقدرته،وعظمته،ورحمته، وسائر أوصافه،فالصمد هو كامل الصفات، وهو الذي تقصده المخلوقات في كل الحاجات( ).
فهو السيد الذي قد كُمل في سؤدده، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كَمُلَ في جبروته، والشريف الذي قد كمُلَ في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله هذه صفته لا تنبغي إلا له، وليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار( ).
40- القـَاهِرُ، 41- القَهَّارُ
قال الله تعالى: قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ( ). وقال تعالى: يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّـمَنِ الـْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( ). وقال : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الـْحَكِيمُ الـْخَبِيرُ ( ).
وهو الذي قهر جميع الكائنات، وذلّت له جميع المخلوقات، ودانت لقدرته ومشيئته مواد وعناصر العالَم العلوي والسفلي، فلا يحدث حادث ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وجميع الخلق فقراء إلى الله عاجزون، لا يملكون لأنفسهم نفعاً، ولا ضراً، ولا خيراً ولا شراً، وقهره مستلزم: لحياته، وعزته، وقدرته، فلا يتم قهره للخليقة إلا بتمام حياته وقوة عزّته واقتداره( ).
إذ لولا هذه الأوصاف الثلاثة لا يتم له قهر ولا سلطان( ).
42- الجَبَّارُ
قال الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الـْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْـمُؤْمِنُ الـْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْـجَبَّارُ ( ).
للجبار من أسمائه الحسنى ثلاثة معانٍ كلها داخلة باسمه ((الجبار)):
المعنى الأول:أنه الذي يجبر الضعيف وكل قلب منكسر لأجله، فيجبر الكسير،ويُغني الفقير،ويُيسّر على المعسر كل عسير،ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر، ويعوِّضُهُ على مصابه أعظم الأجر إذا قام بواجبها، ويجبر جبراً خاصاً قُلوبَ الخاضعينَ لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته، وأصناف المعارف والأحوال الإيمانية، فقلوب المنكسرين لأجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي، فقال: ((اللهم أجبرني)) فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع جميع المكاره عنه.
2- والمعنى الثاني: أنه القهَّار لكل شيء، الذي دان له كلُّ شيء، وخضع له كلُّ شيء.
3- والمعنى الثالث: أنَّهُ العليُّ على كل شيء.
فصار الجبار مُتضمناً لمعنى الرؤوف القهَّار العليّ.
4- وقد يُرادُ به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وحقوقه( ).
43- الحَسِيبُ
قال الله تعالى: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ( )، وقال سبحانه: أَلاَ لَهُ الْـحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْـحَاسِبِينَ ( )، والحسيبُ:
1- هو الكافي للعباد جميع ما أهمّهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضارّ.
2- والحسيب بالمعنى الأخصّ هو الكافي لعبده المتَّقي المتوكِّل عليه كفاية خاصة يصلح بها دينه ودنياه.
3- والحسيب أيضاً هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشرٍّ ويحاسبهم، إنْ خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ ( )، أي كافيك وكافي أتباعك. فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول ظاهراً وباطناً، وقيامه بعبودية الله تعالى( ).
44- الـْهَادِي
قال الله تعالى: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ( ). وقال تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَـهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ).
[الهادي] أي: الذين يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار، ويُعلِّمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويُلْهِمُهُم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره( ).
والهداية: هي دلالةٌ بلُطفٍ، وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه( ):
الأول: الهداية التي عم بجنسها كل مُكلفٍ من العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعمّ منها كل شيءٍ بقدرٍ فيه حسْبَ احتماله كما قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( ).
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ( ).
الثالث: التوفيق الذي يختصُّ به من اهتدى وهو المعْنيُّ بقوله تعالى:
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى( )، وقوله تعالى: وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ
قَلْبَهُ( )، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحـَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمَانِهِمْ( )، وقوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا... ( ).
الرابع: الهداية في الآخرة إلى الجنة المعنيُّ بقوله: سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَـهُمْ( )... وقوله:الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا( )،وهذه الهداياتُ الأربع مترتِّبةٌ،فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية،بل لا يصحُّ تكليفه، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها،ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله.ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني، ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الأول أشار بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( )، يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ( )، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( )، أي داع. وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ( ).
فهو الذي قوله رشد، وفعله كله رشد، وهو مرشد الحيران الضّال فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً، وتعليماً، وتوفيقاً، فأقواله القدرية التي يُوجد بها الأشياء ويُدبر بها الأمور، كلُّها حقٌّ لاشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية هي أقواله التي تكلّم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الإخبار، والعدل الكامل في الأمر والنهي، فإنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أحسن منه حديثاً: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ( ) في الأمر والنهي، وهي أعظم وأجلّ ما يرشد بها العباد، بل لا حصول إلى الرشاد بغيرها، فمن ابتغى الهدى من غيرها أضله الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد، فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق، والأصول، والفروع، والمصالح والمضار الدينية والدنيوية، ويحصل بها الرشد العملي؛ فإنها
تُزكي النفوس، وتطهر القلوب، وتدعو إلى أصلح الأعمال وأحسن الأخلاق، وتحثّ على كُل جميل، وتُرهِّب عن كل ذميم رذيل، فمن استرشد بها فهو المهتدي، ومن لم يسترشد بها فهو ضال، ولم يجعل لأحد عليه حجة بعد بعثته للرسل، وإنزاله الكتب المشتملة على الهدى المطلق، فكم هَدَى بفضله ضالاً وأرشد حائراً، وخصوصاً مَنْ تعلَّق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنّه المنفرد بالهداية( ).
وكل هداية ذكر الله أنّه منع الظالمين والكافرين فهي: الهداية الثالثة [وهي هداية التوفيق والإلهام] الذي يختص به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة كقوله : وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( )، وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْـحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( ).
وكل هداية نفاها الله عن النبي وعن البشر فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة كقوله تعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ( )، فأسال الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلى بالله( ).
45- الحَكَمُ
قال الله تعالى:فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْـحَاكِمِينَ( )، وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ( ) وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ( )، وقال النبي : ((إن الله هو الحكمُ وإليه الحكم))( ).
وقال تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ( ) الآية.
والله سبحانه هو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يحمّل أحداً وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها. فلا يدع صاحب حق إلا وصَّل إليه حقه. وهو العدل في تدبيره وتقديره( )، وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة كما قدمنا.
وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا،وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة فإنما فعل بهم ما يستحقونه،فإنه لا يأخذ إلا بذنب،ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة، وأقواله كلها عدل،فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة، وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء،ووزنه لأعمالهم عدلٌ لا جور فيه( )،كما قال تعالى:وَنَضَعُ الْـمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ( ).
وهو سبحانه ((الحكم)) بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط. و هذا معنى قوله: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( )؛ فإنّ أقواله صدق، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل، فهي كلها أفعال رشيدة، وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجهٍ من الوجوه، وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب( ).
46- القُدُّوسُ، 47- السَّلامُ
قال الله تعالى:هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْـمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الآية( ).
((القدوس السلام)) معناهما متقاربان؛ فإن القدوس مأخوذ من قدّس بمعنى: نزّهه وأبعده عن السوء مع الإجلال، والتعظيم، والسلام مأخوذ من السلامة. فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه، ومن النقص، ومن كل ما ينافي كماله( ).
فهو الْمُقَدَّسُ الْمُعَظَّمُ الْمُنَزَّهُ عن كل سوء، السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان، ومن كل ما ينافي كماله. فهذا ضابط ما يُنَزّهُ عنه: يُنَزَّهُ عن كل نقص بوجه من الوجوه، ويُنَزَّهُ ويعظَّمُ أن يكون له مثيل، أو شبيه، أو كفؤ، أو سمي، أو نِدٌّ، أو مُضَادٌّ، ويُنَزَّه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها. ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له؛ فإنَّ التنزيه مُرَادٌ لغيره،
ومقصودٌ به حفظ كماله عن الظنون السيئة. كظنّ الجاهلية الذين يظنون به ظنَّ السوء، ظنّاً غير ما يليق بجلاله، وإذا قال العبد مُثْنِياً على ربه: ((سبحان الله))، أو ((تقدّس الله))، أو ((تعالى الله)) ونحوها كان مُثْنِياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال( ).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في اسم ((السلام)): [اللَّهُ] أحق بهذا الاسم من كل مسمىً له؛ لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وَهْمٌ، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فَعُلِمَ أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزّه به نفسه، ونزّهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك؛ ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كما لها:
فحياته سلام من الموت ومن السِّنةِ والنوم، وكذلك قيّوميّته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان أو حاجة إلى تَذَكُّرٍ وتَفَكُّرٍ، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غنى عن كل ما سواه، وملكه: سلام من منازع فيه، أو مشارك، أو معاون مظاهر، أو شافع عنده بدون إذنه، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظُلْماً، أو تَشَفِيَّاً، أو غِلْظَةً، أو قَسْوةً، بل هو محضُ حِكْمته وعَدْلِهِ ووَضْعِه الأشياءَ مَوَاضِعَها، وهو مما يَستَحِقُّ عليهَ الحمدَ والثناءَ كما يَستحِقُّه عَلى إحسانِهِ، وثَوَابِهِ، ونِعَمِهِ، بلْ لوْ وُضعَ الثوابُ مَوْضِعَ العقوبةِ لكان مُناقِضَاً لحكمتِهِ ولِعِزَّتِهِ، فوضْعُه العقوبةَ موضِعَها هو من عَدْلِهِ، وحِكْمَتِه، وعِزَّتِهِ، فهو سَلامٌ مما يَتوَهَّم أعداؤه الجاهلون به من خِلافِ حكمتِهِ.
وقضاؤه وقَدَره سلامٌ من العَبَثِ والجَورِ والظُّلْمِ، ومن تَوَهّم وقوعَه عَلى خِلافِ الحكمةِ البالغةِ. وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته، بل شرعه كله حكمة، ورحمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى.
ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوّه على عرشه سلام من أن يكون مُحْتَاجاً إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلوّ لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش، ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجهٍ ما.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يُضادّ عُلوَّه، وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يَتوهّم مُعَطِّلٌ أو مُشَبِّهٌ، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصوراً في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يُضادُّ كمالَه.
وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيّله مُشَبِّه أو يتقوّله مُعَطِّل. وموالاته لأوليائه سلامٌ من أن تكون عن ذُلٍّ كما يوالي المخلوق المخلوق ، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبرّ كما قال الله تعالى:
وَقُلِ الْـحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا * وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْـمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً( ) ، فلم ينف أن يكون له وليّ مطلقاً، بل نفى أن يكون له وليٌّ من الذُّلِّ.
وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه، أو تَمَلُّقٍ له، أو انتفاع بقربه، وسلام مما يتقوّله الـمُعَطِّلون فيها.
وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه، فإنّه سلام عما يتخيَّله مُشَبِّه أو يتقوَّله مُعَطِّل.
فتأمل كيف تضمّن اسمه السلام كلّ ما نُزّه عنه تبارك وتعالى. وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان( ).
قال الله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( ).
الذي يَدِرُّ على خلقه، النعم الظاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرة زلاَّتهم، فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم. ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا( ).
وهو الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق، والعصيان حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم؛ فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم( ) كما قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ( )، وقال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ( ).
25- العَفُوُّ، 26- الغَفُورُ، 27- الغَفَّارُ
قال الله تعالى: إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ( ).
الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده، موصوفاً.
كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
وقد وعد بالمغفرة والعفو، لمن أتى بأسبابها، قال تعالى( ): وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا ثُمَّ اهْتَدَى ( ).
والعفوّ هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيما إذا أتوا لما يسبب العفو عنهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وهو عفوٌ يحب العفو ويحب من عباده أن يسعوا في تحصيل الأسباب التي ينالون بها عفوه: من السعي في مرضاته، والإحسان إلى خلقه، ومن كمال عفوه أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع، غفر له جميع جرمه: صغيره، وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجُبُّ ما قبله، والتوبة تجبُّ ما قبلها( )، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( )، وفي الحديث ((إن الله يقول: ((يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة))( )، وقال تعالى: إنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المـَغْفِرَةِ ( )، وقد فتح الله الأسباب لنيل مغفرته بالتوبة، والاستغفار، والإيمان، والعمل الصالح، والإحسان إلى عباد الله، والعفو عنهم، وقوة الطمع في فضل الله، وحسن الظن بالله، وغير ذلك مما جعله الله مُقرِّباً لمغفرته( ).
28- التَّوَّابُ
قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( ).
((التَّوَّابُ)) الذي لم يزل يتوب على التائبين، ويغفر ذنوب المنيبين، فكل من تاب إلى الله توبة نصوحاً، تاب الله عليه.
فهو التائب على التائبين: أولاً بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه. وهو التائب عليهم بعد توبتهم، قبولاً لها، وعفواً عن خطاياهم( ).
وعلى هذا تكون توبته على عبده نوعين:
أحدهما: يُوقع في قلب عبده التوبة إليه والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها. واستبدالها بعمل صالح.
والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها؛ فإن التوبة النصوح تجبّ ما قبلها( ).
قال الله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ( ).
29- الرَّقيبُ
الرقيب: المطَّلع على ما أكنَّته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت. قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( ).
والرقيب هو سبحانه الذي حفظ المخلوقات وأجراها، على أحسن نظام وأكمل تدبير( ).
30- الشَّهيدُ
الشهيد: أي المطَّلع على جميع الأشياء. سمع جميع الأصوات، خفيّها وجليها. وأبصر جميع الموجودات، دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده، وعلى عباده، بما عملوه( ).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: ((الرقيب)) و((الشهيد)) مترادفان،وكلاهما يدلُّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات،وعلمِه بجميع المعلومات الجليّة والخفية،وهو الرقيب على ما دار في الخواطر،وما تحركت به اللواحظ،ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( )، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ( ). ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبّد لله باسمه الرقيب الشهيد، فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، وتعبّد بمقام الإحسان فعَبَدَ اللَّهَ كأنَّهُ يَرَاهُ، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه( ).
فإذا كان الله رقيباً على دقائق الخفيات، مطلعاً على السرائر والنيات، كان من باب أولى شهيداً على الظواهر والجليات. وهي الأفعال التي تفعل بالأركان: أي الجوارح( ).
31- الحَفِيظـُ
قال الله تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ( ) ((للحفيظ)) معنيان:
المعنى الأول: أنه قد حفظ على عباده ما عملوه من خير وشر وطاعة ومعصية؛ فإن علمه محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها، وقد كتب ذلك في اللوح المحفوظ، ووكَّل بالعباد ملائكة كراماً كاتبين ((يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ))( )، فهذا المعنى من حفظه يقتضي إحاطة علم الله بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي في أيدي الملائكة، وعلمه بمقاديرها، وكمالها، ونقصها، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ثم مجازاته عليها بفضله وعدله.
والمعنى الثاني: من معنيي ((الحفيظ)) أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون ،وحفظه لخلقه نوعان: عام، وخاص.
النوع الأول:حفظه العام لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها ويحفظه بنيتها،وتمشي إلى هدايته وإلى مصالحها بإرشاده وهدايته العامة التي قال عنها:
أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( )، أي هدى كل مخلوق إلى ما قدّر له، وقضى له من ضروراته وحاجاته، كالهداية للمأكل والمشرب والمنكح، والسعي في أسباب ذلك، وكدفعه عنهم أصناف المكاره والمضارّ، وهذا يشترك فيه البرّ والفاجر، بل الحيوانات وغيرها، فهو الذي يحفظ السموات والأرض أن تزولا، ويحفظ الخلائق بنعمه، وقد وكّل بالآدمي حفظةً من الملائكة الكرام يحفظونه من أمر الله، أي يدفعون عنه كل ما يضرّه مما هو بصدد أن يضرّه لولا حفظ الله.
والنوع الثاني: حفظه الخاص لأوليائه سوى ما تقدم، يحفظهم عما يضرّ إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشُّبَهِ والفتن والشهوات، فيعافيهم منها ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس، فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ( )، وهذا عام في دفع جميع ما يضرّهم في دينهم ودنياهم، فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه، وفي الحديث: ((احفظ الله يحفظك))( )، أي احفظ أوامره بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعدّيها، يحفظك في نفسك، ودينك، ومالك، وولدك، وفي جميع ما آتاك الله من فضله( ).
32- اللَّطِيفُ
قال الله تعالى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ
العَزِيز( )، وقال تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الـْخَبِير ( ).
((اللطيف)) من أسمائه الحسنى، وهو الذي يلطف بعبده في أموره الداخلية المتعلقة بنفسه، ويلطف بعبده في الأمور الخارجية عنه، فيسوقه ويسوق إليه ما به صلاحه من حيث لا يشعر. وهذا من آثار علمه وكرمه ورحمته؛ فلهذا كان معنى اللطيف نوعين:
النوع الأول:أنه الخبير الذي أحاط علمه بالأسرار والبواطن والخبايا والخفايا ومكنونات الصدور ومغيبات الأمور،وما لطف ودقَّ من كل شيء.
النوع الثاني: لطفه بعبده ووليِّه الذي يريد أن يُتم عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويُرقِّيه إلى المنازل العالية فييسّره لليُسرى ويجنبه العُسرى، ويجري عليه من أصناف المحن التي يكرهها وتشق عليه، وهي عين صلاحه والطريق إلى سعادته، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله، وكما ذكر الله عن يوسف وكيف ترقت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدّره عليه من تلك الأحوال التي حصل له في عاقبتها حسن العُقبى في الدنيا والآخرة، وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه ليُنيلهم ما يُحبون.
فكم لله من لُطْفٍ وكرمٍ لا تدركه الأفهام، ولا تتصوره الأوهام، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية، أو رياسة، أو سبب من الأسباب المحبوبة، فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمةً به لئلا تضره في دينه، فيظل العبدُ حزيناً من جهله وعدم معرفته بربِّه، ولو علم ما ادُّخِرَ له في الغيب وأريد إصلاحه فيه لحمد الله وشكره على ذلك؛ فإنّ الله بعباده رؤوف رحيم لطيف بأوليائه، وفي الدعاء المأثور( ): ((اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أُحبُّ فاجعله فراغاً لي فيما تُحبُّ))( ).
33- القَرِيبُ
قال الله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ( ).
من أسماء الله تعالى: ((القريب))، وقربه نوعان:
النوع الأول: قرب عام وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وهو بمعنى المعية العامة.
النوع الثاني:وقرب خاص بالداعين والعابدين المحبين،وهو قرب يقتضي المحبة، والنصرة، والتأييد في الحركات والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول والإثابة للعابدين( ). قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ( ).
وإذا فُهِمَ القرب بهذا المعنى في العموم والخصوص لم يكن هناك تعارض أصلاً بينه وبين ما هو معلوم من وجوده تعالى فوق عرشه، فسبحان من هو عليٌّ في دنوّه، قريب في علوَه))( ).
34- المُجِيبُ
من أسماء الله تعالى ((المجيب)) لدعوة الداعين وسؤال السائلين وعبادة المستجيبين، وإجابته نوعان:
النوع الأول: إجابة عامة لكل من دعاه: دعاء عبادة، أو دعاء مسألة، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ( )، فدعاء المسألة أن يقول العبد: اللهم أعطني كذا، أو اللهم ادفع عني كذا، فهذا يقع من البرّ والفاجر، ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب الحال المقتضية، وبحسب ما تقتضيه حكمته. وهذا يستدلّ به على كرم المولى وشمول إحسانه للبرّ والفاجر، ولا يدلّ بمجرّده على حسن حال الداعي الذي أجيبت دعوته إنْ لم يقترن بذلك ما يدلّ عليه وعلى صدقه وتعيّن الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيُجيبهم الله؛ فإنه يدلّ على صدقهم فيما أخبروا به، وكرامتهم على ربهم؛ ولهذا كان النبي كثيراً ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته، وذلك من دلائل نبوّته وآيات صدقه، وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء الله من إجابة الدعوات؛ فإنه من أدلة كراماتهم على الله.
النوع الثاني:أما الإجابة الخاصة
فلها أسباب عديدة، منها دعوة المضطر الذي وقع في شدّة وكربة عظيمة، فإن الله يجيب دعوته، قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الـْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ( )، وسبب ذلك شدة الافتقار إلى الله، وقوة الانكسار وانقطاع تعلّقه بالمخلوقين، ولسعة رحمة الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم إليها، فكيف بمن اضطر إليها، ومن أسباب الإجابة طول السفر، والتوسل إلى الله بأحب الوسائل إليه من أسمائه وصفاته ونعمه، وكذلك دعوت المريض، والمظلوم، والصائم، والوالد على ولده أو له، وفي الأوقات والأحوال الشريفة( ) مثل أدبار الصلوات، وأوقات السحر، وبين الأذان والإقامة، وعند النداء، ونزول المطر واشتداد البأس، ونحو ذلك( ). إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ( ).
35- الوَدُودُ
قال تعالى: وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ( ). وقال تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ( )، والودّ مأخوذ من الوُدّ بضم الواو بمعنى خالص المحبة، فالودود هو المحب المحبوب بمعنى وادّ مودود، فهو الواد لأنبيائه، وملائكته، وعباده المؤمنين، وهو المحبوب لهم، بل لا شيء أحب إليهم منه، ولا تعادل محبة الله من أصفيائه محبة أخرى، لا في أصلها، ولا في كيفيتها، ولا في متعلّقاتها، وهذا هو الفرض والواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة، غالبة لكل محبة، ويتعيّن أن تكون بقية المحابّ تبعاً لها.
ومحبة الله هي روح الأعمال، وجميع العبودية الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله.
ومحبة العبد لربه فضلٌ من الله وإحسان، ليست بحول العبد ولا قوته، فهو تعالى الذي أحب عبده فجعل المحبة في قلبه، ثم لمّا أحبه العبد بتوفيقه جازاه الله بِحُبٍّ آخر، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة، إذ منه السبب ومنه المسبِّب، ليس المقصود منها المعاوضة، وإنما ذلك محبة منه تعالى للشاكرين من عباده ولشكرهم، فالمصلحة كلها عائدة إلى العبد، فتبارك الذي جعل وأودع المحبة في قلوب المؤمنين، ثم لم يزل يُنميها ويُقويها حتى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحابّ، وتُسلِّيهم عن الأحباب، وتُهوِّن عليهم المصائب، وتُلَذِّذُ لهم مشقّة الطاعات، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبة الله والفوز برضاه والأنس بقربه.
فمحبة العبد لربه محفوفة بمحبتين من ربه: فمحبة قبلها صار بها محباً لربه، ومحبة بعدها شكراً من الله على محبة صار بها من أصفيائه المخلصين.
وأعظم سبب يكتسب به العبد محبّة ربه التي هي أعظم المطالب، الإكثار من ذكره والثناء عليه، وكثرة الإنابة إليه، وقوة التوكّل عليه، والتقرب إليه بالفرائض والنوافل، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال، ومتابعة النبي ظاهراً وباطناً( ) كما قال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ( ).
36- الشَّاكِرُ، 37- الشَّكُورُ
قال الله تعالى: وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ( )، وقال تعالى: إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ( ) ، وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ( ).
من أسمائه تعالى: ((الشاكرُ الشَّكور)) الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة؛ فإن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، وقد أخبر في كتابه وسنّة نبيِّه بمضاعفة الحسنات الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وذلك من شكره لعباده، فبعينه ما يحتمل المتحمّلون لأجله ومن فعل لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن ترك شيئاً لأجله عوّضه خيراً منه، وهو الذي وفّق المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك وأعطاهم من كراماته، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكل هذا ليس حقاً واجباً عليه، وإنّما هو الذي أوجبه على نفسه جوداً منه وكرماً( ).
وليس فوقه سبحانه من يوجب عليه شيئاً،قال تعالى:لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ( )،فلا يجب عليه سبحانه إثابة المطيع،ولا عقاب العاصي،بل الثواب محض فضله وإحسانه،والعقاب محض عدله وحكمته؛ ولكنه سبحانه الذي أوجب على نفسه ما يشاء فيصير واجباً عليه بمقتضى وعده الذي لا يخلف كما قال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( )، وكما قال سبحانه: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الـْمُؤْمِنِينَ ( )، ومذهب أهل السنة أنه ليس للعباد حق واجب على الله، وأنه مهما يكن من حق فهو الذي أحقه، وأوجبه ولذلك لا يضيع عنده عملٌ قام على الإخلاص والمتابعة للنبي فإنهما الشرطان الأساسيان لقبول الأعمال( ).
فما أصاب العباد من النعم ودفع النقم، فإنه من الله تعالى فضلاً منه وكرماً، وإن نعّمهم فبفضله وإحسانه، وإن عذّبهم فبعدله وحكمته، وهو المحمود على جميع ذلك( ).
38- السَّيِّدُ، 39- الصَّمَدُ
قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ( ).
وقال النبي : ((السَّيِّدُ الله تبارك وتعالى))( ) و((السيد)) يطلق على الرّب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، والرئيس، والزوج، ومُتَحَمِّل أذى قومه، والله هو السيد الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم، فالسؤدد كله حقيقة لله والخلق كلهم عبيده.
وهذا لا يُنافي السِّيادة الإضافية المخصوصة بالأفراد الإنسانية، فسيادة الخالق تبارك وتعالى ليست كسيادة المخلوق الضعيف( ).
((الصمدُ)) المعنى الجامع الذي يدخل فيه كل ما فسّر به هذا الاسم الكريم، فهو الصمد الذي تَصْمُدُ إليه أي تقصده جميع المخلوقات بالذلّ والحاجة والافتقار، ويفزع إليه العالم بأسره،وهو الذي قد كَمُلَ في علمه، وحكمته،وحلمه،وقدرته،وعظمته،ورحمته، وسائر أوصافه،فالصمد هو كامل الصفات، وهو الذي تقصده المخلوقات في كل الحاجات( ).
فهو السيد الذي قد كُمل في سؤدده، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كَمُلَ في جبروته، والشريف الذي قد كمُلَ في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله هذه صفته لا تنبغي إلا له، وليس له كفء، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار( ).
40- القـَاهِرُ، 41- القَهَّارُ
قال الله تعالى: قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ( ). وقال تعالى: يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّـمَنِ الـْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( ). وقال : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الـْحَكِيمُ الـْخَبِيرُ ( ).
وهو الذي قهر جميع الكائنات، وذلّت له جميع المخلوقات، ودانت لقدرته ومشيئته مواد وعناصر العالَم العلوي والسفلي، فلا يحدث حادث ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وجميع الخلق فقراء إلى الله عاجزون، لا يملكون لأنفسهم نفعاً، ولا ضراً، ولا خيراً ولا شراً، وقهره مستلزم: لحياته، وعزته، وقدرته، فلا يتم قهره للخليقة إلا بتمام حياته وقوة عزّته واقتداره( ).
إذ لولا هذه الأوصاف الثلاثة لا يتم له قهر ولا سلطان( ).
42- الجَبَّارُ
قال الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الـْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْـمُؤْمِنُ الـْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْـجَبَّارُ ( ).
للجبار من أسمائه الحسنى ثلاثة معانٍ كلها داخلة باسمه ((الجبار)):
المعنى الأول:أنه الذي يجبر الضعيف وكل قلب منكسر لأجله، فيجبر الكسير،ويُغني الفقير،ويُيسّر على المعسر كل عسير،ويجبر المصاب بتوفيقه للثبات والصبر، ويعوِّضُهُ على مصابه أعظم الأجر إذا قام بواجبها، ويجبر جبراً خاصاً قُلوبَ الخاضعينَ لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين بما يفيض عليها من أنواع كراماته، وأصناف المعارف والأحوال الإيمانية، فقلوب المنكسرين لأجله جبرها دان قريب وإذا دعا الداعي، فقال: ((اللهم أجبرني)) فإنه يريد هذا الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع جميع المكاره عنه.
2- والمعنى الثاني: أنه القهَّار لكل شيء، الذي دان له كلُّ شيء، وخضع له كلُّ شيء.
3- والمعنى الثالث: أنَّهُ العليُّ على كل شيء.
فصار الجبار مُتضمناً لمعنى الرؤوف القهَّار العليّ.
4- وقد يُرادُ به معنى رابع وهو المتكبر عن كل سوء ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفؤ أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وحقوقه( ).
43- الحَسِيبُ
قال الله تعالى: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ( )، وقال سبحانه: أَلاَ لَهُ الْـحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْـحَاسِبِينَ ( )، والحسيبُ:
1- هو الكافي للعباد جميع ما أهمّهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضارّ.
2- والحسيب بالمعنى الأخصّ هو الكافي لعبده المتَّقي المتوكِّل عليه كفاية خاصة يصلح بها دينه ودنياه.
3- والحسيب أيضاً هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشرٍّ ويحاسبهم، إنْ خيراً فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ ( )، أي كافيك وكافي أتباعك. فكفاية الله لعبده بحسب ما قام به من متابعة الرسول ظاهراً وباطناً، وقيامه بعبودية الله تعالى( ).
44- الـْهَادِي
قال الله تعالى: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ( ). وقال تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَـهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ).
[الهادي] أي: الذين يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع، وإلى دفع المضار، ويُعلِّمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويُلْهِمُهُم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه، منقادة لأمره( ).
والهداية: هي دلالةٌ بلُطفٍ، وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أوجه( ):
الأول: الهداية التي عم بجنسها كل مُكلفٍ من العقل، والفطنة، والمعارف الضرورية التي أعمّ منها كل شيءٍ بقدرٍ فيه حسْبَ احتماله كما قال تعالى: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( ).
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك وهو المقصود بقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ( ).
الثالث: التوفيق الذي يختصُّ به من اهتدى وهو المعْنيُّ بقوله تعالى:
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى( )، وقوله تعالى: وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ
قَلْبَهُ( )، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحـَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ
بِإِيمَانِهِمْ( )، وقوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا... ( ).
الرابع: الهداية في الآخرة إلى الجنة المعنيُّ بقوله: سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَـهُمْ( )... وقوله:الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا( )،وهذه الهداياتُ الأربع مترتِّبةٌ،فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثانية،بل لا يصحُّ تكليفه، ومن لم تحصل له الثانية لا تحصل له الثالثة والرابعة، ومن حصل له الرابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها،ومن حصل له الثالث فقد حصل له اللذان قبله.ثم ينعكس فقد تحصل الأولى ولا يحصل له الثاني، ولا يحصل الثالث، والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات وإلى الأول أشار بقوله: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( )، يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ( )، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( )، أي داع. وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ( ).
فهو الذي قوله رشد، وفعله كله رشد، وهو مرشد الحيران الضّال فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً، وتعليماً، وتوفيقاً، فأقواله القدرية التي يُوجد بها الأشياء ويُدبر بها الأمور، كلُّها حقٌّ لاشتمالها على الحكمة والحسن والإتقان، وأقواله الشرعية الدينية هي أقواله التي تكلّم بها في كتبه، وعلى ألسنة رسله المشتملة على الصدق التام في الإخبار، والعدل الكامل في الأمر والنهي، فإنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أحسن منه حديثاً: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ( ) في الأمر والنهي، وهي أعظم وأجلّ ما يرشد بها العباد، بل لا حصول إلى الرشاد بغيرها، فمن ابتغى الهدى من غيرها أضله الله، ومن لم يسترشد بها فليس برشيد، فيحصل بها الرشد العلمي وهو بيان الحقائق، والأصول، والفروع، والمصالح والمضار الدينية والدنيوية، ويحصل بها الرشد العملي؛ فإنها
تُزكي النفوس، وتطهر القلوب، وتدعو إلى أصلح الأعمال وأحسن الأخلاق، وتحثّ على كُل جميل، وتُرهِّب عن كل ذميم رذيل، فمن استرشد بها فهو المهتدي، ومن لم يسترشد بها فهو ضال، ولم يجعل لأحد عليه حجة بعد بعثته للرسل، وإنزاله الكتب المشتملة على الهدى المطلق، فكم هَدَى بفضله ضالاً وأرشد حائراً، وخصوصاً مَنْ تعلَّق به وطلب منه الهدى من صميم قلبه، وعلم أنّه المنفرد بالهداية( ).
وكل هداية ذكر الله أنّه منع الظالمين والكافرين فهي: الهداية الثالثة [وهي هداية التوفيق والإلهام] الذي يختص به المهتدون، والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة كقوله : وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( )، وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْـحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( ).
وكل هداية نفاها الله عن النبي وعن البشر فهي ما عدا المختص من الدعاء وتعريف الطريق، وذلك كإعطاء العقل، والتوفيق، وإدخال الجنة كقوله تعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ( )، فأسال الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلى بالله( ).
45- الحَكَمُ
قال الله تعالى:فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْـحَاكِمِينَ( )، وقال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ ( ) وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ( )، وقال النبي : ((إن الله هو الحكمُ وإليه الحكم))( ).
وقال تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ( ) الآية.
والله سبحانه هو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يحمّل أحداً وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها. فلا يدع صاحب حق إلا وصَّل إليه حقه. وهو العدل في تدبيره وتقديره( )، وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة كما قدمنا.
وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا،وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة فإنما فعل بهم ما يستحقونه،فإنه لا يأخذ إلا بذنب،ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة، وأقواله كلها عدل،فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة، وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء،ووزنه لأعمالهم عدلٌ لا جور فيه( )،كما قال تعالى:وَنَضَعُ الْـمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ( ).
وهو سبحانه ((الحكم)) بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط. و هذا معنى قوله: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( )؛ فإنّ أقواله صدق، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل، فهي كلها أفعال رشيدة، وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجهٍ من الوجوه، وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب( ).
46- القُدُّوسُ، 47- السَّلامُ
قال الله تعالى:هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْـمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الآية( ).
((القدوس السلام)) معناهما متقاربان؛ فإن القدوس مأخوذ من قدّس بمعنى: نزّهه وأبعده عن السوء مع الإجلال، والتعظيم، والسلام مأخوذ من السلامة. فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه، ومن النقص، ومن كل ما ينافي كماله( ).
فهو الْمُقَدَّسُ الْمُعَظَّمُ الْمُنَزَّهُ عن كل سوء، السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان، ومن كل ما ينافي كماله. فهذا ضابط ما يُنَزّهُ عنه: يُنَزَّهُ عن كل نقص بوجه من الوجوه، ويُنَزَّهُ ويعظَّمُ أن يكون له مثيل، أو شبيه، أو كفؤ، أو سمي، أو نِدٌّ، أو مُضَادٌّ، ويُنَزَّه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها. ومن تمام تنزيهه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمة له؛ فإنَّ التنزيه مُرَادٌ لغيره،
ومقصودٌ به حفظ كماله عن الظنون السيئة. كظنّ الجاهلية الذين يظنون به ظنَّ السوء، ظنّاً غير ما يليق بجلاله، وإذا قال العبد مُثْنِياً على ربه: ((سبحان الله))، أو ((تقدّس الله))، أو ((تعالى الله)) ونحوها كان مُثْنِياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال( ).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في اسم ((السلام)): [اللَّهُ] أحق بهذا الاسم من كل مسمىً له؛ لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وَهْمٌ، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فَعُلِمَ أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزّه به نفسه، ونزّهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك؛ ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كما لها:
فحياته سلام من الموت ومن السِّنةِ والنوم، وكذلك قيّوميّته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان أو حاجة إلى تَذَكُّرٍ وتَفَكُّرٍ، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غنى عن كل ما سواه، وملكه: سلام من منازع فيه، أو مشارك، أو معاون مظاهر، أو شافع عنده بدون إذنه، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظُلْماً، أو تَشَفِيَّاً، أو غِلْظَةً، أو قَسْوةً، بل هو محضُ حِكْمته وعَدْلِهِ ووَضْعِه الأشياءَ مَوَاضِعَها، وهو مما يَستَحِقُّ عليهَ الحمدَ والثناءَ كما يَستحِقُّه عَلى إحسانِهِ، وثَوَابِهِ، ونِعَمِهِ، بلْ لوْ وُضعَ الثوابُ مَوْضِعَ العقوبةِ لكان مُناقِضَاً لحكمتِهِ ولِعِزَّتِهِ، فوضْعُه العقوبةَ موضِعَها هو من عَدْلِهِ، وحِكْمَتِه، وعِزَّتِهِ، فهو سَلامٌ مما يَتوَهَّم أعداؤه الجاهلون به من خِلافِ حكمتِهِ.
وقضاؤه وقَدَره سلامٌ من العَبَثِ والجَورِ والظُّلْمِ، ومن تَوَهّم وقوعَه عَلى خِلافِ الحكمةِ البالغةِ. وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته، بل شرعه كله حكمة، ورحمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى.
ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز.
واستواؤه وعلوّه على عرشه سلام من أن يكون مُحْتَاجاً إلى ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلوّ لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش، ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجهٍ ما.
ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يُضادّ عُلوَّه، وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يَتوهّم مُعَطِّلٌ أو مُشَبِّهٌ، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصوراً في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يُضادُّ كمالَه.
وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيّله مُشَبِّه أو يتقوّله مُعَطِّل. وموالاته لأوليائه سلامٌ من أن تكون عن ذُلٍّ كما يوالي المخلوق المخلوق ، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبرّ كما قال الله تعالى:
وَقُلِ الْـحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا * وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْـمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً( ) ، فلم ينف أن يكون له وليّ مطلقاً، بل نفى أن يكون له وليٌّ من الذُّلِّ.
وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه، أو تَمَلُّقٍ له، أو انتفاع بقربه، وسلام مما يتقوّله الـمُعَطِّلون فيها.
وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه، فإنّه سلام عما يتخيَّله مُشَبِّه أو يتقوَّله مُعَطِّل.
فتأمل كيف تضمّن اسمه السلام كلّ ما نُزّه عنه تبارك وتعالى. وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان( ).
محمودعبدالباسط- مشرف
- عدد المساهمات : 45
تاريخ التسجيل : 06/05/2011
مواضيع مماثلة
» كتاب شرح أسماء الله الحسني (3)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني (4)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(6)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(7)
» شرح أسماء الله الحسنى(مختصر)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني (4)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(6)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(7)
» شرح أسماء الله الحسنى(مختصر)
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر :: الفئة الأولى :: ******* أولا : المنتدى الأسلامي :ــــــ :: 6- مختارات إسلامية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى