منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحديث الأول

4 مشترك

اذهب الى الأسفل

الحديث الأول Empty الحديث الأول

مُساهمة من طرف هاني عدلي الجمعة 09 سبتمبر 2011, 2:01 am

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب بدْءِ الْوحْيِ بَاب بَدْءُ الْوَحْيِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
1 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ
" - ص 13 -" قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ) هَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ بِغَيْرِ " بَابٍ " وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا ، فَحَكَى عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ فِيهِ التَّنْوِينَ وَتَرْكَهُ ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ : يَجُوزُ فِيهِ الْإِسْكَانُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدَادِ لِلْأَبْوَابِ . فَلَا يَكُونُ لَهُ إِعْرَابٌ. وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَفْتَتِحِ الْكِتَابَ بِخُطْبَةٍ تُنْبِئُ عَنْ مَقْصُودِهِ مُفْتَتَحَةٍ بِالْحَمْدِ وَالشَّهَادَةِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ " وَقَوْلِهِ " كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ " أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا يَتَحَتَّمُ فِيهَا سِيَاقٌ وَاحِدٌ يَمْتَنِعُ الْعُدُولُ عَنْهُ ، بَلِ الْغَرَضُ مِنْهَا الِافْتِتَاحُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ ، وَقَدْ صَدَّرَ الْكِتَابَ بِتَرْجَمَةِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَبِالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى مَقْصُودِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ دَائِرٌ مَعَ النِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : قَصَدْتُ جَمْعَ وَحْيِ السُّنَّةِ الْمُتَلَقَّى عَنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ سَيَظْهَرُ حُسْنُ عَمَلِي فِيهِ مِنْ قَصْدِي ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَاكْتَفَى بِالتَّلْوِيحِ عَنِ التَّصْرِيحِ . وَقَدْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي مُعْظَمِ تَرَاجِمِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ بِالِاسْتِقْرَاءِ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَا عَلَى شَرْطِهِ ، بَلْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ . سَلَّمْنَا صَلَاحِيَّتَهُمَا لِلْحُجَّةِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ بِالنُّطْقِ وَالْكِتَابَةِ مَعًا ، فَلَعَلَّهُ حَمِدَ وَتَشَهَّدَ نُطْقًا عِنْدَ وَضْعِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ ذِكْرُ اللَّهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهَا ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ فَطَرِيقُ التَّأَسِّي بِهِ الِافْتِتَاحُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا ، لَا سِيَّمَا وَحِكَايَةُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْبَابُ الْأَوَّلُ ، بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ مِنْ أَحَادِيثِهِ . وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا " - ص 14 -" وُقُوعُ كُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمُلُوكِ وَكُتُبِهِ فِي الْقَضَايَا مُفْتَتَحَةً بِالتَّسْمِيَةِ دُونَ حَمْدَلَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَكَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ . وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَةِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْخُطَبِ دُونَ الرَّسَائِلِ وَالْوَثَائِقِ ، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَفْتَتِحْ كِتَابَهُ بِخُطْبَةٍ أَجْرَاهُ مَجْرَى الرَّسَائِلِ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ لِيَنْتَفِعُوا بِمَا فِيهِ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا .
وَقَدْ أَجَابَ مَنْ شَرَحَ هَذَا الْكِتَابَ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ فِيهَا نَظَرٌ ، مِنْهَا أَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الِابْتِدَاءُ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْحَمْدَلَةِ ، فَلَوِ ابْتَدَأَ بِالْحَمْدَلَةِ لَخَالَفَ الْعَادَةَ ، أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ لَمْ يُعَدَّ مُبْتَدِئًا بِالْحَمْدَلَةِ فَاكْتَفَى بِالتَّسْمِيَةِ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ مُبْتَدِئًا بِالْحَمْدَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَ التَّسْمِيَةِ ، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ فِي حَذْفِ الْعَاطِفِ فَيَكُونُ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ افْتَتَحُوا كِتَابَةَ الْإِمَامِ الْكَبِيرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْحَمْدِ وَتَلَوْهَا ، وَتَبِعَهُمْ جَمِيعُ مَنْ كَتَبَ الْمُصْحَفَ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ ، مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ ، وَمَنْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ رَاعَى قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَمْ يُقَدِّمْ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ شَيْئًا وَاكْتَفَى بِهَا عَنْ كَلَامِ نَفْسِهِ ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْحَمْدِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَدَّمَ التَّرْجَمَةَ وَهِيَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى الْآيَةِ ، وَكَذَا سَاقَ السَّنَدَ قَبْلَ لَفْظِ الْحَدِيثِ ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْجَمَةَ وَالسَّنَدَ وَإِنْ كَانَا مُتَقَدِّمَيْنِ لَفْظًا لَكِنَّهُمَا مُتَأَخِّرَانِ تَقْدِيرًا فِيهِ نَظَرٌ . وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِخُطْبَةٍ فِيهَا حَمْدٌ وَشَهَادَةٌ ، فَحَذَفَهَا بَعْضُ مَنْ حَمَلَ عَنْهُ الْكِتَابَ . وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا مَا رَأَى تَصَانِيفَ الْأَئِمَّةِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَشُيُوخِ شُيُوخِهِ وَأَهْلِ عَصْرِهِ كَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ ، وَأَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ ، وَأَبِي دَاوُدَ فِي السُّنَنِ إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِمَّنْ لَمْ يُقَدِّمْ فِي ابْتِدَاءِ تَصْنِيفِهِ خُطْبَةً ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّسْمِيَةِ ، وَهُمُ الْأَكْثَرُ ، وَالْقَلِيلُ مِنْهُمْ مَنِ افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِخُطْبَةٍ ، أَفَيُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ إِنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ حَذَفُوا ذَلِكَ ؟ كَلَّا ، بَلْ يُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ حَمِدُوا لَفْظًا . وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَلَفَّظُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَتَبَ الْحَدِيثَ وَلَا يَكْتُبُهَا ، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ إِسْرَاعٌ أَوْ غَيْرُهُ ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالْخُطَبِ دُونَ الْكُتُبِ كَمَا تَقَدَّمَ ; وَلِهَذَا مَنِ افْتَتَحَ كِتَابَهُ مِنْهُمْ بِخُطْبَةٍ حَمِدَ وَتَشَهَّدَ كَمَا صَنَعَ مُسْلِمٌ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ . وَقَدِ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى افْتِتَاحِ كُتُبِ الْعِلْمِ بِالْبَسْمَلَةِ وَكَذَا مُعْظَمُ كُتُبِ الرَّسَائِلِ ، وَاخْتَلَفَ الْقُدَمَاءُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ كُلُّهُ شِعْرًا فَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَنْعُ ذَلِكَ ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُكْتَبَ فِي الشِّعْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ ، وَقَالَ الْخَطِيبُ هُوَ الْمُخْتَارُ .
قَوْلُهُ : ( بَدْءُ الْوَحْيِ ) قَالَ عِيَاضٌ : رُوِيَ بِالْهَمْزِ مَعَ سُكُونِ الدَّالِ مِنَ الِابْتِدَاءِ ، وَبِغَيْرِ هَمْزٍ مَعَ ضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنَ الظُّهُورِ . قُلْتُ : وَلَمْ أَرَهُ مَضْبُوطًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا ، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا " كَيْفَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ " ، فَهَذَا يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ . وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ كَثِيرًا ، كَبَدْءِ الْحَيْضِ وَبَدْءِ الْأَذَانِ وَبَدْءِ الْخَلْقِ .
وَالْوَحْيُ لُغَةً الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ ، وَالْوَحْيُ أَيْضًا الْكِتَابَةُ وَالْمَكْتُوبُ وَالْبَعْثُ وَالْإِلْهَامُ وَالْأَمْرُ وَالْإِيمَاءُ وَالْإِشَارَةُ وَالتَّصْوِيتُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ . وَقِيلَ : أَصْلُهُ التَّفْهِيمُ ، وَكُلُّ مَا دَلَّلْتَ بِهِ مِنْ كَلَامٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ فَهُوَ وَحْيٌ . وَشَرْعًا الْإِعْلَامُ " - ص 15 -" بِالشَّرْعِ . وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَحْيُ وَيُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ أَيِ الْمُوحَى ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِ اعْتَرَضَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فَقَالَ : لَوْ قَالَ كَيْفَ كَانَ الْوَحْيُ لَكَانَ أَحْسَنَ ; لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ فِيهِ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ ، لَا لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ بَدْءِ الْوَحْيِ فَقَطْ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ بَدْءِ الْوَحْيِ حَالُهُ مَعَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَأْنِهِ أَيَّ تَعَلُّقٍ كَانَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : ( وَقَوْلُ اللَّهِ ) هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى حَذْفِ الْبَابِ عَطْفًا عَلَى الْجُمْلَةِ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ ، وَكَذَا عَلَى تَنْوِينِ بَابٍ . وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى كَيْفَ وَإِثْبَاتِ بَابٍ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ ، وَالتَّقْدِيرُ بَابُ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ كَذَا ، أَوْ الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ اللَّهِ كَذَا ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ كَيْفِيَّةِ قَوْلِ اللَّهِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُكَيَّفُ قَالَهُ عِيَاضٌ ، وَيَجُوزُ رَفْعُ " وَقَوْلُ اللَّهِ " عَلَى الْقَطْعِ وَغَيْرِهِ .
قَوْلُهُ : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ . . . الْآيَةَ ) قِيلَ قَدَّمَ ذِكْرَ نُوحٍ فِيهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ أُرْسِلَ ، أَوْ أَوَّلُ نَبِيٍّ عُوقِبَ قَوْمُهُ ، فَلَا يَرِدُ كَوْنُ آدَمَ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ مُطْلَقًا ، كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ . وَمُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِلتَّرْجَمَةِ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ صِفَةَ الْوَحْيِ إِلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوَافِقُ صِفَةَ الْوَحْيِ إِلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ أَوَّلَ أَحْوَالِ النَّبِيِّينَ فِي الْوَحْيِ بِالرُّؤْيَا ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ صَاحِبِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِنَّ أَوَّلَ مَا يُؤْتَى بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فِي الْمَنَامِ حَتَّى تَهْدَأَ قُلُوبُهُمْ ، ثُمَّ يَنْزِلُ الْوَحْيُ بَعْدُ فِي الْيَقَظَةِ .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عِيسَى ، مَنْسُوبٌ إِلَى حُمَيْدِ بْنِ أُسَامَةَ بَطْنٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ رَهْطِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، يَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي أَسَدٍ وَيَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قُصَيٍّ . وَهُوَ إِمَامٌ كَبِيرٌ مُصَنِّفٌ ، رَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي الطَّلَبِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَطَبَقَتِهِ وَأَخَذَ عَنْهُ الْفِقْهَ وَرَحَلَ مَعَهُ إِلَى مِصْرَ ، وَرَجَعَ بَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى مَكَّةَ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ . فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ امْتَثَلَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَدِّمُوا قُرَيْشًا " فَافْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ لِكَوْنِهِ أَفْقَهَ قُرَشِيٍّ أَخَذَ عَنْهُ . وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ كَشَيْخِهِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذْكَرَ فِي أَوَّلِ تَرْجَمَةِ بَدْءِ الْوَحْيِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ بِمَكَّةَ ، وَمِنْ ثَمَّ ثَنَّى بِالرِّوَايَةِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ شَيْخُ أَهْلِ الْمَدِينَةَ وَهِيَ تَالِيَةٌ لِمَكَّةَ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ وَفِي جَمِيعِ الْفَضْلِ ، وَمَالِكٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ قَرِينَانِ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْلَاهُمَا لَذَهَبَ الْعِلْمُ مِنَ الْحِجَازِ .
قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ) هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهِلَالِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ ، أَصْلُهُ وَمَوْلِدُهُ الْكُوفَةُ ، " - ص 16 -" وَقَدْ شَارَكَ مَالِكًا فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِ وَعَاشَ بَعْدَهُ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ .
قَوْلُهُ : ( عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ) فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ . اسْمُ جَدِّهِ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ صَحَابِيٌّ ، وَيَحْيَى مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ ، وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ التَّيْمِيُّ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ ، وَشَيْخُ مُحَمَّدٍ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ ، فَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ . وَفِي الْمَعْرِفَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلْقَمَةَ صَحَابِيٌّ ، فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ فِيهِ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ يَكُونُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَكْثَرُ الصِّيَغِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْمُحَدِّثُونَ ، وَهِيَ التَّحْدِيثُ وَالْإِخْبَارُ وَالسَّمَاعُ وَالْعَنْعَنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي إِدْخَالِهِ حَدِيثَ الْأَعْمَالِ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ بَدْءِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ أَصْلًا ، بِحَيْثُ إِنَّ الْخَطَّابِيَّ فِي شَرْحِهِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ أَخْرَجَاهُ قَبْلَ التَّرْجَمَةِ لِاعْتِقَادِهِمَا أَنَّهُ إِنَّمَا أَوْرَدَهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ فَقَطْ ، وَاسْتَصْوَبَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ صَنِيعَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي ذَلِكَ ، وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ : لَمْ يَقْصِدِ الْبُخَارِيُّ بِإِيرَادِهِ سِوَى بَيَانِ حُسْنِ نِيَّتِهِ فِيهِ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ ، وَقَدْ تُكُلِّفَتْ مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ، فَقَالَ : كُلٌّ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ . انْتَهَى . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَهُ مَقَامَ الْخُطْبَةِ لِلْكِتَابِ ; لِأَنَّ فِي سِيَاقِهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ ، فَإِذَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَةِ الْمِنْبَرِ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَةِ الْكُتُبِ . وَحَكَى الْمُهَلَّبُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِهِ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا ، فَنَاسَبَ إِيرَادَهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ " - كَانَ بِمَكَّةَ - " ; لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَانَتْ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا لِأَنَّ بِالْهِجْرَةِ افْتُتِحَ الْإِذْنُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ، وَيَعْقُبُهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ وَالْفَتْحُ انْتَهَى . وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ ، إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ - مِنْ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ بِهِ أَوَّلَ مَا هَاجَرَ - مَنْقُولًا . وَقَدْ وَقَعَ فِي بَابِ تَرْكِ الْحِيَلِ بِلَفْظِ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ " الْحَدِيثَ ، فَفِي هَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ ، أَمَّا كَوْنُهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ قُدُومِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَلَعَلَّ قَائِلَهُ اسْتَنَدَ إِلَى مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : نَقَلُوا أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ فَضِيلَةَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا هَاجَرَ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تُسَمَّى أُمَّ قَيْسٍ ، فَلِهَذَا خُصَّ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ دُونَ سَائِرِ مَا يُنْوَى بِهِ ، انْتَهَى . وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَسْتَلْزِمِ الْبَدَاءَةَ بِذِكْرِهِ أَوَّلَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ . وَقِصَّةُ مُهَاجِرِ أُمِّ قَيْسٍ رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ - قَالَ : مَنْ هَاجَرَ يَبْتَغِي شَيْئًا فَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ ، هَاجَرَ رَجُلٌ لِيَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ : كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا ، فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْمَالِ سِيقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ مَا يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ . وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ إِقَامَتَهُ مَقَامَ الْخُطْبَةِ فَقَطْ أَوْ الِابْتِدَاءَ بِهِ تَيَمُّنًا وَتَرْغِيبًا فِي الْإِخْلَاصِ لَكَانَ سَاقَهُ قَبْلَ التَّرْجَمَةِ كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ : التَّبْوِيبُ يَتَعَلَّقُ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ مَعًا ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ إِلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا قَالَ وَصَّاهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِي عِبَادَتِهِ . وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيِّ قَالَ : مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ بَدْءَ الْوَحْيِ كَانَ بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَ مُحَمَّدًا " - ص 17 -" عَلَى التَّوْحِيدِ وَبَغَّضَ إِلَيْهِ الْأَوْثَانَ وَوَهَبَ لَهُ أَوَّلَ أَسْبَابِ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَخْلَصَ إِلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ يَتَعَبَّدُ بِغَارِ حِرَاءَ فَقَبِلَ اللَّهُ عَمَلَهُ وَأَتَمَّ لَهُ النِّعْمَةَ . وَقَالَ الْمُهَلَّبُ مَا مُحَصِّلُهُ : قَصَدَ الْبُخَارِيُّ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ مَنْشَئِهِ وَأَنَّ اللَّهَ بَغَّضَ إِلَيْهِ الْأَوْثَانَ وَحَبَّبَ إِلَيْهِ خِلَالَ الْخَيْرِ وَلُزُومَ الْوِحْدَةِ فِرَارًا مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ ، فَلَمَّا لَزِمَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَوَهَبَ لَهُ النُّبُوَّةَ كَمَا يُقَالُ الْفَوَاتِحُ عُنْوَانُ الْخَوَاتِمِ . وَلَخَّصَهُ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي أَوَّلِ التَّرَاجِمِ : كَانَ مُقَدِّمَةُ النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهِجْرَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْخَلْوَةِ فِي غَارِ حِرَاءَ فَنَاسَبَ الِافْتِتَاحَ بِحَدِيثِ الْهِجْرَةِ . وَمِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الْبَدِيعَةِ الْوَجِيزَةِ مَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَ لَمَّا كَانَ مَوْضُوعًا لِجَمْعِ وَحْيِ السُّنَّةِ صَدَّرَهُ بِبَدْءِ الْوَحْيِ ، وَلَمَّا كَانَ الْوَحْيُ لِبَيَانِ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ صَدَّرَهُ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالِ ، وَمَعَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ لَا يَلِيقُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّرْجَمَةِ أَصْلًا . وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَقَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : لَيْسَ فِي أَخْبَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَجْمَعَ وَأَغْنَى وَأَكْثَرَ فَائِدَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ . وَاتَّفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبُعُهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْبَاقِي . وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا : يَدْخُلُ فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُبَالَغَةَ . وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا : يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَأْسَ كُلِّ بَابٍ . وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنَهُ ثُلُثَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ يَقَعُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ ، فَالنِّيَّةُ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَأَرْجَحُهَا ; لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَغَيْرُهَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا ، وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ : نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ ، فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ . وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَرَادَ أَحَدَ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُرَدُّ إِلَيْهَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عِنْدَهُ ، وَهِيَ هَذَا وَ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ الْحَدِيثَ . ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ إِلَّا الْمُوَطَّأَ ، وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُغْتَرًّا بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ : قَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ النَّاسِ مَرْدُودًا لِكَوْنِهِ فَرْدًا ; لِأَنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ ، وَلَا عَنْ عَلْقَمَةَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا اشْتُهِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَتَفَرَّدَ بِهِ مَنْ فَوْقَهُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ السَّكَنِ وَحَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ ، وَأَطْلَقَ الْخَطَّابِيُّ نَفْيَ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنْ بِقَيْدَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ مَعْلُولَةٍ ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُمَا .
ثَانِيهُمَا : السِّيَاقُ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ صَحَّتْ فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ 8 " يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ " ، وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ " ، وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ " رُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، وَحَدِيثِ عُبَادَةَ " مَنْ غَزَا وَهُوَ لَا يَنْوِي إِلَّا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَى " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَسَّرُ حَصْرُهُ ، وَعُرِفَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ مُتَوَاتِرٌ ، إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى " - ص 18 -" التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ فَيُحْتَمَلُ . نَعَمْ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ : فَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ النَّقَّاشُ الْحَافِظُ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ نَفْسًا ، وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ فَجَاوَزَ الثَّلَاثَمِائَةِ ، وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ مُذَاكَرَةً عَنِ الْحَافِظِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ الْهَرَوِيِّ قَالَ : كَتَبْتُهُ مِنْ حَدِيثِ سَبْعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى . قُلْتُ : وَأَنَا أَسْتَبْعِدُ صِحَّةَ هَذَا ، فَقَدْ تَتَبَّعْتُ طُرُقَهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَالْأَجْزَاءِ الْمَنْثُورَةِ مُنْذُ طَلَبْتُ الْحَدِيثَ إِلَى وَقْتِي هَذَا فَمَا قَدَرْتُ عَلَى تَكْمِيلِ الْمِائَةِ ، وَقَدْ تَتَبَّعْتُ طُرُقَ غَيْرِهِ فَزَادَتْ عَلَى مَا نُقِلَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ ، كَمَا سَيَأْتِي مِثَالٌ لِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَوْلُهُ : ( عَلَى الْمِنْبَرِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ ، أَيْ مِنْبَرِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى فِي تَرْكِ الْحِيَلِ : سَمِعْتُ عُمَرَ يَخْطُبُ .
قَوْلُهُ : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ) كَذَا أُورِدَ هُنَا ، وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ ، أَيْ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ . وَقَالَ الْخُوبِيُّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ أَوْ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ . وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادَهَا . بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعَهَا ; وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ . وَوَقَعَتْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ " الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ " بِحَذْفِ " إِنَّمَا " وَجَمْعِ الْأَعْمَالِ وَالنِّيَّاتِ ، وَهِيَ مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الشِّهَابِ لِلْقُضَاعِيِّ وَوَصَلَهُ فِي مُسْنَدِهِ كَذَلِكَ ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِرِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ ، بَلْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ " الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ " ، وَكَذَا فِي الْعِتْقِ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ ، وَفِي الْهِجْرَةِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ " الْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ " بِإِفْرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا . وَالنِّيَّةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَفِي بَعْضِ اللُّغَاتِ بِتَخْفِيفِهَا . قَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَوْلُهُ " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " هَذَا التَّرْكِيبُ يُفِيدُ الْحَصْرَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ إِفَادَتِهِ فَقِيلَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ جَمْعٌ مُحَلًّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مُفِيدٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْقَصْرِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّةٍ فَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ ، وَقِيلَ لِأَنَّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ ، وَهَلْ إِفَادَتُهَا لَهُ بِالْمَنْطُوقِ أَوْ بِالْمَفْهُومِ ، أَوْ تُفِيدُ الْحَصْرَ بِالْوَضْعِ أَوِ الْعُرْفِ ، أَوْ تُفِيدُهُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْ بِالْمَجَازِ ؟ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَأَتْبَاعِهِ أَنَّهَا تُفِيدُهُ بِالْمَنْطُوقِ وَضْعًا حَقِيقِيًّا ، بَلْ نَقَلَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ إِلَّا الْيَسِيرَ كَالْآمِدِيِّ ، وَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ لَمَا حَسُنَ إِنَّمَا قَامَ زَيْدٌ فِي جَوَابِ هَلْ قَامَ عَمْرٌو ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنَّهُ يَقَعُ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ وَهِيَ لِلْحَصْرِ اتِّفَاقًا ، وَقِيلَ : لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ لَاسْتَوَى إِنَّمَا قَامَ زَيْدٌ مَعَ مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ ، وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْقُوَّةِ نَفْيُ الْحَصْرِ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ أَقْوَى مِنَ الْآخَرِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ كَسَوْفَ وَالسِّينِ ، وَقَدْ وَقَعَ اسْتِعْمَالُ إِنَّمَا مَوْضِعَ اسْتِعْمَالِ النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَكَقَوْلِهِ : وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَقَوْلِهِ : إِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ وَقَوْلِهِ : مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُ الْأَعْشَى : وَلَسْتُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ " - ص 19 -" يَعْنِي مَا ثَبُتَتِ الْعِزَّةُ إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَكْثَرَ حَصًى . وَاخْتَلَفُوا : هَلْ هِيَ بَسِيطَةٌ أَوْ مُرَكَّبَةٌ ، فَرَجَّحُوا الْأَوَّلَ ، وَقَدْ يُرَجَّحُ الثَّانِي ، وَيُجَابُ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ " إِنَّ " لِلْإِثْبَاتِ وَ " مَا " لِلنَّفْيِ فَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الْمُتَضَادَّيْنِ عَلَى صَدَدٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يُقَالَ مَثَلًا : أَصْلُهُمَا كَانَ لِلْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ ، لَكِنَّهُمَا بَعْدَ التَّرْكِيبِ لَمْ يَبْقَيَا عَلَى أَصْلِهِمَا بَلْ أَفَادَا شَيْئًا آخَرَ ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِفَادَةُ هَذَا السِّيَاقِ لِلْحَصْرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ تَأْكِيدًا بَعْدَ تَأْكِيدٍ وَهُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ إِنَّمَا وَمِنَ الْجَمْعِ ، فَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إِيهَامِ الْعَكْسِ ; لِأَنَّ قَائِلَهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْحَصْرَ فِيهِ تَأْكِيدٌ عَلَى تَأْكِيدٍ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ يُفِيدُ الْحَصْرَ . وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : اسْتُدِلَّ عَلَى إِفَادَةِ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ بِحَدِيثِ " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ " ، وَعَارَضَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْحُكْمِ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ فِي فَهْمِهِ فَكَانَ كَالِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهَا تُفِيدُ الْحَصْرَ . وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا تَرَكُوا الْمُعَارَضَةَ بِذَلِكَ تَنَزُّلًا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ " لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ " لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ، فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ فِي رَدِّ إِفَادَةِ الْحَصْرِ ، بَلْ يُقَوِّيهِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّ مُفَادَ الصِّيغَتَيْنِ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ ، وَإِلَّا لَمَا اسْتَعْمَلُوا هَذِهِ مَوْضِعَ هَذِهِ . وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا حَدِيثُ " إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ " فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَمْ يُعَارِضُهُمُ الْجُمْهُورُ فِي فَهْمِ الْحَصْرِ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا عَارَضَهُمْ فِي الْحُكْمِ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى كَحَدِيثِ " إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ " وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ : إِنَّمَا لَفْظُ لَا يُفَارِقُهُ الْمُبَالَغَةُ وَالتَّأْكِيدُ حَيْثُ وَقَعَ ، وَيَصْلُحُ مَعَ ذَلِكَ لِلْحَصْرِ إِنْ دَخَلَ فِي قِصَّةٍ سَاعَدَتْ عَلَيْهِ ، فَجُعِلَ وُرُودُهُ لِلْحَصْرِ مَجَازًا يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ أَصْلَ وُرُودِهَا لِلْحَصْرِ ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ سِيقَ بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الْوَحْدَانِيَّةِ ، وَإِلَّا فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ صِفَاتٌ أُخْرَى كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ فَإِنَّهُ سِيقَ بِاعْتِبَارِ مُنْكِرِي الرِّسَالَةِ ، وَإِلَّا فَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِفَاتٌ أُخْرَى كَالْبِشَارَةِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ . وَهِيَ - فِيمَا يُقَالُ - السَّبَبُ فِي قَوْلِ مَنْ مَنَعَ إِفَادَتَهَا لِلْحَصْرِ مُطْلَقًا .
( تَكْمِيلٌ ) : الْأَعْمَالُ تَقْتَضِي عَامِلَيْنِ ، وَالتَّقْدِيرُ : الْأَعْمَالُ الصَّادِرَةُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ ، وَعَلَى هَذَا هَلْ تَخْرُجُ أَعْمَالُ الْكُفَّارِ ؟ الظَّاهِرُ الْإِخْرَاجُ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَالِ أَعْمَالُ الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنَ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهَا مُعَاقَبًا عَلَى تَرْكِهَا وَلَا يَرِدُ الْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ لِأَنَّهُمَا بِدَلِيلٍ آخَرَ .
قَوْلُهُ : ( بِالنِّيَّاتِ ) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مُقَوِّمَةٌ لِلْعَمَلِ فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ فِي إِيجَادِهِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ مِنْ نَفْسِ الْعَمَلِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَتَخَلَّفَ عَنْ أَوَّلِهِ . قَالَ النَّوَوِيُّ : النِّيَّةُ الْقَصْدُ ، وَهِيَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ . وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَةَ الْقَلْبِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الْقَصْدِ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ هِيَ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ " - مُصَاحَبَةُ النِّيَةِ أَثْنَاءَ الْعَمَلِ - " ؟ وَالْمُرَجَّحُ أَنَّ إِيجَادَهَا ذِكْرًا فِي أَوَّلِ الْعَمَلِ رُكْنٌ ، وَاسْتِصْحَابَهَا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ شَرْعًا شَرْطٌ . وَلَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ ، فَقِيلَ تُعْتَبَرُ وَقِيلَ تُكَمَّلُ وَقِيلَ تَصِحُّ وَقِيلَ تَحْصُلُ وَقِيلَ تَسْتَقِرُّ . قَالَ الطِّيبِيُّ : كَلَامُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ ، فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ ، فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ . وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : النِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ انْبِعَاثِ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا ، وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ لِابْتِغَاءِ رِضَاءِ اللَّهِ وَامْتِثَالِ حُكْمِهِ . وَالنِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِيَحْسُنَ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَتَقْسِيمُهُ أَحْوَالَ الْمُهَاجِرِ ، فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ ، وَالْحَدِيثُ مَتْرُوكُ " - ص 20 -" الظَّاهِرِ لِأَنَّ الذَّوَاتَ غَيْرُ مُنْتَفِيَةٍ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّيَّةِ ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ ذَاتِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ، بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُ أَحْكَامِهَا كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ ، لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَهَ بِنَفْيِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ ; وَلِأَنَّ اللَّفْظَ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الذَّاتِ بِالتَّصْرِيحِ وَعَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ بِالتَّبَعِ ، فَلَمَّا مَنَعَ الدَّلِيلُ نَفْيَ الذَّاتِ بَقِيَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ مُسْتَمِرَّةً . وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ : الْأَحْسَنُ تَقْدِيرُ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَتْبَعُ النِّيَّةَ ، لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ " إِلَى آخِرِهِ . وَعَلَى هَذَا يُقَدَّرُ الْمَحْذُوفُ كَوْنًا مُطْلَقًا مِنِ اسْمِ فَاعِلٍ أَوْ فِعْلٍ . ثُمَّ لَفْظُ الْعَمَلِ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْجَوَارِحِ حَتَّى اللِّسَانِ فَتَدْخُلُ الْأَقْوَالُ . قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَأَخْرَجَ بَعْضُهُمُ الْأَقْوَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي أَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُهَا . وَأَمَّا التُّرُوكُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِعْلَ كَفٍّ لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الْعَمَلِ . وَقَدْ تُعُقِّبَ عَلَى مَنْ يُسَمِّي الْقَوْلَ عَمَلًا لِكَوْنِهِ عَمَلَ اللِّسَانِ ، بِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا فَقَالَ قَوْلًا لَا يَحْنَثَ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَرْجِعَ الْيَمِينِ إِلَى الْعُرْفِ ، وَالْقَوْلُ لَا يُسَمَّى عَمَلًا فِي الْعُرْفِ وَلِهَذَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَيَدْخُلُ مَجَازًا ، وَكَذَا الْفِعْلُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ قَوْلِهِ : زُخْرُفَ الْقَوْلِ . وَأَمَّا عَمَلُ الْقَلْبِ كَالنِّيَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْحَدِيثُ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّسَلْسُلَ ، وَالْمَعْرِفَةَ : وَفِي تَنَاوُلِهَا نَظَرٌ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الْمَنَوِيِّ ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْمَرْءُ مَا يَعْرِفُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ . وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ : إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ مُطْلَقَ الشُّعُورِ فَمُسَلَّمٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ النَّظَرَ فِي الدَّلِيلِ فَلَا ; لِأَنَّ كُلَّ ذِي عَقْلٍ يَشْعُرُ مَثَلًا بِأَنَّ لَهُ مَنْ يُدَبِّرُهُ ، فَإِذَا أَخَذَ فِي النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ عَلَيْهِ لِيَتَحَقَّقَهُ لَمْ تَكُنِ النِّيَّةُ حِينَئِذٍ مُحَالًا . وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : الَّذِينَ اشْتَرَطُوا النِّيَّةَ قَدَّرُوا صِحَّةَ الْأَعْمَالِ ، وَالَّذِينَ لَمْ يَشْتَرِطُوهَا قَدَّرُوا كَمَالَ الْأَعْمَالِ ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصِّحَّةَ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلْحَقِيقَةِ مِنَ الْكَمَالِ فَالْحَمْلُ عَلَيْهَا أَوْلَى . وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِيهَامٌ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ لَا يَرَى بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ، وَلَيْسَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي الْوَسَائِلِ ، وَأَمَّا الْمَقَاصِدُ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لَهَا ، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِهَا لِلْوُضُوءِ ، وَخَالَفَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي التَّيَمُّمِ أَيْضًا . نَعَمْ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اخْتِلَافٌ فِي اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعَمَلِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَبْسُوطَاتِ الْفِقْهِ .
( تَكْمِيلٌ ) : الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي النِّيَّاتِ مُعَاقِبَةٌ لِلضَّمِيرِ ، وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ بِنِيَّاتِهَا ، وَعَلَى هَذَا فَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ نِيّ
هاني عدلي
هاني عدلي
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 11
تاريخ التسجيل : 06/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحديث الأول Empty رد: الحديث الأول

مُساهمة من طرف شعبان مجاورعلي المحامي الأحد 11 سبتمبر 2011, 1:05 pm

جزاك الله خيرا
وننتظر منك الكثير
متمنيا ان تجد ذلك في ميزان حسناتك
شعبان مجاورعلي المحامي
شعبان مجاورعلي المحامي
المدير العام

عدد المساهمات : 1408
تاريخ التسجيل : 05/05/2011
الموقع : مصر

https://shabanavocat.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحديث الأول Empty رد: الحديث الأول

مُساهمة من طرف عبدالناصرعبدالعزيزالمحامي الإثنين 12 سبتمبر 2011, 3:06 pm

ربنا يوفق ونتمني ان تضع اكثر كم من الاحاديث
ربنا يتقبل
عبدالناصرعبدالعزيزالمحامي
عبدالناصرعبدالعزيزالمحامي
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 08/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحديث الأول Empty رد: الحديث الأول

مُساهمة من طرف nady الإثنين 12 سبتمبر 2011, 9:41 pm

شكرا استاذنا وياريت تداوم علي طول
مرة تانية شكرا

nady
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 22
تاريخ التسجيل : 22/07/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الحديث الأول Empty رد: الحديث الأول

مُساهمة من طرف عبدالناصرعبدالعزيزالمحامي الخميس 15 سبتمبر 2011, 6:10 pm

بالتوفيق
عبدالناصرعبدالعزيزالمحامي
عبدالناصرعبدالعزيزالمحامي
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 08/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى