المسؤولية المهنية للطبيب

ما هي المسؤولية المهنية للطبيب......مرغريت بونجه

مسؤولية الطبيب المهنية : هل هي مسؤولية مدنية أم مسؤولية جزائية ؟ لقد حددت النصوص القانونية والاجتهادات القضائية المتواترة والمستقرة مسؤولية الطبيب بشكل واضح وصريح .

فهي مسؤولية مدنية غالباً ، وتكون جزائية أحياناً أخرى .‏
وتخضع مسؤولية الطبيب المهنية للقواعد العامة ، التي تتطلب منه بذل العناية الطبية الفنية التي تقتضيها أصول مهنته ، ولاتتطلب منه إلا أن يسلك السلوك المهني المألوف من شخص من أوسط الأطباء علماً وكفاءة ويقظة ، وإن ا لانحراف عن هذا السلوك يعتبر خطأ مهنياً يعرض الطبيب للمسؤولية والتعويض .‏
فالالتزام بعمل ، ينقسم إلى قسمين :‏
ـ الالتزام بنتيجة ـ والالتزام بوسيلة‏
فالالتزام بنتيجة هو الالتزام بتحقيق نتيجة معينة ، بصرف النظر عن الوسائل التي تؤدي إلى هذه النتيجة وإنه لاعلاقة لعمل الطبيب بهذا النوع من الالتزام .‏
أما الالتزام بوسيلة ، فلا ينصرف إلى تحقيق نتيجة معينة وإنما يقتصر على بذل الجهد فقط ، كمهنة الطبيب والمحامي .‏
فالتزام الطبيب بعمله يعني الالتزام ببذل عناية .‏
إذ أن المطلوب من الطبيب أن يبذل درجة معينة من العناية بالمريض والجهد في سبيل الوصول إلى شفائه ، ويسأل الطبيب فقط عن تقصيره في بذل هذا الجهد ، دون أن يضمن شفاء المريض .‏ وإن المادة /212/ من القانون المدني هي أساس المسؤولية التقصيرية الناتجة عن تقصير الطبيب وإهماله ، وعدم عنايته العناية المطلوبة ، وعدم سعيه جاهداً للوصول إلى النتيجة التي يتطلبها المريض ألا وهي الشفاء .‏
وإن توخي الحيطة والحذر ومراعاة القواعد والأصول المهنية المعروفة والمألوفة في مهنة الطب ، هو المطلوب من الطبيب ولو لم يؤد ذلك إلى النتيجة المنشودة من المريض .‏
ما لم يتبين أن الطبيب قد أخطأ ، ولكن ما هو الخطأ هنا ؟‏
الخطأ ، كما عرفه الفقهاء : هو الاعتلال في السلوك والتقصير ببذل العناية اللازمة بصورة تؤدي الى الاضرار بالغير وإن المسؤولية عن الأعمال الشخصية هي مسؤولية تقوم على خطأ واجب الإثبات ولا تقوم على الخطأ المفترض .‏
وأن يكون الضرر ناتجاً عن خطأ الطبيب وتقصيره ، كعدم إجراء التحاليل الم خبرية المعروفة قبل أي عملية مثلاً ، أو عدم قياس ضغط الدم ، أو زيادة جرعة المخدر ، أو عدم تعقيم الأدوات الطبية تعقيماً جيداً مما يؤدي إلى الالتهاب في الجرح ، أو استئصال عضو سليم في جسم المريض نتيجة تشخيص خاطئ وعدم إجراء الفحوصات اللازمة والضرورية .. الخ .‏
ويمكن للمحكمة أن تتحقق من نشوء الخطأ الطبي أو التقصير والاهمال في العناية والنزول عن عناية الشخص العادي وكما تقتضي أصول مهنة الطب بإجراء الخبرة الطبية فالخبرة هي وحدها التي تستطيع أن تحدد مسؤولية الطبيب المهنية ، ولابد من إجراء الخبرة الطبية بواسطة أطباء مختصين .‏
ولايمكن للمحكمة بدون اللجوء إلى الخبرة الطبية أن تحدد خطأ الطبيب أو انتفائه أو تحدد مسؤوليته أو انتفاءها لأن الأمر يستلزم معرفة طبية ، والخبرة الفنية الطبية هي التي تحدد فيما لو كان الضرر المشكو منه ناتجاً عن تقصير الطبيب أو خطئه ، وقد يكون الخطأ جسيماً ، ويسبب ضرراً كبيراً فيجب أن يتناسب عندها التعويض مع جسامه الخطأ وفداحة الضرر .‏
ويعود تقدير التعويض لمحكمة الموضوع وحدها ، وإن تقرير حدوث الضرر عن الفعل أو الترك المعزو للطبيب مسألة موضوعة يستقل باستخلاصها قضاة الموضوع ولاتخضع لرقابة محكمة النقض مادام الاستخلاص سائغاً .‏
فإذا توافرت رابطة السببية بين الفعل الضار والنتيجة ، تتحقق المسؤولية ، ولايغير من ذلك أن يكون المتضرر مريضاً من قبل وأن يساهم مرضه في النتيجة .‏
أما كيف يتم التفريق بين المسؤولية الجزائية والمدنية ...؟‏
إن أساس وأركان المسؤولية المدنية تختلف عن أساس وأركان المسؤولية الجزائية إذ أن النية التي هي ركن من أركان المسؤولية الجزائية لاتشترط في المسؤولية المدنية ، فأغلب الأحيان يكون الخطأ المدني إهمالاً دون عمد ... وسواء أكان العمل غير المشروع عمداً أم غير متعمد ، فالضرر الذي يسببه يجب أن يعوض عنه كاملاً دون تفريق بين الحالتين‏
وإن قرار ق اضي التحقيق بمنع محاكمة الطبيب والذي ينفي مسؤوليته الجزائية لايمنع القاضي المدني من اعتبار هذا الفعل تقصيراً يوجب المسؤولية المدنية والتعويض بمجرد أن يثبت لديه وقوع الخطأ من الطبيب .‏
إذ أن المسؤولية المدنية للطبيب أوسع نطاقاً من المسؤولية الجزائية ، لأن صدور قرار بانتفاء المسؤولية الجزائية لايتعدى في حجيته انتفاء إيقاع العقوبة .‏
أما إذا كان العمل غير المقصود الذي أدى إلى الضرر لم ينشأ عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة الشرائع والقوانين والأنظمة المهنية ،وكان الطبيب قد تصرف تصرف إنسان عادي ، ثم نشأ عن ذلك ضرر للمريض معاقب عليه ، فإنه يكون من قبيل الخطأ الذي لامسؤولية عليه .. وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة النقض السورية الجليلة .‏
أما مدة تقادم المسؤولية المدنية للطبيب فتكون بمرور ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسؤول عنه وفق أحكام المادة 173 من القانون المدني .‏
أما تقادم المسؤولية الجزائية فيخضع للتقادم الجنحوي إذ يتقادم الفعل بمرور ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الفعل .

فتح الله عليك استاذنا
وفقك الله