منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شهر رمضان الكريم

اذهب الى الأسفل

شهر رمضان الكريم Empty شهر رمضان الكريم

مُساهمة من طرف شعبان مجاورعلي المحامي الأحد 10 يوليو 2011, 11:26 pm

شهر رمضان
خطبة لسماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، إن من آثار الإيمان الصادق محبة العبد لربه، محبة العبد لربه، تلكم المحبة التي يقتضي مقتضاها قبول أوامر الله، وقبول نواهيه، فأوامر الله يقبلها بالتنفيذ، ونواهي الله يقبل أن .... بالبعد عنها كما أمره الله، إن حقيقة الإيمان الصادق تشعر المؤمن بأنه عبد لله، عبد متعبد لله، عبد لله حقا، عبد لله خالص العبودية لربه جل وعلا، عبد لله عرف ربه جل وعلا، وأنه الذي أنشأه من العدم، ورباه بالنعم، عبد لربه، عرف ربه بأنه خالقه ورازقه، مالك سمعه وبصره ونفعه وضره، عبد لله يعرف عظمة الله في قلبه، وأن الله ربه ومعبوده الحق، لا معبود له سواه، عبودية، عبودية تشعره بكمال الذل والخضوع والانقياد لرب العالمين، عبودية تشعره بأنه يخلص لله عبادته، فلا يعبد مع الله سواه، ولا يعلق رجاءه الحق بغير الله، بل عمله ورجاءه وطمعه فيما عند الله وأمله فيما عند الله، عبودية تجعله يقبل الأوامر ويمتثلها، ويجتنب النواهي ويقف عند الحدود وينفذ الفرائض ويقوم لله بما يستطيع مما افترض عليه، علم أن الله استخلفه في الأرض ليحقق العبودية الحق لله وأن أشرف الخلق وأكملهم، أن أشرف الخلق وأكملهم من حقق العبودية لله، ولذا وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أهلا المقامات، فقال جل وعلا في تحدي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَـزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)، وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)، وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ)، وقال: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ)؛ فمحمد -صلى الله عليه وسلم- لكمال خوفه من الله، وكمال محبته لله نسب بأنه عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

أيها المؤمن؛ فالعبودية لله تشعرك بأن الله خلقك، وأنه خلقك لغاية عظيمة هي عبادته وحده لا شريك له: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)، لم يلهيك بهذه الدنيا، وجعلك حائرا بلا برهان، لا بل لطف بك ورحمك، فأرسل إليك عبده ورسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم-، ليخرجك به من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، من ظلمات الجهل إلى نور العلم، من ظلمات الكفر والضلال إلى نور التوحيد والإخلاص، من ظلمات التخبط والهوى إلى الصراط المستقيم الذي طرفه بأيدينا ونهايته الجنة بفضل الله وبرحمته.
أيها المسلم، إن حقيقة الإيمان تشعر العبد بأنه متعبد بأوامر أمر بها، فهو يقبل الأوامر ويعلم أن كل أوامر الله حق ليست عبثا ولا سبها: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)، أوامر الله نقبلها علمنا الحكمة، أو لم يعلمها، لكنه يشعر حقاً بأن كل أوامر الله ونواهي وشرعه وقضاءه وقدره يدور على كمال حكمة الرب، وعلى كمال علم الرب، وعلى كمال ورحمة الرب، وعلى كمال عدل ربنا، فالأوامر والنواهي والشرع قائم على كمال حكمة ربنا، وكمال عدل ربنا وكمال رحمة ربنا، وكمال عدل ربنا جل رباً وتقدس إلهاً ومعبودا.
أيها المسلم، أيها المسلم، والمسلم الذي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ورضي بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا رسولا هو العبد المنفذ لأوامر الله هو العبد القائم بذلك قدر استطاعته.

أخي المسلم، أختي المسلمة، إننا نستقبل بعد يوم أو يومين شهراً عظيماً وموسماً كريماً، شهراً عظيماً عظم الله شأنه ورفع ذكره وأعلى قدره، شهراً تكرم الله علينا فافترض علينا صيامه، وجعل صيامه أحد أركان إسلامنا، فلا يصح إسلام عبد لم يؤدي ذلك الركن؛ ركن من أركان ديننا ألا وهو صيام شهر رمضان، ألا وهو صيام شهر رمضان هو الركن الرابع أو الخامس من أركان الإسلام التي بني عليها الإسلام، إن المؤمن المتعبد لله حقا عندما يقبل عليه هذا الشهر ما موقفه؟ موقفه الظفر بهذا الشهر والاستبشار بهذا الشهر، والأنس بهذا الشهر، وانشراح الصدر لأجل هذا الشهر وقرة العين بهذا الشهر، إنه يستقبله فرحاً مسرورا، إنه يستقبله فرحاً مسرورا، مغتبطاً بتلك النعمة، يتردد على لسانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، يستقبله وكله أمل في الله وكله رجاء في الله أن يوفقه الله لصيامه وقيامه ويمده بعونه وتوفيقه وتأييده ليؤدي واجب هذا الشهر بحق وأمانة .
أيها المسلم، أيها المسلم، إن الله تعبدنا بعبادات متعددة كلها ابتلاء وامتحان لنا، ليظهر من كان حقاً مؤمنا يقبل الأوامر بدون تردد لا يقبل أمراً ويتخلى عن أمر ولا يقبل واجباً ويتخلى عن واجب بل يقبل كل الأوامر سمعاً وطاعة لسان حاله: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، جعل الشهادتين أصل الإسلام، وأساسه أن تخلص لله عبادتك، ويتعلق قلبك بالله، فلا تلتفت لما سواه، ولا تؤمل في غير الله، وتشهد أن محمد بن عبد الله العبد الذي لا يعصا، والرسول الذي لا يكذب بل يظاهر ويتبع -صلى الله عليه وسلم-، ثم تؤدي تلك الصلاة فريضة الخمس التي هي عبادة بدنية محضة، ثم تؤدي الزكاة العبادة المالية، ثم تؤدي الحج عبادة مركبة من مال وبدن، ثم تؤدي الصوم كفُ عن ما أمرت بالكف عنه إن المؤمن حينما ينفذ أركان الإسلام، ينفذها وهو موقن بفرضيتها، مصدق بذلك يؤمل ما وعد الله على هذه الفرائض من الثواب العظيم.

أمة الإسلام، صيام الصيام عبادة تعبد الله بها من قبلنا من الأمم، وليست عبادة مختصين بها بل هي عبادة لله تعبد بها من قبلنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، إن فرضيته كانت في العالم الثالث من الهجرة ليلتين مضتا من شهر شعبان، فصام محمد -صلى الله عليه وسلم- تسع رمضانات، وتوفي في العام الحادي عشر -صلى الله عليه وسلم- تسليماً كثيرا؛ فرضيته كانت على مراحل: فأولاً فرض، ولكن خير المسلم بأن يصوم، وأن يطعم: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)، ثم فرض عليهم الصيام فرضا: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).

أيها المسلم، إن هذا الصيام وجه الأمر إليك بأشرف الصفات وأعلاها، بقول الله لك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، يا أيها الذين صدقوا، واستجابوا، وسمعوا، وأطاعوا، يا أيها الذين انقادوا لربهم، وخضعوا له: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، ولكن لكم يا أمة محمد، يا أمة محمد من الأجر والثواب، ومضاعفة الحسنات، ما لم يكن لأمة قبلكم، فأنتم خير الأمم وأكرمها على الله، ونبيكم خير الأنبياء وخاتمهم، وكتابكم كتاب الله آخر الكتب، وأصدقها، وأجمعها، وشريعتكم: شريعة كاملة في كل شؤون حياتها، فلكم من الفضل والمزايا ما ليس لغيركم، فاجتهدوا في قبول أمر الله وتنفيذه: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)، إن لهذا الصيام حكماً وأسرار، وإن لهذا الصوم حكما وأسرارا، والله جل وعلا قد قال في ذلك كلمة جامعة: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، كتب عليكم الصيام، لماذا؟ لعلكم تتقون؛ قل ما شئت وحدث بما شئت واخطب بما شئت، فالغاية والنهاية ليحصل لك التقوى ليتحقق جانب التقوى للصائم، وبأي شيء يتحقق، نعم، إن الصوم يحقق له التقوى، يحقق له التقوى في قلبه، حال التقوى يحمله أن ترك مشتهيات نفسه من طعام وشراب ونساء في نهار الصيام، طاعة لله النفس منقادة لها، لكن يتركها لأجل التقرب إلى الله بتركها: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)، ويحصل التقوى أيضاً، بأن الصائم حينما يكف عن المشتهيات، وهو في وقت لا يطلع عليه أحد من الخلق، في بيته ومغلق عليه داره لا يعلم به من وراء ذلك، لكن في قلبه واعظ، وفي قلبه واعظ عظيم، وما هو: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ *وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ *إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فيشعر بأن الله يراه، وبأن الله يعلم مكانه، ويسمع صوته ويعلم مكانه، ويعلم سره وعلانيته، فالباعث له بترك تلك المشتريات، وعدم تناولها ما في القلب بأن الله مراقب ومطلع وعارف: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، إن الصائم في صيامه، حينما يترك تلك الملذات مع التمكن والقدرة عليها، من يذكره من يتركها عجزاً عنها وفقدان لها من أقوام شحت عليهم الأمور، وضاقت عليهم الأحوال يتمنون لقمة العيش، فلا يجدونها، فيزداد شكراً لله وثناءً على الله، وعلماً بأن الله قد تفضل عليه وأنعم عليه، إنه يترك هذه الملذات طاعة لله، فيكبر في القلب الإيمان إن هذا الصوم فيه رضا لربنا وطهرة لقلوبنا، إنه يربي في المسلم مكارم الأخلاق، ويسمو به لمعالي الأمور إنه يعلمه الصبر عن شهوات الفرج المحرم، والصبر عن المأكولات المحرمة بوقتها، ويعلمه الصبر وكظم الغيظ وتحمل الأذى، ويهذب لسانه ويقوم بعض من أخلاقه، ويرتقي به إلى درجات العلا، فإن أحد سابه، أو أحد شاتمه، فليقل إني امرئ صائم، إنه يعوده قوة الإرادة، وصلابة الموقف وتحمل المشاق، إنه يدربه على ضبط نفسه والسيطرة على شهوته، فلا تقهره الأهواء والشهوات، بل هو صلب الإرادة قوي العزيمة واثق بربه مطمئن إلى ذلك.
أيها المسلم، صيامك لرمضان فيه لك فضائل لا تعد ولا تحصى: فأولها فضائله: أن الله ابتدأ بإنزال القرآن فيه على محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، في أوقات: (حم *وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ *إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، إن إنزال القرآن الذي هو عز الأمة المحمدية وشرفها وكمالها: (لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)، إنه الكتاب الذي أبان الله به الحق من الباطل، وفرق به بين الهدى و الضلال، وطريق المتقين وسبيل الضالين، إن فضل الصيام إن من فضائله، أن الله افترضه علينا وجعله أحد أركان الإسلام إن من فضائله أن صومه يكفر ما مضى من الذنوب: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، إن من فوائده أن صيامه: يكفر ما مضى من الذنوب، في الحديث كان النبي يأمر أصحابه بصيام رمضان، كان النبي يرغب أصحابه في صيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، من فضائل رمضان: اشتماله على ليلة هي خير من ألف شهر، والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها: (إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ *لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، من فضائله، من فضائله وخصائصه، أن دعوة الصائم الصادق مستجابة بتوفيق الله؛ من فضائله: أن الفريضة فيه تعدل سبعين فريضة فيما سواه، والنافلة فيه تعدل فريضة فيما سواه، من فضائل هذا الصوم من فضائل هذا الصوم: أن أسباب الخير مهيئة لك فنبينا يقول: "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهم أمة قبلهم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته"، ويقول: "يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المأونة والأذى ويسيروا إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون فيه إلى غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل أهي ليلة القدر، قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا اكتمل عمله"، من فضائل هذا الشهر: يا عباد الله، من فضائل هذا الشهر، يا عباد الله: أن أسباب الخير موفرة وأسباب الشر مقيدة فليكن المسلم على جانب عظيم من التعود، ليستقبل هذا الشهر بالفرح والسرور، ومن فضل الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن"، أد حق الصيام وأحفظه من المنقصات ففي الحديث:" من صام رمضان، وتحرى حدوده، وتحفظ فيما ينبغي أن يتحفظ منه، كفر ما كان قبله".

أيها المسلم، أحسن النية عند استقباله، أحسن النية عند استقباله، واستعد للخير، وأمل الخير يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ما دخل على المسلمين شهر خير لهممنه، ولا دخل على المنافقين شهر شر لهم منه بمحلوف رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إن الله يكتب أجره ونوافله من قبل أن يوجبه، ويكتب وزرهوشقاءه قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد له من النفقة في القوة والعبادة، ويعدالمنافق إتباع غفلات المسلمين، وإتباع عوراتهم، فهو غنم للمؤمن، ونقمة للفاجر" أو قال:"يغتم به الفاجر".
أيها المسلم، ليهنئ بعضنا بعضاً بمقدمه وليقل كلٌ منا الحمد لله الذي بلغنا رمضان فنبينا -صلى الله عليه وسلم- قال يوماً وحضر رمضان: "أتاكم رمضان شهر خير شهر رحمة وبركة يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطيئة، ويستجيب الدعاء ينظر على تنافسكم فيه، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله"، أبواب الجنة الثمانية تفتح في هذا الباب في هذا الشهر، وأبواب النار مغلقة، وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار كل ليلة، كما كتب على الذين من قبل أيام معدودات، إن أيامه معدودة ما بين 29 أو 30 هذه أيامه، فلا تستطيلوها، ولا تستبطئوها، بل افرحوا بها، واحمدوا الله عليها والمريض والمسافر رخص لهم بالفطر ويقضون أياماً أخر، والعاجز عن الصوم لكبر أو مرض يطعم عن كل يوم مسكينا، فاشكروا الله على تيسيره وفضله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمداً، كثيراً، طيباً، مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

أركان الإسلام إذا تأملتها وجدتها تحقق فرائض بين المسلمين، وتقوي أواصر المحبة بينهم، وتشعرهم بأنهم جميعهم عبيد لله، غنيهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم، الكل خاضع لله فالصلوات الخمس يؤديها المسلمون، وراء إمام واحد على اختلاف طبقاتهم وأحوالهم، ورمضان يصومه المسلمون القادرون على الصيام في أقطار الدنيا على اختلاف طبقاتهم، ويحجون بيت الله ويحج المستطيعون بيت الله على اختلاف مراحلهم، على اختلاف طبقاتهم هكذا شعائر الإسلام، فهي تشعر المسلم بالأخوة والمواساة بين المسلمين والروابط المتينة والأخوة الصادقة، إذا سمعها المسلمون فرحوا بهذا الشهر، وتحروا هلاله، يقول: ابن عمر -رضي الله عنه- لما حضر رمضان، قال: - رضي الله عنه-: تحرى الناس رمضان، فلما رأيته أخبرت النبي بذلك، فصام وأمر بصيامه -صلى الله عليه وسلم- تسليماً كثيرا.

أيها المسلم، الصائم استقبله بنية صادقة، وعزيمة خالصة، وتوبة نصوح، وتب إلى الله عما مما سلف، وكان من سيئات أقوالك وأعمالك؛ فأرجو من الله أن يكون رمضان مطهرا لنا من الذنوب والخطايا، صاعدا بنا إلى محامد الأمور، وفضائل الأعمال.
أيها المسلم، إن صلاة التراويح سنة سنها محمد صلى الله عليه وسلم فصلى بأصحابه ليال فازدحم المسجد فخشي أن تفرض عليهم فلم يخرج لهم وأخبرهم أن المانع منه من الخروج خشية أن تفرض عليهم فلا يستطيعوها وفي زمن عمر رضي الله عنه رأى الناس في المسجد يصلون أوزاعا الرجل وحده والرجل مع الرجلين فجمعهم على إمام واحد ووافقه الصحابة على ذلك فكانت سنة نبوية ثم سنة عمرية دام المسلمون عليها وأيدوا عمر على فعله -رضي الله عنه- وأرضاه أيها الأئمة اتقوا الله في جماعة مساجدكم، وحافظوا في هذا الشهر خاصة على النوافل والفرائض، وإن كان المطلوب المحافظة دائماً، وأبدا أعينوا المأمومين على أنفسهم أسمعوهم كتاب الله كاملا فهذه سنة، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: " يستحب للإمام أن يسمع الجماعة في رمضان كتاب الله كاملا "؛ هكذا كان هدي السلف، وأدوها بطمأنينة، وتدبر، وتعقل، واحذروا الإطالة في القنوت التي تخرج عن المشروع لعلكم تفلحون.

أيها المسلمون، إن محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يبشر أصحابه في رمضان ويبين لهم فضائله فيروى عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبنا، فقال: "أظلكم شهر عظيم مبارك شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب به بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فيه فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وفيه ليلة خير من ألف شهر"، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له من الأجر مثل أجر الصائم من غير أن ينقص ذلك من أجره شيء، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خفف فيه عن مملوكه غفر الله وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال؛ خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما فأما اللتان ترضون بهما ربكم، فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غناء بكم عنهما، فتسألون الله الجنة وتستغيثون به من النار، ومن سقى به صائماً شربة سقاه الله من حوضه شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة"، فاستقبلوه بالفرح والسرور، واحمدوا الله أن مكنكم من صيامه، واسألوه أن يعينكم على ذلك؛ اسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والهداية لكل خير إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم الله-، أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار.
وصلوا - رحمكم الله-، على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
اللهم صلي وسلم، وبارك على عبدك ورسولك محمد وأرضا اللهم عن خلفاءه الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام، والمسلمين، وأذل الشرك، والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبد الله بن عبد العزيز لكل خير؛ اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك و كن له عوناً في كل ما أهمه، اللهم اجمع به كلمة الأمة ووحد صفوفها على الخير والتقوى، اللهم أيده بولي عهده سلطان بن عبد العزيز وفقه وسدده في أقواله وأعماله واجعلهم جميعاً أعواناً على البر والتقوى.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم أهل علينا رمضان بالأمن والإيمان، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، اللهم وفقنا فيه لصالح الأقوال والأعمال، اللهم كما قربتنا من أيامه فوفقنا لإدراكه وأعنا على ذلك، اللهم اجعله شاهد لنا يوم تقوم الأشهاد، اللهم اجعلنا فيه من الموفقين للصواب، اللهم أعنا فيه على طاعتك، واجعلنا من المتنافسين في صالح الأعمال.
اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا اللهم اغفر لأمواتنا واخلف عليهم هذا الشهر بكل خير إنك على كل شيء قدير، اللهم وفقنا به لما تحبه وترضاه وجنبنا فيه الفتن ما ظهر منها وما بطن إنك على كل شيء قدير؛ ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه، يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
عبادة الصوم
الحمد لله على نعمه الباطنة والظاهرة، شرع لعباده ما يصلحهم ويسعدهم في الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه نجوم الهدى الزاهرة، ومن اتبع هديه وتمسك بسنته الطاهرة.
أما بعد:
أولاً: روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك"[1] .
ثانياً: وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"[2] .
ثالثاً: وأخرج ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"[3] ، وقد قال الله تعالى في أثناء آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[4]. ليرغب الصائم بكثرة الدعاء.
رابعاً: وروى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا: "صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف"[5] .
خامساً: وأخرج أحمد في مسنده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام نصف الصبر"[6] . وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب.
سادساً: واخرج البخاري ومسلم في صحيحهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً و احتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه"[7] .
سابعاً: واخرج البخاري ومسلم في صحيحهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يفسق، ولا يجهل ، فإن سابه أحد، فليقل إني امرؤ صائم"[8] .
وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الامين ، وعلى اله وصحبه أجمعين .



أقوال العلماء في فضل عبادة الصيام
أولاً: فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمه الله-:
إخْوانِي: اعلمُوا أنَّ الصومَ من أفضَلِ العباداتِ، وأجلِّ الطاعاتِ جاءَتْ بفضلِهِ الآثار، ونُقِلَتْ فيه بينَ الناسِ الأَخبار.
فَمِنْ فضائِلِ الصومِ أنَّ اللهَ كتبَه على جميعِ الأُمم، وَفَرَضَهُ عَلَيْهم:
قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، [البقرة: 183]. ولَوْلاَ أنَّه عبادةٌ عظيمةٌ لاَ غِنَى لِلْخلقِ عن التَّعَبُّد بها للهِ، وعما يَتَرَتَّب عليها مِنْ ثوابٍ ما فَرَضَهُ الله عَلَى جميعِ الأُمَمِ.
ومِنْ فضائل الصومِ في رَمضانَ: أنَّه سببٌ لمغفرة الذنوبِ وتكفيرِ السيئاتِ، ففي الصحيحينِ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: "مَنْ صَامَ رمضان إيماناً واحْتساباً غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم مِن ذنبه" يعني: إيماناً باللهِ ورضاً بفرضيَّةِ الصَّومِ عليهِ، واحتساباً لثَوابه وأجرهِ، لم يكنْ كارِهاً لفرضهِ ولا شاكّاً فيَ ثوابه وأجرهِ، فإن الله يغْفِرُ له ما تقدَم من ذنْبِه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: "الصَّلواتُ الخَمْسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ورمضانُ إلى رمضانَ مُكفِّراتٌ مَا بينهُنَّ إذا اجْتُنِبت الْكَبَائر".
ومِنْ فضائِل الصوم أنَّ ثوابَه لا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ مُعيَّنٍ بل يُعطَى الصائمُ أجرَه بغير حسابٍ. ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "قال الله تعالى: كُلُّ عَمَل ابن آدم لَهُ إلاَّ الصومَ فإِنَّه لي وأنا أجزي بهِ. والصِّيامُ جُنَّةٌ فإِذا كان يومُ صومِ أحدِكم فَلاَ يرفُثْ ولا يصْخَبْ فإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أو قَاتله فَليقُلْ إِني صائِمٌ، والَّذِي نَفْسُ محمدٍ بِيَدهِ لخَلُوفُ فمِ الصَّائم أطيبُ عند الله مِن ريح المسك، لِلصائمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهما؛ إِذَا أفْطَرَ فرحَ بِفطْرهِ، وإِذَا لَقِي ربَّه فرح بصومِهِ".
وَفِي رِوَايِةٍ لمسلم: "كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ لَهُ يُضَاعفُ الحَسَنَة بعَشرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائِة ضِعْفٍ، قَالَ الله تعالى إِلاَّ الصَومَ فإِنه لِي وأَنَا أجْزي به يَدَعُ شهْوَتَه وطعامه من أجْلِي".
وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ:
الوجه الأول: أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال، وذلك لِشرفِهِ عنده، ومحبَّتهِ له، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله. فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام، فلا يتناولُهُ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال: "يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي". وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله: إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ، ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله، حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم، ويُدخله الجنَّةَ بالصوم.
الوجه الثاني: أن الله قال في الصوم: "وأَنَا أجْزي به". فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها. فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب. والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين. وقَدْ قَالَ الله تَعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10].
الوجه الثالث: أن الصَّومَ جُنَّةٌ: أي وقايةٌ وستْرٌ يَقي الصَّائِمَ من اللَّغوِ والرَّفثِ، ولذلك قال: "فإِذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُثْ وَلاَ يَصْخبْ"، ويقيه من النَّار. ولذلك روى الإِمام أحمدُ بإسْناد حَسَنٍ عن جابر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: "الصيام جُنَّةٌ يَسْتجِنُّ بها العبدُ من النار".
الوجه الرابع: أنَّ خَلوفَ فمِ الصائمِ أطيبُ عند الله مِنْ ريحِ المسْكِ لأنَّها من آثارِ الصيام، فكانت طيِّبةً عندَ الله سبحانه ومحْبُوبةً له. وهذا دليلٌ على عَظِيمِ شأنِ الصيامِ عند الله حَتَّى إنَّ الشيء المكروهَ المُسْتخْبَثَ عند الناس يَكونُ محبوباً عندَ الله وطيباً لكونِهِ نَشَأ عن طاعَتِهِ بالصيام.
الوجه الخامس: أن للصائِمِ فرْحَتينْ: فَرحَةً عند فِطْرِهِ، وفَرحةً عنْد لِقاءِ ربِّه. أمَّا فَرحُهُ عند فِطْرهِ فيَفرَحُ بِمَا أنعمَ الله عليه مِنَ القيام بعبادِة الصِّيام الَّذِي هُو من أفضلِ الأعمالِ الصالِحة، وكم أناسٍ حُرِمُوْهُ فلم يَصُوموا. ويَفْرَحُ بما أباحَ الله له مِنَ الطَّعامِ والشَّرَابِ والنِّكَاحِ الَّذِي كان مُحَرَّماً عليه حال الصوم. وأمَّا فَرَحهُ عنْدَ لِقَاءِ ربِّه فَيَفْرَحُ بِصَوْمِهِ حين يَجِدُ جَزاءَه عند الله تعالى مُوفَّراً كاملاً في وقتٍ هو أحوجُ ما يكون إِلَيْهِ حينَ يُقالُ: "أينَ الصائمون ليَدْخلوا الجنَّةَ من بابِ الرَّيَّانِ الَّذِي لاَ يَدْخله أحدٌ غيرُهُمْ". وفي هذا الحديث إرشادٌ للصَّائِمِ إذا سَابَّهُ أحدٌ أو قَاتله أن لا يُقابِلهُ بالمثْلِ لِئَلا يزدادَ السِّبابُ والقِتَالُ، وأن لا يَضْعُف أمامه بالسكوت بل يخبره بأنه صائم، إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراماً للصوم لا عجزاً عن الأخذ بالثأر وحيئنذٍ ينقطع السباب والقتال: {ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ } [فصلت: 34، 35].
ومِنْ فَضائِل الصَّومِ أنَّه يَشْفَع لصاحبه يومَ القيامة. فعَنْ عبدالله بن عَمْرو رضي الله عنهما أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلّم قال: "الصِّيامُ والْقُرآنُ يَشْفَعَان للْعبدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصيامُ: أي ربِّ مَنَعْتُه الطعامَ والشَّهْوَة فشفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ منعتُه النوم بالليلِ فشَفِّعْنِي فيهِ، قَالَ فَيشْفَعَانِ"، رَوَاهُ أَحْمَدُ.
إخْوانِي: فضائلُ الصوم لا تدركُ حَتَّى يَقُومَ الصائم بآدابه. فاجتهدوا في إتقانِ صيامِكم وحفظِ حدوده، وتوبوا إلى ربكم من تقصيركم في ذلك.
اللَّهُمَّ احفظْ صيامَنا واجعلْه شافعاً لَنَا، واغِفْر لَنَا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلَّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
( من كتاب مجالس شهر رمضان، لفضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين – رحمه الله- )


ثانياً: سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ:
إنَّ المسلم حينَما يتأمَّل الصيامَ وفوائدَه ليعلَم حقًّا أنّه من أقوى الأسبابِ المحقِّقة للتقوى في قلب المؤمِن. التقوَى حقيقتُها امتثال أوامرِ الله على بصيرة من أمرِه واجتنابُ نواهي الله على علمٍ وبصيرة، يمتثِل الأوامرَ يرجو بها ثوابَ الله، وينتهي عن النواهِي يخاف [بفِعلِها] من عقابِ الله.

الصائِمُ حينما يمتنِع عن الطعام والماءِ ومواقعةِ النساء منذ طلوع الفجرِ الثاني إلى غروبِ الشمس ما الذي دعاه لهذا الانقياد؟! ما الذي فرضَ عليه هذا؟! أَحميَةً التَزمَها أم مجرَّد عادةٍ فعلها؟! لا، إنما كان امتناعُه عن ملذّات النفس وما تدعو إليه النفسُ وما تميل إليه النفس بطَبعِها من ماءٍ وطعامٍ ونِساء إنما ترَك ذلك لأجلِ الله، إنما امتَنع عنها في نهارِ الصّيام تقرُّبًا إلى اللهِ، إنَّ الذي دعاه خوفُه من الله وخوفُه من المقام بين يدَيِ الله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)، [الرحمن:46].
الصّائِم قد يظهَر للناس أنه صائم وهو في داخِلِ منزله آكلٌ شاربٌ آتٍ للنّساء، وأمَامَ الناس إنّه الصائم المتعبِّد، قد يكون هذا، لكن المؤمِن حقًّا بعكس هذا، حينَما تدعوه النفسُ إلى ما تميلُ إليه من طعامٍ وشرابٍ ونساء يترُكها لما قام بقلبِه من اليقين الجازِمِ أنَّ الله مطَّلِعٌ عليه وعالِم بسرِّه وعلانِيتِه: ( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)، [آل عمران:29]. إذًا ففي الصّيام تقويةٌ لجانب الإخلاص، وفي الصيام تقويَة لصِدقِ التعامل مع الله، وفي الصّيام إظهارُ الخضوع والذلِّ لله جلّ وعلا.
إنّ الصائم والماءُ والشراب والمُتَع بين يديه، ينظر إليها بعَينَيه، وبإمكانِهِ تَناوُلُ ما شاء منها، إذًا فيدعوه عندما يؤلمه الجوعُ والظّمأ إلى شُكر الله على النّعمة التي هي عندَه وما ترَكَها إلاّ طاعةً لله، فيتصوَّر عظيمَ نِعَم الله عليه: ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)، [إبراهيم:34]، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ [النحل:53]. والنّعَم إنَّما يعرف قدرَها من فقَدَها، وهذا ليس فاقدًا لها، هي متواجِدة عنده لكنّه تركها لله، فيشكُر اللهَ ويزداد شكرًا لله وثَناء عليه.
إنّها تذكِّره بحال المعوِزِين والمحتاجين وبحال من تمرُّ الليالي والأيام والشهور وهم في بأساء وضرّاء وفاقةٍ وفَقر وعريّ، فيدعوه إلى رِقّة قلبِه ولين يدِه، فيمدّ يدَ الإحسان إلى الفقراءِ والمساكين والمعوِزين.
إنّه يربِّي في النفس قوّةَ الإرادة وتحمّل المشاقِّ والصبر على المتاعِبِ حينما يمتدُّ طولُ النهار وهو صائم لله جلّ وعلا، يعلِّمُه الصبرَ الحقيقيّ؛ الصبرَ على طاعةِ الله وعَدَم الملَل والضجَر، يعلِّمه الانضِباطَ في المواعيد، يعلِّمه قوّةَ الإرادةِ والتغلُّب على الهوَى وملذّاتِ النّفس.
إنّه صِحّةٌ للبدن، ينقِّيه من فضلات الطعامِ والشراب، ويهيِّئُه للمستقبل لحياةٍ طيبة.
إنّه دواءٌ للعبد، دواء لأمراضِ القلوبِ، عندَما يصوم المؤمِن رمضانَ فرمضانُ يكفِّر ما مضَى من الذّنوبِ، فيعِدّه لرمضانَ آخر وهو لا يزال في طُهرَة رَمضانَ ونقاءِ رمضان، ((الصلوات الخمس والجُمُعة إلى الجمعةِ ورَمضان إلى رمضانَ مكفِّراتٌ ما بينهنَ إذا اجتنبت الكبائر)).
يَصوم رمضانَ بإيمانٍ واحتساب تَصديقًا لإخبار الصادقِ المصدوقِ : ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه))، إيمانًا بوجوبِه واحتسابَ الثوابِ وطلبه من ربِّ العالمين.
إّنه الصيامُ الذي يهذِّب السلوكَ، يهذِّب سلوكَ العبد، ويروِّضه على الخير، يهذِّب أقواله وأعمالَه، فهو يدعوه إلى الحِلم والأناءةِ والصفحِ والإعراضِ عنِ الجاهلين وعَدمِ مجاراةِ السفهاء في سَفَههم، يقول : ((فإذا كان [يوم] صومُ أحدِكم فلا يرفُث ولا يسخَب، وإن سابَّه أحدٌ أو شاتمه فليقُل: إنِّي امرؤٌ صائم، إني امرؤٌ صائم)).
أيّها المسلِم: أبوابُ الجنّة الثمانية تفتَّح لك في هذا الشهرِ لأهل الإسلامِ لقوّةِ الطاعةِ وكَثرتها ونُدور الإجرامِ من أهل الإيمانِ، وتُغلق فيه أبوابُ النار، وينادِي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبِل، ويا باغيَ الشرّ أقصِر، وللهِ عتقاءُ من النار في كلِّ ليلةٍ.
أيّها المسلم: شهرٌ عظيم من أشهرِ الله، هو سيِّد الشهور عند الله، يقول يومًا لأصحابِه: ((أتاكم رمضانُ شهرُ بركةٍ، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمةَ، ويحطّ الخطيئةَ، ويستجيب الدعاءَ، ينظر الله إلى تَنافسِكم فيه، فيباهِي بكم ملائكتَه، فأروا الله من أنفسِكم خيرًا، فإنّ المحرومَ فيه من حرِم فضلَ الله)).
أيّها المسلِم: احفَظ حدودَ هذا الشهرِ، والتزِمِ الأدبَ الشرعيّ فيه؛ ليكونَ الصيام بتوفيقٍ مِن الله صِيامًا كامِلاً، في الحديث: ((من صامَ رمضانَ وعرَف حدودَه وتحصَّن ممّا ينبغي أن يُتَحصَّن منه كفَّر ما قبله)) .
إنَّ الله يكتب نوافلَ هذا الشهرِ قبل أن يدخِلَه، ويكتبُ وزرَه وشقاءه قبل أن يدخِلَه، كما قال ذلك محمّد حيث يقول: ((أتاكم رَمضانُ، ما مرَّ بالمسلمين شهرٌ هو خير لهم منه بِمحلوفِ رسول الله ، ولا مرَّ بالمنافقين شهرٌ هو شرّ لهم منه بمحلوفِ رسول الله ، إنَّ الله يكتُب أجرَه ونوافلَه قبل أن يدخلَه، ويكتب شقاءَه ووزرَه قبل أن يدخِلَه، وذلك أنَّ المؤمنَ يعِدّ فيه القوَّةَ للعبادَة، ويعدّ فيه الفاجر تَتُبّع غفلاتِ المسلمين وعوراتهم، فهو غنمٌ للمؤمن يغتَنِمه الفاجر)) .
كان نبيُّكم يبشِّر أصحابَه بهذا الشهرِ، ويعُدّ لهم خصالَ الخير فيه تَرغيبًا لهم في الفضلِ وشحذًا لهِمَمِهم لكَي يزدادوا خيرًا، يُروَى عن سلمانَ الفارسيّ عن رسول الله مرفوعًا قال: خَطَبنا نبيُّنا في آخرِ يومٍ من شعبانَ ثمّ قال: ((قد أَظلَّكم شهرٌ عظيم مبارَك، شَهر جعَل الله صيامَه فريضةً وقيامَ ليلِه تطوّعًا، من تقرَّب فيه بخصلةٍ مِن خِصال الخير كانَ كمَن أدّى فيهِ فريضةً، ومَن أدّى فيهِ فَريضةً كان كَمَن أدّى سَبعين فرِيضةً فيما سِواه، وهو شَهرُ الصبر والصّبرُ ثوابُه الجنّة، وشَهر المواساةِ وشَهرٌ يزادُ في رزق المؤمنِ فيه، شَهرٌ أوّلُه رَحمة، وأَوسطه مغفِرَة، وآخِرُه عِتقٌ مِنَ النار، مَن فطَّر فيه صَائمًا كان مَغفِرةً لذنوبه وعِتقَ رقَبتِه منَ النار، وكان له مِن الأجرِ مثلُ أجرِ الصائم من غيرِ أن ينقُص من أجرِ الصائم شيءٌ، ومَن خفَّف فيه عن مملوكِه أعتقَه الله من النّار، من سقَى فيه صائِمًا شربةَ ماءٍ سَقاه الله مِن حوضي شربةً لا يظمَأ بعدها حتى يدخُلَ الجنّة، فاستكثِروا فيه مِن أربعِ خِصالٍ، خصلتَين تُرضون بهما ربَّكم، وخَصلتَين لا غِناءَ بكم عنهما، فأمّا اللّتان ترضونَ بهما ربَّكم فشهادةُ أن لا إلهَ إلا الله وتستغفرونَه، وأمّا الخصلَتان اللتان لا غِناءَ بكم عنهما فتَسألونَ الله الجنّةَ وتستعيذون به منَ النّار)) .
هَذا شهرُ رَمضَان، شَهر الصيامِ والقيامِ، شَهر تكفَّر فيه الذنوب والخطايا، وشهرٌ تجَاب فيه الدعواتُ، وشهر ينَال فيه المسلمون عظيمَ الخيراتِ.
يا أخي المسلِم: احمَد الله وأنت في عِداد الأحياء صَحيحًا مسلِمًا قادرًا على الصّيام، وتذكَّر حالَ من فقَدتَهم في مثلِ هذه الأيّام، تذكَّر من غيَّب الثرى أجسادَهم، تذكَّر أناسًا صَحِبتهم ثم فارَقوكَ، فاحمدِ الله على هذهِ النّعمة وتقرَّب إلى الله بالعَمَل الصالح. فرصةٌ للتائبين والنادمين، فرصةٌ للمخطئِين والمذنِبِين؛ أن يتوبوا إلى رَبهم في هذه الأيام والليالِي المباركةِ، فرصةٌ للمفرِّطين في أعمالهم أن يتدارَكوا نقصَهم، ويستعِينوا بالله على طاعَتِه، ويتوبوا إلى ربِّهم توبةً نصوحًا يَمحو الله بها ما مضَى من الذنوب، ويوفِّقهم فيها لعملٍ صالح يرضَاه عنهم.
يا أخِي: استبشِر بهذا الشهرِ، وافرَح به، واحمدِ الله على نِعمتِه، واعلم أنّ الله أحكَمُ منك وأرحَم، ما ابتَلاكَ لأجل أن تتركَ الطّعام والشّرابَ، ولكن ابتلاك لأن يَكونَ تركُك لهذه الملذّات سببًا لقوّةِ نفسك، لقوّةِ إيمانِك وإرادتك، لثباتِك على الحقِّ واستقامتك عليه.
أسأل الله الذي لا إلهَ غيره إِذ قرَّبنا مِن أيّامه أن يبلِّغَنا صيامه وقيامَه، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، وأن يجعلَنا وإياكم فيه من الفائزِين برضوانه الناجين من عذابه المستغفِرين من الزلَل والخطَأ، إنّه على كل شيء قدير.
أقول قولي هَذا، وأستَغفِر الله العَظيم الجليلَ لي ولَكم ولسائرِ المسلمين مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه وتوبُوا إليه، إنّه هو الغَفور الرّحيم.
( من خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ بعنوان: " انه الصيام " )



رابعاً: معالي فضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان :
أيها المسلمون: نذكركم بفضيلة هذا الشهر المبارك ونسأل الله أن يوفقنا لاغتنام أوقاته بالعمل الصالح وأن يتقبل منا، ويغفر لنا خطايانا إنه سميع مجيب.
فقد روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك" [أخرجه البخاري رقم 1894، 1904 ومسلم رقم 1151]، فهذا الحديث الشريف يدل على جملة فضائل ومزايا للصيام من بين سائر الأعمال منها:
أن مضاعفته تختلف عن مضاعفة الأعمال الأخرى، فمضاعفة الصيام لا تنحصر بعدد، بينما الأعمال الأخرى تضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
ومنها أن الإخلاص في الصيام أكثر منه في غيره من الأعمال لقوله: "ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".
ومنها أن الله اختص الصيام لنفسه من بين سائر الأعمال، وهو الذي يتولى جزاء الصائم لقوله: "الصوم لي وأنا أجزي به".
ومنها: حصول الفرح للصائم في الدنيا والآخرة، فرح عند فطره بما أباح الله له، وفرح الآخرة بما أعد الله له من الثواب العظيم، وهذا من الفرح المحمود لأنه فرح بطاعة الله كما قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، [يونس 85].
ومنها: ما يتركه الصيام من آثار محبوبة عند الله وهي تغير رائحة فم الصائم بسبب الصيام، وهي آثار نشأت عن الطاعة فصارت محبوبة عند الله تعالى "ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
ومن فضائل الصيام: أن الله اختص الصائمين بباب من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم إكراما لهم كما في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" [أخرجه البخاري 1896 ومسلم 1152].
ومن فضائل الصيام: أنه يقي صاحبه مما يؤذيه من الآثام ويحميه من الشهوات الضارة، ومن عذاب النار، كما ورد في الأحاديث أن الصيام جُنَّة ـ بضم الجيم والنون المشددة المفتوحة ـ أي ستر حصين من هذه الأخطار.
ومن فضائل الصيام: أن دعاء الصائم مستجاب فقد أخرج ابن ماجة والحاكم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد" [أخرجه ابن ماجة رقم 1753 والحاكم في المستدرك 1/422]، وقد قال الله تعالى في أثناء آيات الصيام: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، [البقرة 186] ليرغب الصائم بكثرة الدعاء.
ومن فضائله: أنه يجعل كل أعمال الصائم عبادة كما روى أبو داود الطيالسي والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا: "صمت الصائم تسبيح ونومه عبادة ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف" [أخرجه الديلمي في مسند الفردوس 3576 والهندي في كنز العمال وعزاه إلى أبي زكريا بن منده في أماليه رقم 23602].
ومن فضائل الصيام: أنه جزء من الصبر، فقد أخرج الترمذي وابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام نصف الصبر" [أخرجه أحمد 4/ 260، والبهقي في شعب الايمان 7 / 177 رقم 3297، وابن ماجة رقم 1745] وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب.
ومن فضائل الصوم وفوائده الطبية أنه يسبب صحة البدن كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا" رواه السني وأبو نعيم [ذكره الهندي في كنز العمال رقم 32605 وعزاه إلى ابن السني وأبي نعيم وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء 3 / 75، رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب النبوي من خديث أبي هريرة بسند ضعيف، وقال الصاغاني موضوع]، وذلك لأن الصوم يحفظ الأعضاء الظاهرة والباطنة، ويحمي من تخليط المطاعم الجالب للأمراض، هذا وللصيام فوائد كثيرة لا يمكننا استيفاؤها، ولكن الغرض التنبيه على بعضها، وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
شعبان مجاورعلي المحامي
شعبان مجاورعلي المحامي
المدير العام

عدد المساهمات : 1408
تاريخ التسجيل : 05/05/2011
الموقع : مصر

https://shabanavocat.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى