كتاب شرح أسماء الله الحسني (3)
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر :: الفئة الأولى :: ******* أولا : المنتدى الأسلامي :ــــــ :: 6- مختارات إسلامية
صفحة 1 من اصل 1
كتاب شرح أسماء الله الحسني (3)
المبحث الرابع: دلالة الأسماء الحُسنى ثلاثة أنواع:
أسماء الله كلها حُسنى، وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق، وكلها مشتقة من أوصافها، فالوصف فيها لا ينافي العلمية، والعلمية لا تنافي الوصف، ودلالتها ثلاثة أنواع:
دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله.
ودلالة تَضمُّن إذا فسرناه ببعض مدلوله.
ودلالة التزام إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها. فمثلاً ((الرحمن)) دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة. وعلى أحدهما دلالة تضمن؛ لأنها داخلة في الضمن، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، ونحوها دلالة التزام، وهذه الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل، ويتفاوت فيها أهل العلم، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ وما يدل عليه من المعنى وفهمته فهماً جيداً، فَفَكَّر فيما يتوقف عليه ولا يتم بدونه. وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية، فدلالاتها الثلاث كلها حجة لأنها معصومة محكمة( ).
المبحث الخامس: حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى
وحقيقة الإلحاد فيها هو الميل بها عن الاستقامة: إما بإثبات المشاركة فيها لأحدٍ من الخلق، كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلهتهم من صفات الله ما لا يصلح إلا لله، كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنَّان، وكل مشرك تعلق بمخلوق اشتق لمعبوده من خصائص الربوبية والإلهية ما برَّر له عبادته. وأعظم الخلق إلحاداً طائفة الاتحادية الذين من قولهم: إن الرب عين المربوب، فكل اسم ممدوح أو مذموم يطلق على الله عندهم، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. وإما أن يكون الإلحاد بنفي صفات الله وإثبات أسماء لا حقيقة لها، كما فعل الجهمية ومن تفرع عنهم، وإما بجحدها وإنكارها رأساً إنكاراً لوجود الله، كما فعل زنادقة الفلاسفة، فهؤلاء الملحدون قد انحرفوا عن الصراط المستقيم ويمموا طرق الجحيم( ).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الـْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( )، والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل كما تدل عليه مادته (ل ح د)، فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه الْـمُلحِد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل. قال ابن السِّكِّيت: الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه. ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك. وقوله تعالى: وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ( ) أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره. تقول العرب: التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه. إذا عُرِفَ هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:
أحدها: أن تُسمَّى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز. وتسميتهم الصنم إلهاً، وهذا إلحاد حقيقة؛ فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته، أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك.
ثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص، كقول أخبث اليهود: إنه فقير. وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه. وقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ( )، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.
ورابعها:تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها،كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم:إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع،والبصير،والحي،والرحيم،والمتكلم،والمريد، ويقولون: لا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا كلام، ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً، وشرعاً، ولغة، وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها، فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب. وكل من جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقلّ أو ليستكثر.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً. فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة، فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه، وبرَّأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظاً ولا معنىً؛ بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه، وتنزيههم خالياً من التعطيل، لا كمن شبّه حتى كأنه يعبد صنماً، أو عطَّل حتى كأنه لا يعبد إلا عدماً.
وأهل السنة وسط في النِّحل، كما أن أهل الإسلام وسط في الملل، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره، ويُسَهِّل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله، إنه قريب مجيب( ).
المبحث السادس: إحصاء الأسماء الحُسنى أصلٌ للعلم
إحصاء الأسماء الحُسنى والعلم بها أصلٌ للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً. إما علم بما كوّنه أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى، وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد، والرأفة، والرحمة بهم، والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كله مصلحة، وحكمة، ورحمة، ولُطف، وإحسان؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، وفعله كله لا يخرج عن العدل، والحكمة، والمصلحة، والرحمة، إذ مصدره أسماؤه الحسنى فلا تفاوت في خلقه، ولا عبث، ولم يخلق خلقه باطلاً، ولا سُدىً، ولا عبثاً.
وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها، وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى؛ ولهذا لا تجد فيها خللاً ولا تفاوتاً؛ لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما أن يكون لجهله به أو لعدم حكمته. وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم، فلا يلحق فعله ولا أمره خلل، ولا تفاوت، ولا تناقض( ).
المبحث السابع: أسماء الله كلها حُسنى
أسماء الله كلها حُسنى، ليس فيها اسم غير ذلك أصلاً، وقد تقدم أن من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل نحو الخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها، لأنه لو فعل الشر لاشتقّ له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حُسنى، وهذا باطل، فالشر ليس إليه، فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته، ولا يدخل في أفعاله، فالشر ليس إليه، لا يُضاف إليه فعلاً ولا وصفاً، وإنما يدخل في مفعولاته. وفرق بين الفعل والمفعول، فالشر قائم بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هو فعله، فتأملْ هذا فإنه خَفِيَ على كثير من المتكلمين وزلَّت فيه أقدامٌ، وضلَّت فيه أفهامٌ، وهدى الله أهل الحق لما اختلفوا فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم( ).
المبحث الثامن: أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله
إن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره وهو غالب الأسماء. فالقدير، والسميع، والبصير، والعزيز، والحكيم، وهذا يسوغ أن يُدعَى به مفرداً ومقترناً بغيره، فتقول: يا عزيزُ يا حليمُ، يا غفورُ يا رحيمُ، وأن يفرد كل اسم وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع.
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله كالمانع، والضار، والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمُعطي، والنافع، والعفوّ، فهو المعطي المانع، الضارُّ النافعُ، المنتقمُ العفوّ، المعزّ المذلّ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم عطاءً، ومنعاً، ونفعاً، وضراً، وعفواً، وانتقاماً. وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع، والانتقام، والإضرار، فلا يسوغ.
فهذه الأسماء المزدوجة تُجرى الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعدّدت جارية مجرى الاسم الواحد؛ ولذلك لم تجئ مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمه ((فلو قلت)) يا مُذلُ، يا ضارُّ، يا مانعُ، وأخبرت بذلك لم تكن مثنياً عليه ولا حامداً له حتى تذكر مقابلها( ).
المبحث التاسع:من أسماء الله الحُسنى ما يكون دالاً على عدة صفات
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: من أسمائه الحُسنى ما يكون دالاً على عدة صفات. ويكون ذلك الاسم متناولاً لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها... كاسمه العظيم، والمجيد، والصمد، كما قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره: الصمد السيد الذي قد كَمُلَ في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله سبحانه. وهذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفواً أحد، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار. هذا لفظه. وهذا مما خَفِيَ على كثير ممن تعاطَى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى، ففسَّر الاسم بدون معناه، ونقصه من حيث لا يعلم، فمن لم يُحط بهذا علماً بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره( ).
المبحث العاشر:الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة: اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى - بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى، والصفات العليا إليها، ومدارها عليها وهي: الله ، والرَّب ، والرَّحمنُ.
وبُنيت السورة على الإلهية، والربوبية، والرحمة، فـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ مبني على الإلهية، و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته، والثناء والمجد كمالان لجده... وتضمنت
- يعني سورة الفاتحة - إثبات النبوات من جهات عديدة:
1 - كون الله ((رب العالمين)). فلا يليق به أن يترك عباده سُدى هَمَلاً لا يُعرِّفَهم ما ينفعهم في معاشهم، ومعادهم، وما يضرهم فيهما فهذا هَضْمٌ للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به، وما قدره حق قدره من نسبة إليه.
2 - من اسم ((الله)) وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله عليهم الصلاة والسلام.
3 - من اسمه ((الرحمن)) فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم. فمن أعْطى اسم ((الرحمن)) حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظّ البهائم والدواب. وأدرك منه أُولُو الألباب أمراً وراء ذلك…( ).
واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. وهي:
1 - التوحيد العلمي - سُمِّي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة - ويسمى أيضاً بـ((توحيد الأسماء والصفات)).
2 - التوحيد القصدي الإرادي - سُمِّيَ بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة - وهذا الثاني نوعان: توحيد في الربوبية، وتوحيد في الإلهية فهذه ثلاثة أنواع.
فأما التوحيد العلمي [توحيد الأسماء والصفات] فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه، والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص، وقد دل على هذا شيئان:
أ – مجمل. ب - مفصل.
أ - أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه.
ب - وأما المفصل فذكر صفة ((الإلهية، والربوبية، والرحمة، والملك)) وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات.
* فأما تضمن الحمد لذلك فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه، والخضوع له. فلا يكون حامداً من جحد صفات المحمود، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له، وكلما كانت صفات المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها.
ولهذا كان الحمد كله لله حمداً لا يحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها؛ ولأجل هذا لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه. كما قال : ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك))( ).. فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات.
* وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها ((أي على الأسماء والصفات)) وهي: ((الله، والرب، والرحمن، والرحيم، والملك)) فمبني على أصلين:
الأصل الأول: أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهي مشتقة من الصفات. فهي أسماء وهي أوصاف، وبذلك كانت حُسنى؛ إذْ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حُسنى، ولا كانت دالةً على مدح ولا كمال، ولساغ وقوع أسماء الانتقام، والغضب في مقام الرحمة والإحسان، وبالعكس فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر إنك أنت المنتقم. واللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع، ونحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ونفي معاني الأسماء الحُسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( )؛ ولأنها لو لم تدل على معانٍ وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها. لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله . كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الـْمَتِينُ ( )، فعُلِم أن ((القوي)) من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة. وكذلك قوله تعالى: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
جَمِيعًا ( )، فالعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يُسمَّ قوياً، ولا عزيزاً، وكذلك قوله تعالى: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ( )... وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله، أوسمعه، أو بصره، أو قوته أو عزته، أو عظمته انعقدت يمينه وكانت مكفرة؛ لأن هذه صفات كماله التي اشتقَّتْ منها أسماؤه.
وأيضاً لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معانٍ وصفات لم يسُغ أن يخبر عنه بأفعالها. فلا يقال: يسمع، ويرى، ويعلم، ويقدر، ويريد؛ فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها... فنفي معاني أسمائه سبحانه من أعظم الإلحاد فيها، والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها.
الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدلّ على الذات والصفة التي اشتقّ منها بالمطابقة؛ فإنّه يدلّ عليه دلالتين أُخرَيَيْن بالتضمن واللزوم.
فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأُخرى باللزوم.
فإن اسم ((السميع)) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة.
وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم ((الحي)) وصفة الحياة بالالتزام. وكذلك سائر أسمائه وصفاته، ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه..
* إذا تقرر هذان الأصلان فاسم ((الله)) دالٌّ على جميع الأسماء الحُسنى والصفات العُلا بالدلالات الثلاث ((المطابقة، والتضمن، واللزوم)).
فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهية - يعني أن الله الإله الحق وحده لا شريك له - هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والتمثيل، وعن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحُسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الـْحُسْنَى ويقال: ((الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم)) من أسماء الله ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز. ونحو ذلك.
فعُلِمَ أن اسمه ((الله)) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحُسنى تفصيل، وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم ((الله))، واسم ((الله)) دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تَألَّـهَهُ
الخلائق محبةً، وتعظيماً، خضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد. وإلهيته وربوبيته، ورحمانيته، وملكه، مستلزم لجميع صفات كماله. إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعَّالٍ لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
* وصفات الجلال والجمال: أخص باسم ((الله)).
* وصفات الفعل، والقدرة، والتفرّد بالضرّ والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم ((الربّ)).
* وصفات الإحسان، والجود، والبّر، والحنّان، والمنّة، والرأفة، واللّطف، أخص باسم ((الرحمن)).
وكرر إيذاناً بثبوت الوصف، وحصول أثره، وتعلقه بمتعلقاته. فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم: الراحم لعباده؛ ولهذا يقول تعالى: وَكَانَ بِالـْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ( )،ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين،مع ما في اسم ((الرحمن)) الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف،وثبوت جميع معناه الموصوف به...فبناء فعلان للسعة والشمول.ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيراً كقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( )؛لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى:وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ ( )،وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال:قال رسول الله : ((لما قضى الله الـخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش: ((إن رحمتي تغـلب غضبي))،وفي لفظ(فهو عـنده على العرش))( ).
فتأملْ اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة، ووضعه عنده على العرش،وطابقْ بين ذلك وبين قوله تعالى:الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ( ) ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهيم.
* وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم، ونحوها أخص باسم ((المَلِك)) وخصّه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل؛ لتفرده بالحكم فيه وحده؛ ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة؛ ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه.
وفي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد في قوله تعالى: الـْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( )، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، وملِك محمود. فله بذلك جميع أقسام الكمال:
كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من الآخر بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.مثال ذلك قوله تعالى:وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( )، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( )، وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( )، فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال، واقتران غناه بحمده كمال أيضاً، وعلمه كمال، وحكمته كمال، واقتران العلم بالحكمة كمال أيضاً.
وقدرته كمال، ومغفرته كمال، واقتران القدرة بالمغفرة كمال، وكذلك العفو بعد القدرة: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ( ).
فما كل من قدر عفا، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة، ولا كل من علم يكون حليماً، ولا كل حليم عالم في قرن شيء إلى شيءٍ أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة، ومن ملك إلى حمد، ومن عزة إلى رحمة: وَإِنَّ رَبَّكَ لـَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ).
وفي هذا أظهر دلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف ومعانٍ قامت به، وإن كل اسم يناسب ما ذكر معه واقترن به من فعله وأمره، والله الموفق للصواب( ).
إذا قال السائل: ((اللهم إني أسألك)) كأنه قال: أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العُلا بأسمائه وصفاته. فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم، إيذاناً بسؤاله تعالى بأسمائه كلها كما قال النبي في الحديث الصحيح: ((ما أصاب عبداً همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمّ إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همّي وغمّي، إلا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحاً)) قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهنّ؟ قال(بلى،ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلمهنّ))( ).
فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم(اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم))( ).
أسماء الله كلها حُسنى، وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق، وكلها مشتقة من أوصافها، فالوصف فيها لا ينافي العلمية، والعلمية لا تنافي الوصف، ودلالتها ثلاثة أنواع:
دلالة مطابقة إذا فسرنا الاسم بجميع مدلوله.
ودلالة تَضمُّن إذا فسرناه ببعض مدلوله.
ودلالة التزام إذا استدللنا به على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها. فمثلاً ((الرحمن)) دلالته على الرحمة والذات دلالة مطابقة. وعلى أحدهما دلالة تضمن؛ لأنها داخلة في الضمن، ودلالته على الأسماء التي لا توجد الرحمة إلا بثبوتها كالحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، ونحوها دلالة التزام، وهذه الأخيرة تحتاج إلى قوة فكر وتأمل، ويتفاوت فيها أهل العلم، فالطريق إلى معرفتها أنك إذا فهمت اللفظ وما يدل عليه من المعنى وفهمته فهماً جيداً، فَفَكَّر فيما يتوقف عليه ولا يتم بدونه. وهذه القاعدة تنفعك في جميع النصوص الشرعية، فدلالاتها الثلاث كلها حجة لأنها معصومة محكمة( ).
المبحث الخامس: حقيقة الإلحاد في أسماء الله تعالى
وحقيقة الإلحاد فيها هو الميل بها عن الاستقامة: إما بإثبات المشاركة فيها لأحدٍ من الخلق، كإلحاد المشركين الذين اشتقوا لآلهتهم من صفات الله ما لا يصلح إلا لله، كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، ومناة من المنَّان، وكل مشرك تعلق بمخلوق اشتق لمعبوده من خصائص الربوبية والإلهية ما برَّر له عبادته. وأعظم الخلق إلحاداً طائفة الاتحادية الذين من قولهم: إن الرب عين المربوب، فكل اسم ممدوح أو مذموم يطلق على الله عندهم، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. وإما أن يكون الإلحاد بنفي صفات الله وإثبات أسماء لا حقيقة لها، كما فعل الجهمية ومن تفرع عنهم، وإما بجحدها وإنكارها رأساً إنكاراً لوجود الله، كما فعل زنادقة الفلاسفة، فهؤلاء الملحدون قد انحرفوا عن الصراط المستقيم ويمموا طرق الجحيم( ).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الـْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( )، والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل كما تدل عليه مادته (ل ح د)، فمنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه الْـمُلحِد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل. قال ابن السِّكِّيت: الملحد المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه. ومنه الملتحد وهو مفتعل من ذلك. وقوله تعالى: وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ( ) أي من تعدل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتبتهل إليه فتميل إليه عن غيره. تقول العرب: التحد فلان إلى فلان إذا عدل إليه. إذا عُرِفَ هذا فالإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:
أحدها: أن تُسمَّى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز. وتسميتهم الصنم إلهاً، وهذا إلحاد حقيقة؛ فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته، أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك.
ثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص، كقول أخبث اليهود: إنه فقير. وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه. وقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ ( )، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.
ورابعها:تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها،كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم:إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السميع،والبصير،والحي،والرحيم،والمتكلم،والمريد، ويقولون: لا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا كلام، ولا إرادة تقوم به وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً، وشرعاً، ولغة، وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين؛ فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها، فكلاهما ملحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب. وكل من جحد شيئاً مما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله فقد ألحد في ذلك فليستقلّ أو ليستكثر.
وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه تعالى الله عما يقول المشبهون علواً كبيراً. فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة، فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه، وبرَّأ الله أتباع رسوله وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظاً ولا معنىً؛ بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه، وتنزيههم خالياً من التعطيل، لا كمن شبّه حتى كأنه يعبد صنماً، أو عطَّل حتى كأنه لا يعبد إلا عدماً.
وأهل السنة وسط في النِّحل، كما أن أهل الإسلام وسط في الملل، توقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره، ويُسَهِّل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله، إنه قريب مجيب( ).
المبحث السادس: إحصاء الأسماء الحُسنى أصلٌ للعلم
إحصاء الأسماء الحُسنى والعلم بها أصلٌ للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن تكون خلقاً له تعالى أو أمراً. إما علم بما كوّنه أو علم بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى، وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد، والرأفة، والرحمة بهم، والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كله مصلحة، وحكمة، ورحمة، ولُطف، وإحسان؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، وفعله كله لا يخرج عن العدل، والحكمة، والمصلحة، والرحمة، إذ مصدره أسماؤه الحسنى فلا تفاوت في خلقه، ولا عبث، ولم يخلق خلقه باطلاً، ولا سُدىً، ولا عبثاً.
وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده، فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم بها أصل للعلم بكل ما سواه فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم؛ إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها، وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى؛ ولهذا لا تجد فيها خللاً ولا تفاوتاً؛ لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله إما أن يكون لجهله به أو لعدم حكمته. وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم، فلا يلحق فعله ولا أمره خلل، ولا تفاوت، ولا تناقض( ).
المبحث السابع: أسماء الله كلها حُسنى
أسماء الله كلها حُسنى، ليس فيها اسم غير ذلك أصلاً، وقد تقدم أن من أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل نحو الخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، وهذا يدل على أن أفعاله كلها خيرات محض لا شر فيها، لأنه لو فعل الشر لاشتقّ له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حُسنى، وهذا باطل، فالشر ليس إليه، فكما لا يدخل في صفاته ولا يلحق ذاته، ولا يدخل في أفعاله، فالشر ليس إليه، لا يُضاف إليه فعلاً ولا وصفاً، وإنما يدخل في مفعولاته. وفرق بين الفعل والمفعول، فالشر قائم بمفعوله المباين له، لا بفعله الذي هو فعله، فتأملْ هذا فإنه خَفِيَ على كثير من المتكلمين وزلَّت فيه أقدامٌ، وضلَّت فيه أفهامٌ، وهدى الله أهل الحق لما اختلفوا فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم( ).
المبحث الثامن: أسماء الله تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله
إن أسماءه تعالى منها ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره وهو غالب الأسماء. فالقدير، والسميع، والبصير، والعزيز، والحكيم، وهذا يسوغ أن يُدعَى به مفرداً ومقترناً بغيره، فتقول: يا عزيزُ يا حليمُ، يا غفورُ يا رحيمُ، وأن يفرد كل اسم وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه بما يسوغ لك الإفراد والجمع.
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده بل مقروناً بمقابله كالمانع، والضار، والمنتقم، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله فإنه مقرون بالمُعطي، والنافع، والعفوّ، فهو المعطي المانع، الضارُّ النافعُ، المنتقمُ العفوّ، المعزّ المذلّ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم عطاءً، ومنعاً، ونفعاً، وضراً، وعفواً، وانتقاماً. وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع، والانتقام، والإضرار، فلا يسوغ.
فهذه الأسماء المزدوجة تُجرى الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض، فهي وإن تعدّدت جارية مجرى الاسم الواحد؛ ولذلك لم تجئ مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمه ((فلو قلت)) يا مُذلُ، يا ضارُّ، يا مانعُ، وأخبرت بذلك لم تكن مثنياً عليه ولا حامداً له حتى تذكر مقابلها( ).
المبحث التاسع:من أسماء الله الحُسنى ما يكون دالاً على عدة صفات
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: من أسمائه الحُسنى ما يكون دالاً على عدة صفات. ويكون ذلك الاسم متناولاً لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها... كاسمه العظيم، والمجيد، والصمد، كما قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره: الصمد السيد الذي قد كَمُلَ في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله سبحانه. وهذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفواً أحد، وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار. هذا لفظه. وهذا مما خَفِيَ على كثير ممن تعاطَى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى، ففسَّر الاسم بدون معناه، ونقصه من حيث لا يعلم، فمن لم يُحط بهذا علماً بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره( ).
المبحث العاشر:الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة: اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى - بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى، والصفات العليا إليها، ومدارها عليها وهي: الله ، والرَّب ، والرَّحمنُ.
وبُنيت السورة على الإلهية، والربوبية، والرحمة، فـ إِيَّاكَ نَعْبُدُ مبني على الإلهية، و إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته، والثناء والمجد كمالان لجده... وتضمنت
- يعني سورة الفاتحة - إثبات النبوات من جهات عديدة:
1 - كون الله ((رب العالمين)). فلا يليق به أن يترك عباده سُدى هَمَلاً لا يُعرِّفَهم ما ينفعهم في معاشهم، ومعادهم، وما يضرهم فيهما فهذا هَضْمٌ للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به، وما قدره حق قدره من نسبة إليه.
2 - من اسم ((الله)) وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلا من طريق رسله عليهم الصلاة والسلام.
3 - من اسمه ((الرحمن)) فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم. فمن أعْطى اسم ((الرحمن)) حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظّ البهائم والدواب. وأدرك منه أُولُو الألباب أمراً وراء ذلك…( ).
واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. وهي:
1 - التوحيد العلمي - سُمِّي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة - ويسمى أيضاً بـ((توحيد الأسماء والصفات)).
2 - التوحيد القصدي الإرادي - سُمِّيَ بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة - وهذا الثاني نوعان: توحيد في الربوبية، وتوحيد في الإلهية فهذه ثلاثة أنواع.
فأما التوحيد العلمي [توحيد الأسماء والصفات] فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه، والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص، وقد دل على هذا شيئان:
أ – مجمل. ب - مفصل.
أ - أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه.
ب - وأما المفصل فذكر صفة ((الإلهية، والربوبية، والرحمة، والملك)) وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات.
* فأما تضمن الحمد لذلك فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه، والخضوع له. فلا يكون حامداً من جحد صفات المحمود، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له، وكلما كانت صفات المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها.
ولهذا كان الحمد كله لله حمداً لا يحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها؛ ولأجل هذا لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه. كما قال : ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك))( ).. فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات.
* وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها ((أي على الأسماء والصفات)) وهي: ((الله، والرب، والرحمن، والرحيم، والملك)) فمبني على أصلين:
الأصل الأول: أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله فهي مشتقة من الصفات. فهي أسماء وهي أوصاف، وبذلك كانت حُسنى؛ إذْ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حُسنى، ولا كانت دالةً على مدح ولا كمال، ولساغ وقوع أسماء الانتقام، والغضب في مقام الرحمة والإحسان، وبالعكس فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر إنك أنت المنتقم. واللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع، ونحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ونفي معاني الأسماء الحُسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( )؛ ولأنها لو لم تدل على معانٍ وأوصاف لم يجز أن يخبر عنها بمصادرها ويوصف بها. لكن الله أخبر عن نفسه بمصادرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله . كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الـْمَتِينُ ( )، فعُلِم أن ((القوي)) من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة. وكذلك قوله تعالى: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ
جَمِيعًا ( )، فالعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يُسمَّ قوياً، ولا عزيزاً، وكذلك قوله تعالى: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ( )... وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله، أوسمعه، أو بصره، أو قوته أو عزته، أو عظمته انعقدت يمينه وكانت مكفرة؛ لأن هذه صفات كماله التي اشتقَّتْ منها أسماؤه.
وأيضاً لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معانٍ وصفات لم يسُغ أن يخبر عنه بأفعالها. فلا يقال: يسمع، ويرى، ويعلم، ويقدر، ويريد؛ فإن ثبوت أحكام الصفات فرع ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها... فنفي معاني أسمائه سبحانه من أعظم الإلحاد فيها، والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها.
الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدلّ على الذات والصفة التي اشتقّ منها بالمطابقة؛ فإنّه يدلّ عليه دلالتين أُخرَيَيْن بالتضمن واللزوم.
فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأُخرى باللزوم.
فإن اسم ((السميع)) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة.
وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم ((الحي)) وصفة الحياة بالالتزام. وكذلك سائر أسمائه وصفاته، ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه..
* إذا تقرر هذان الأصلان فاسم ((الله)) دالٌّ على جميع الأسماء الحُسنى والصفات العُلا بالدلالات الثلاث ((المطابقة، والتضمن، واللزوم)).
فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهية - يعني أن الله الإله الحق وحده لا شريك له - هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والتمثيل، وعن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحُسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الـْحُسْنَى ويقال: ((الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم)) من أسماء الله ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز. ونحو ذلك.
فعُلِمَ أن اسمه ((الله)) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحُسنى تفصيل، وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم ((الله))، واسم ((الله)) دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تَألَّـهَهُ
الخلائق محبةً، وتعظيماً، خضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد. وإلهيته وربوبيته، ورحمانيته، وملكه، مستلزم لجميع صفات كماله. إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعَّالٍ لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
* وصفات الجلال والجمال: أخص باسم ((الله)).
* وصفات الفعل، والقدرة، والتفرّد بالضرّ والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم ((الربّ)).
* وصفات الإحسان، والجود، والبّر، والحنّان، والمنّة، والرأفة، واللّطف، أخص باسم ((الرحمن)).
وكرر إيذاناً بثبوت الوصف، وحصول أثره، وتعلقه بمتعلقاته. فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم: الراحم لعباده؛ ولهذا يقول تعالى: وَكَانَ بِالـْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ( )،ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين،مع ما في اسم ((الرحمن)) الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف،وثبوت جميع معناه الموصوف به...فبناء فعلان للسعة والشمول.ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيراً كقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( )؛لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى:وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ
شَيْءٍ ( )،وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال:قال رسول الله : ((لما قضى الله الـخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش: ((إن رحمتي تغـلب غضبي))،وفي لفظ(فهو عـنده على العرش))( ).
فتأملْ اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة، ووضعه عنده على العرش،وطابقْ بين ذلك وبين قوله تعالى:الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ( ) ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهيم.
* وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم، ونحوها أخص باسم ((المَلِك)) وخصّه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل؛ لتفرده بالحكم فيه وحده؛ ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة؛ ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه.
وفي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد في قوله تعالى: الـْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ( )، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، وملِك محمود. فله بذلك جميع أقسام الكمال:
كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من الآخر بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.مثال ذلك قوله تعالى:وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( )، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( )، وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( )، فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال، واقتران غناه بحمده كمال أيضاً، وعلمه كمال، وحكمته كمال، واقتران العلم بالحكمة كمال أيضاً.
وقدرته كمال، ومغفرته كمال، واقتران القدرة بالمغفرة كمال، وكذلك العفو بعد القدرة: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ( ).
فما كل من قدر عفا، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة، ولا كل من علم يكون حليماً، ولا كل حليم عالم في قرن شيء إلى شيءٍ أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة، ومن ملك إلى حمد، ومن عزة إلى رحمة: وَإِنَّ رَبَّكَ لـَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( ).
وفي هذا أظهر دلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف ومعانٍ قامت به، وإن كل اسم يناسب ما ذكر معه واقترن به من فعله وأمره، والله الموفق للصواب( ).
إذا قال السائل: ((اللهم إني أسألك)) كأنه قال: أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العُلا بأسمائه وصفاته. فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم، إيذاناً بسؤاله تعالى بأسمائه كلها كما قال النبي في الحديث الصحيح: ((ما أصاب عبداً همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمّ إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همّي وغمّي، إلا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحاً)) قالوا: يا رسول الله أفلا نتعلمهنّ؟ قال(بلى،ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلمهنّ))( ).
فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم(اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم))( ).
محمودعبدالباسط- مشرف
- عدد المساهمات : 45
تاريخ التسجيل : 06/05/2011
مواضيع مماثلة
» كتاب شرح أسماء الله الحسني (4)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(5)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(6)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(7)
» شرح أسماء الله الحسنى(مختصر)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(5)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(6)
» كتاب شرح أسماء الله الحسني(7)
» شرح أسماء الله الحسنى(مختصر)
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر :: الفئة الأولى :: ******* أولا : المنتدى الأسلامي :ــــــ :: 6- مختارات إسلامية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى