منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بحــــث في الزواج العرفي قانوناً

اذهب الى الأسفل

بحــــث   في الزواج العرفي قانوناً Empty بحــــث في الزواج العرفي قانوناً

مُساهمة من طرف عطيه عبدالله المحامى الثلاثاء 12 يوليو 2011, 10:41 pm

بحــــث في الزواج العرفي قانوناً
الجزء الأول
الحمد لله رب العالمين .. به سبحانه تعالى على ما أراده منا نستعين ... جعل الرجل و المرأة في زواج مقترنين ... و جعل بينهما مودةً ورحمةً آمنين.. فكان ذلك آيةً في خلقه و في كتابه المبين .. حيث يقول لخلقه أجمعين : " وَ مِنْ آيَاتِه أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة إنَّ فِي ذَلِك لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ " آية رقم 21 سورة الروم . و الصلاة الكاملة و السلام التام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .. نصح الأمة و بلغ الأمانة حتى أتاه اليقين .. و كان من نصائحه و أوامره أن تزوجوا معشر الشباب و اظفروا بذات الدين .. و كان هو الأسوة الحسنة و المثل الحي في معاشرته لزوجاته أمهات المؤمنين .. فكان الزواج بذلك نعمة و أماناً لمن عرفه و قدره حق قدره من المتزوجين .. و لم يكن يوماً مجرد كلمات هيام و حب و أقسم على ذلك باليمين .... لكنه اليوم صار محلاً للشكوى و الأنين .. من الكثيرين متزوجين وغير متزوجين .. و أنا على ذلكم من الشاهدين................ أما بعد....



فوسط بحر لجي من ظلمات السلوكيات و الأخلاقيات في مجتمعنا , و ضعف الإيمان في قلوب الناس و ذبول الضمير.. و انتشار الفساد.. كان لزاماً أن ينتج عن ذلك موجات من عواقب السوء.. جزاءً وفاقاً .. فكان أن طفى على السطح ما يسمى بالزواج العرفي .. حيث أُلْبِسَ الحقُ ثوبَ الباطل .. فالزواج العرفي في حقيقته الأصيلة زواج مستوفي لأركان و شروط الزواج الشرعي , غير أنه لم يسجل أو يوثق لدي الموظف المختص بإبرام عقود الزواج، فهو بذلك حق ، و لجأ إليه البعض بوصفه هذا لأسباب لا تخل بصحته ، و بحسن نية ، فكانت علاقاتهم شرعية صحيحة .. غير أن خراب الذمم .. و ضياع القيم .. أسفر عن نفوس مريضة و خبيثة اقتلعت من الزواج العرفي مضمونه الحق .. واتخذت من اسمه ستاراً لتبث من خلاله أغراضها الجنسية الأثيمة فقط.. و تحقيق مصالح خاصة غير مشروعة .. و بغير نية حقيقية في الزواج .. و كان أمراً مقضياً أن يلازم هذه الأغراض اخفاؤه عن الأعين و الآذان .. فوُجِد زواج بغيرشهود و بغير إعلان و لا علم به إلا لطرفيه فقط .. و وُجِد زواج آخر بشهود و لكن تم استكتامهم .. و هكذا........ فكانت آثار كل ذلك ضارة بأطرافه و بالمجتمع .. بل و بثمرة هذه العلاقات و هم الأولاد ... الأمر الذي لم يجد معه المشرع الوضعي مناصاً من التدخل التشريعي للتصدي للزواج العرفي – حلاله و حرامه – منعاً لمضاره و مفاسده .



و نظراً لخطورة موضوع الزواج العرفي على الأسرة و المجتمع ، و انتشاره في الآونة الأخيرة ، و تكاثر الندوات والمؤتمرات في محاولة لمناقشته وإيجاد حلول له ، لكل ذلك آثرت أن أتناول هذا الموضوع ، و قد كانت النية متجهة إلى إخراج البحث في صورة كتاب يطرح في الوسط القانوني خاصة و الثقافي عامة ، غير أن ظروفاً قد حالت دون ذلك ، و لكني مازلت على يقين أنه وقتاً ما سيكون له من النشر نصيب بمشيئة الله تعالى ، و قد قادني الفكر إلى بثه على شبكة الانترنت ، في عدة أجزاء تباعاً ، مقتصراً على المسائل القانونية لعدم اتساع المقام ، حيث ارتأيت عدم نشر الجزء الخاص بحكم الزواج العرفي و آثاره شرعاً ، اللهم إلا إذا إقتضى الحال بيان شئ من ذلك ، فأقدمت على ذلك ، مختلعاً من قوتي و حيلتي ... ملتجئاً إلى من لا حو ل و لا قوة إلا به .. راجياً منه سبحانه و تعالى الهداية و التوفيق .. و أن يلقى هذا البحث قبولاً حسناً.. فعليه توكلت و إليه أنبت .. و هو حسبي و نعم الوكيل .



خطة البحث :

هذا ، و قد أتممت خطة البحث الراهن - في إطاره المختصر - على نحو ما يلي :

تمهيد : أتناول فيه تعريف الزواج لغة و اصطلاحاً و تشريعياً ، و توثيقه ، و الواقع الذي ألجأ المشرع إلى التدخل التشريعي ، و كذا أسباب اللجوء للزواج العرفي.

مبحث أول : أتناول فيه تحديد مدلول الزواج العرفي وما يتشابه به .

مبحث ثان : حكم الزواج العرفي وآثاره قانوناً ، و في نهاية المبحث مسائل يثيرها الزواج العرفي .

ثم أنهيت البحث ببعض الاقتراحات و الحلول من وجهة نظري المتواضعة لمشكلة الزواج العرفي ، ثم خاتمة لهذا البحث .



و ها أنا ذا أشرع في افتتاح مهد البحث مستعيناً بالله ربي ، إنه نعم المولى و نعم النصير.

تمهيـــــــــــــد

1- تعريف الزواج : لغة وا صطلاحاً و تشريعياً :



التعريف في اللغة : للزواج في اللغة العربية معان عدة متقاربة ، فهو يأتي بمعنى الإقتران ، و الإزدواج ، و الإرتباط و الإختلاط ، فهو اقتران أحد الشيئين بالآخر و ارتباطهما بعد أن كان كل منهما منفصلاً عن الآخر ، يقول العرب : زوج الشئ بالشئ أي قرنه به ، و يقال تزوجه النوم أي خالطه ، و في القرآن الكريم يقول الله تعالى في سورة الصافات آية رقم 22 : " احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوَاجَهُمْ " ، أي و قرنائهم الذين كانوا يزينون لهم الظلم ، و منه قوله تعالى في سورة الدخان آية رقم 54 : " وَ زَوَّجْنَاهُمْ بِحُوْرٍ عِيْن " ، أي و قرناهم بحور عين ، و قد اشتهر معنى الزواج في اللغة باقتران الرجل بالمرأة . ( يراجع مشكوراً في تعريف عقد الزواج : أ د / محمد كمال الدين إمام – الزواج في الفقه الإسلامي – طبعة 1998 – ص24 ، المستشار/ محمد عزمي البكري – موسوعة الفقه و القضاء في الأحوال الشخصية – الكتاب الأول – الطبعة الرابعة – ص 48 ).



و تجدر الإشارة إلى أن كلمة النكاح تستخدم بمعنى الزواج ، و لفظ النكاح يطلق على العقد و على الوطء ، و على الضم حسيياً كان أو معنوياً ، كضم الجسم إلى الجسم و القول إلى القول ، و قد ذهب الحنفية إلى أن النكاح حقيقة في الوطء و مجازاً في العقد، و ذهب الشافعية إلى العكس . ( شرح فتح القدير للكمال بن الهمام – الجزء الثالث – ص 184 ، المستشار/ عزمي البكري – المرجع السابق – ص 48 هامش رقم 4 ).



التعريف عند الفقهاء ( الإصطلاحي ) :

قيل في تعريف الزواج بمعناه الإصطلاحي أو الفقهي أنه : عقد يفيد قصداً ملك استمتاع الرجل بالمرأة التي لم يمنع من نكاحها مانع شرعي ، و حل استمتاع المرأة بالرجل ، و هذا التعريف كما قيل دقيق ، فملك الاستمتاع فيه للرجل ، لأنه لا يصح لأحد غيره الاستمتاع بالزوجة بعقد أو بغير عقد ما دام حكم العقد الأول باقياً، أما بالنسبة لاستمتاع المرأة فإنه يثبت لها الحل ، لا الإختصاص ، فقد تشاركها في زوجها زوجة أخرى أو أكثر. ( د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 25 ). و قد عرفه بعض الفقهاء تعريفاً شاملاً ، فيقول فضيلة الشيخ الإمام الراحل محمد أبو زهرة أنه : عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و المرأة ، و تعاونهما ، و يحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات . ( الإمام / محمد أبوزهرة – الأحوال الشخصية – قسم الزواج – ص 19 ).



التعريف التشريعي :

وردت في بعض التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية في الدول العربية تعريفات لعقد الزواج، فقد عرفته المادة الأولى من التشريع السوري بقولها : " الزواج عقد بين رجل و امرأة تحل له شرعاً، غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل " ، و قد نقل التشريع العراقي للأحوال الشخصية المادة بألفاظها ، و نصت المادة الثالثة من التشريع الليبي على أن : " الزواج ميثاق شرعي ، يقوم على أسس من المودة والرحمة و السكينة ، تحل به العلاقة بين رجل و امرأة ليس أحدهما محرماً على الآخر " ، و قريب من ذلك نص المادة الأولى من التشريع اليمني ، و نص المادة الرابعة من التشريع الجزائري .



أما مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية فقد نص في مادته الخامسة على أن : " الزواج ميثاق شرعي ، بين رجل و امرأة ، غايته انشاء أسرة مستقرة ، يرعاها الزوج، على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة و رحمة ".



و ميزة هذه التشريعات أنها استبعدت ما شاع بين الفقهاء المتأخرين من أن الزوجة محل للاستمتاع و الخوض في الحديث عن المتعة ، و أظهر التعريف ما للزواج من مقاصد سامية في بناء المجتمع الصالح ، و لكن يعيب هذه التعريفات أنها غفلت عن عنصر جوهري ، هو موضوع العقد و لم تعرض لآثاره الشرعية .



و قد آثر مشروع القانون المصري للأحوال الشخصية للمسلمين الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية عدم تعريف الزواج ، و قيل بأن المشرع قد أحسن صنعاً بذلك ، لأن التعريفات عمل فقهي ، و ليس من حسن الصياغة التشريعية أن تكون في داخل متن التشريع إلا عند الضرورة ، و في أضيق الحدود.

( يراجع في التعريف التشريعي : د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 26 و ما بعدها ).



2- أركان الزواج و شروطه : إحالة :

نكتفي في شأن أركان و شروط الزواج بالإحالة إلى كتب الفقه ، فقد ملئت بشرح و بيان لها ، و سيكون لنا بيان لبعضها أثناء تطوافنا ببعض أحكام الزواج العرفي وفقاً لما يستلزمه المقام .



3- التوثيق ليس من الشروط الشرعية لعقد الزواج :

يبين من أركان و شروط عقد الزواج أن توثيق الزواج أو تسجيله في ورقة أو وثيقة لم يكن ركناً من أركانه ، أو شرطاً من شروط انعقاده أو صحته أو نفاذه أو لزومه ، فقد كان الزواج ينعقد صحيحاً دون توقف على شئ من ذلك ، ما دامت شروط العقد قد توافرت ، و هو العقد الذي كان معهوداً عند المسلمين إلى عهد قريب نسبياً، و قد كان الضمير الإيماني كافياً عند الطرفين في الإعتراف به ، و في القيام بحقوقه الشرعية على الوجه الذي يقضي به الشرع ، و يتطلبه الإيمان ، و سوف يرد فيما بعد شرح و بيان لذلك . ( يراجع في أركان و شروط عقد الزواج : د/ محمد كمال إمام – المرجع السابق – ص 76 وما بعدها ، المستشار/ عزمي البكري – المرجع السابق – ص 55 وما بعدها ، المستشار/ حسين حسن منصور- المحيط في شرح مسائل الأحوال الشخصية – الزواج – ص 29 و ما بعدها ).



4- خطورة الواقع و تدخل المشرع :

لاحظ أولياء الأمر في العصر الماضي استغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة لعدم تسجيل عقد الزواج أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، حيث لم تشترط الشريعة الإسلامية ذلك حسبما سلف البيان ، و ذلك بإدعائهم للزوجية – حيناً – زوراً و بهتاناً ، معتمدين في ذلك على سهولة إثباتها بشهادة الشهود الذين لا يخشون في الباطل لومة لائم ، أو إنكارهم لها – حيناً آخراً – تخلصاً وتهرباً من حقوقها ، أو لغير ذلك من الأسباب ، مع عجز الطرف الآخر عن إثباتها أمام القضاء ، فأراد المشرع المصري التصدي لهذا التلاعب و العبث بأقدار الناس ، و صيانة الرجل والمرأة و الذرية من العواقب الوخيمة لذلك ، فاضطر إلى التدخل تشريعياً تحقيقاً للمصلحة العامة ، فمنع سماع دعوى الزوجية عند الإنكارإذا لم تكن الزوجية ثابتة بوثيقة زواج رسمية ، ثم تدخل مرة أخرى بعد أن استشرت ظاهرة الزواج العرفي وفاحت سوآته ، و ذلك بموجب القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، مبقياً على مبدأ المنع ، و معدلاً للنص في بعض جوانبه على ما سيرد فيما بعد .



5- أسباب اللجوء للزواج العرفي :

تتعدد أسباب اللجوء للزواج العرفي ، الذي يلجأ إليه الصغار و الكبار، إلا أنه يصعب تحديدها تحديداً جامعاً ، إذا أن ذلك يحتاج إلى كثير من الأبحاث و الإحصاءات الدقيقة والمتنوعة لحالاته التي لا يمكن حصرها ، فضلاُ عن أن هذا الزواج غالباً ما يتم سراً ، و قد أجهد الباحثون أنفسهم في ذلك و تعددت بهم السبل ، ومع ذلك فيمكن رد هذه الأسباب إلى : أسباب إجتماعية ، مادية أو اقتصادية ، ثقافية و أخلاقية ، قانونية ، و دينية . و على ذلك سنتحدث عن كل نوع من هذه الأسباب بإيجاز على النحو التالي :



أولاً : أسباب اجتماعية : منها :

أ – المكانة و المركز الأدبي للزوج ، لا سيما إذا كان متزوجاً بأخرى ، و يريد التزوج بامرأة أقل منه في المستوى الإجتماعي أو المادي ، كزواج المحامي من سكرتيرته ، أو رئيس الشركة أو مديرها من السكرتارية ، و زواج صاحب البيت من الخادمة ، و غير ذلك كثير، فلا يجد مناصاً من اتخاذ الزواج العرفي سبيلاً لذلك خشية من القيل والقال ، و حفاظاً على مركزه ومكانته أمام الناس .



ب – عدم رغبة الرجل المتزوج عند الزواج بأخرى ، في ترك أو تطليق زوجته الأولى ، حفاظاً منه عليها وعلى أولاده ، و حتى يتمكن من رعايتهم ، فيلجأ للزواج العرفي تحقيقاً لذلك .



ج - سفر الآباء إلى الخارج ، و الإكتفاء ، في رقابة ورعاية أولادهم ، بإرسال الأموال لهم ، مما أدى إلى سوء استغلال الأولاد لهذه الأموال ، عن طريق استغلالها في الزواج العرفي ، دون أن يجدوا محذراً منه أو مربياً .



د - رفض الآباء زواج الأبناء ممن يختارونها أو العكس ، لانتفاء التناسب الطبقي بين الفتى والفتاة ، الأمر الذي لا يجد معه الإبن أو الإبنة بداً من تنفيذ رغبته هو أو رغبتها هي دون علم أسرته أوأسرتها عن طريق الزواج العرفي .



هـ - اندثار كثير من الرجال بمعنى الكلمة ، الذين يدركون معنى المسئولية و مستلزماتها ، و الصواب والخطأ ، ويحسنون صنعاً ، و يسعون في الأرض صلاحاً ، و إذا أردنا أن نعرف معناً من معاني الرجولة أو الرجال ، فالنقرأ قوله تعالى في سورة النور آية 36 و 37 : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهً أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصَال . رِجَالٌ لَا تُلْهِيِهِم تِجَارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْر اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكاةِ ، يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُ فِيه الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ " ، و قوله تعالى في سورة الأحزاب آية 23 : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ِرجَالٌ صَدَقُوْا مَا عَاهَدُوْا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرْ ، وَ مَا بَدَّلُوْا تَبْدِيْلَا " ، و في التعبير القرآني في تلك الآيات إشارة واضحة إلى الفرق بين الرجولة و الذكورة ، ذلك الفرق الذي لا يدرك معناه و يتحقق به إلامن كان له قلب أو ألقى السمع و هوشهيد .



فأين هؤلاء الرجال بحق ممن يزعمون لأنفسهم الرجولة اليوم بدون وجه حق ، و هم في الحقيقة أشباه رجال ، إن أحسنا بهم الظن ، أولئك الذين ينتحلون الرجولة ، و الرجولة منهم براء ، أولئك الذين اتخذوا من الزواج العرفي موطئاً لقضاء رغبات طارئة ، و مصالح موهومة غير مشروعة ، ليذوقوا من خلاله برداً و شراباً ، و هم في الحقيقة يمهدون لأنفسهم في جنهم مهاداً و غساقاً .



ثانياً : أسباب ثقافية و أخلاقية : منها :

أ – الحصول على المتعة و لو بطريق غير شرعي ، إذ يحدث أن يعجز الرجل عن إقامة علاقة كاملة مع فتاة بشكل غير شرعي ، و هنا يوهمها بالزواج العرفي وصولاً لما يضمره في نفسه ، و ليس بنية حقيقية في الزواج منها .



ب – ابتزاز الفتاة للفتى ، للإستيلاء على أمواله ، فتتخذ من الزواج العرفي مطية لذلك ، لا سيما مع أبناء الأغنياء .

ج – تناقص دور الثقافة الإسلامية بين الشباب ، و هو أمر واضح في مناهج التعليم بمراحلها المختلفة ، و في وسائل الإعلام المتنوعة ، و الثقافة المتواجدة على الساحة – و المأذون فيها – ليست إلا طغيان للفكر الغربي اللا أخلاقي ، عن طريق وسائل الأعلام عندنا ، سواء في صورة مسلسلات و أفلام غربية فكراً و تقاليداً ، أو مصرية عربية اسماً في حين أنها منقولة في جوهرها عن الفكر الغربي ، فنجد العلاقات الجنسية المنحلة و التي أطلقوها من عقالها و من القيود منتشرة في وسائل الإعلام ، مما ساعد على الإعتقاد بأنها الأصل في علاقة الرجل بالمرأة ، و أنها بهذه الصورة ليست سوى الوضع الطبيعي ، الأمر الذي أشعل نار الشهوة الجنسية داخل الفتى و الفتاة ، و ترتب عليه بالتبعية تسرع الشباب في إشباع هذه الرغبة بهذا الزواج الخفي .



د – و من العوامل الهامة التي ساعدت على انتشار هذا الزواج ، و في ظل غياب أو تغييب الثقافة الإسلامية الموضح سلفاً ، الإختلاط المباح دون رقابة أو حدود و لفترات طويلة و لغير حاجة بين الشباب و الشابات ، لأن الطبيعة البشرية توجد نوعاً من التجاذب الطبيعي بين الذكر و الأنثى ، هذه الجاذبية غالباً ما تتطور وتصل إلى نشأة شعور عاطفي يتحول إلى إحساس جنسي ، و هذه هي فطرة الإنسان ، و في مرحلة الشباب تكون الأحاسيس الجنسية والعاطفية في ذروتها ، و في نفس الوقت تكون غير محصنة بالقيم الأخلاقية و الإجتماعية ، و بالتالي يحدث عدم السيطرة على النفس في حالة التربية الأسرية الخاطئة التي أباحت الحرية المطلقة لكثيرمن الأبناء ، و سمحت لهم بزيارة الأصدقاء و الذهاب في رحلات طويلة تقتضي المبيت خارج منزل الأسرة لأيام عديدة ، بما يؤدي ليس فقط لمثل هذا الزواج ، بل لعواقب وخيمة نلمسها جميعاً من خلال الواقع ، و صح القول عندي أن الأسرة – ذاتها - تمهد لهذا الزواج . إن الإثارة الجنسية الناتجة عن الإختلاط الشديد غير المنضبط في مجالات التعليم والعمل و خروج المرأة بصورة سافرة – على نحو ما نعاينه يومياً رضينا أم أبينا - تؤدي إلى إثارة الرجل و استفزاز غرائزه ، فينتج عنها هذه العلاقة التي تتخذ لها ستاراً يسمى الزواج العرفي ، ولم يعد خافياً على أحد أن إثارة الغرائز الجنسية امتد إلى صغار السن ممن لم يكن يدرون – وفقاُ للمجرى العادي للأمور – عن هذه الأمور شيئاً ، و هو نذير شر ، تزداد شرارته تباعاً . إن الله تعالى حدد لنا كيف تكون العلاقة بين الذكر و الأنثى ، حتى بين الأخوة و الأخوات ، و أمرنا أن نفرق بينهم في المضاجع ، و لكننا اتبعنا الشهوات وأضعنا الصلاة ، و تناسينا أوامر الله و حدوده حتى كدنا ننساها فعلاً ، إلا من عصمه الله ، فحق علينا ما نحن فيه من بلاء ، و لولا أن قيض الله لنا في كونه و خلقه أسباباً للذكرى , لعظمت البلوى .



هـ - الإحساس النفسي للرجل و المرأة على السواء تجاه علاقتهما غير السوية ، هذا الإحساس يزيد من الصراع الداخلي لديهما و الإحساس بعقدة الذنب و عدم مصداقية هذه العلاقة و أنها مرفوضة شكلاً و موضوعاً من المجتمع ، و تخفيفاً لذلك يحاولون إيجاد مهرب و مبرر ظاهري لتقنين هذه العلاقة في صورة الزواج العرفي .

ثالثاً : أسباب مادية و اقتصادية : و منها :

أ – أعباء الزواج المادية من توفير مسكن و تجهيزه و من مهر و شبكة وخلافه، و المبالغة فيها .

ب – قلة الأجور و انتشار البطالة و غلاء المعيشة لا تمكن الشباب من استكمال مقومات الزواج المادية ، فلا يجد ملجأ له إلا الزواج العرفي ، حيث يكفيه الخلوة في مسكن أحد أصدقائه أو تأجير غرفة بسيطة في أي مكان .

ج – رغبة بعض الأسر في زواج بناتهم من أجانب استهدافاً و طلباً للمال، بتزويجهن عرفياً .

د – لجوء الزوجة التي توفي زوجها و لها منه ولد واحد لم يصل لسن التجنيد ، و ترغب في الزواج بعده إلى الزواج العرفي في محاولة منها لحصول ابنها على الإعفاء من الخدمة العسكرية لكونه العائل الوحيد لها ، و كذا في حالة رغبة الزوجة المتوفي عنها زوجها و تستحق عنه معاشاً إلى هذا الزواج للحفاظ على استمرار استحقاقها للمعاش .



رابعاً : أسباب قانونية : و منها :

أ – الحق الذي منحه القانون للزوجة في طلب الطلاق إذا تزوج عليها زوحها من أخرى و تضررت من ذلك الزواج الثاني ، و هو ما يجعل الزوج الراغب في الزواج ثانية مع تمسكه بزوجته الأولى و الحفاظ على أسرته مضطراً لأن يلجأ إلى الزواج العرفي إخفاءً للزيجة الثانية ، لاسيما و أن القانون يوجب إعلان و إخطار الزوجة الأولى بالزواج الثاني .

ب – ما منحه القانون للمطلقة الحاضنة من حق في الإستقلال بمسكن الزوجية هي و محضونها ، و نظراً للعجز الواضح عن توفيرالمسكن ، و هروباً من هذا الإلتزام إذا تحقق موجبه يلجأ الرجل إلى الزواج العرفي .

ج – إجازة تزويج المرأة البالغة العاقلة نفسها دون ولي ، عملاُ بمذهب الإمام أبي حنيفة ، مما يترتب عليه أن تتزوج الفتاة عرفياً دون رقيب و تحت تأثير الشاب و عواطفها و نزواتها ، و الناظر لحال كثيرمن فتيات اليوم و سلوكياتهن يدرك مدى خطورة منحهن هذا الحق .







خامسا : أسباب دينية :

هي أهم الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة ، و يمكن حصرها في قلة الوازع الديني و اندثار القيم و المبادئ القويمة، فضلاً عن السلوكيات الدخيلة التي ليست من الدين في شئ ، و رغم أهمية هذه الأسباب الدينية – و التي تؤكد عليها أحكام المحاكم و الأبحاث التي تجري – فالتهوين من شأنها قائم و تغييب الوازع الديني حائم ، و لا حول لنا و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .

( يراجع في تفصيلات هذه الأسباب و مزيد منها : مجلة منبر الإسلام – عدد شهر صفر سنة 1418 هـ ص 87 وما بعدها ، المستشار/ حسن حسن منصور – المرجع السابق – ص 185 وما بعدها ).











المبحث الأول

تحديد مدلول الزواج العرفي

1- معنى العرفي لغة و اصطلاحاً :

العرف لغة : كلمة العرفي المنسوب إليها الزواج العرفي من الفعل الثلاثي عرف بمعنى إدراك الشئ بإحدى الحواس ، عرفه يعرفه – بالكسر – معرفة و عرفاناً – بالكسر - ، و المعروف ضد المنكر، و العرف ضد النكر، يقال أولاه عرفاً أي معروفاً ، و هو ما تعارف عليه الناس في عاداتهم و معاملاتهم . ( مختار الصحاح لأبي بكر الرازي – طبعة 1920 – ص 426 ، المعجم الوجيز مجمع اللغة العربية – ص 415 ).



العرفي في الاصطلاح : العرفي في اصطلاح الفقهاء مأخوذ من العرف و هو ما تعارف جمهور الناس و ساروا عليه ، سواء كان قولاً أو فعلاً أو تركاً .( أ د/ الشيخ / محمد مصطفى شلبي – المدخل في التعريف بالفقه الاسلامي – ص 178 ).



و كلمة العرفي تقابلها في الاستعمال كلمة الرسمي ، و ذلك في نطاق القانون ، لا سيما قانون الإثبات ، حيث نجد عبارات : محرر أو عقد رسمي في مقابلة المحرر أو العقد العرفي . و المحرر الرسمي هو الذي يثبت فيه موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن ، و ذلك طبقاً للأوضاع القانونية و في حدود سلطته و اختصاصه .( المادة العاشرة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 )، والمحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً .( المادة الحادية عشرة من قانون الإثبات )، أما المحرر العرفي فهوعكس ذلك ، حيث يقوم بتحريره الأفراد فيما بينهم ، و الورقة أو المحرر العرفي - وفقاً للمادة 14 من قانون الإثبات و على ما جرى به قضاء محكمة النقض – يستمد حجيته من التوقيع عليه بالإمضاء أو بصمة الأصبع أو بصمة الختم ، و هو بهذه المثابة يعتبر حجة بما ورد فيه على من وقعه ، فإذا أنكر من احتج عليه بالورقة ذات الإمضاء أو الختم أو البصمة و كان إنكاره صريحاً زالت عن الورقة قوتها في الإثبات و تعين على المتمسك بها أن يقيم الدليل على صحتها باتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادة (30 ) من قانون الإثبات . ( الطعن رقم 2142 لسنة 58 ق – جلسة 24 / 11/1993 ).



و يمكن القول أن الإنكار كشرط لعدم سماع أو قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو فرع تطبيقي من أصل الإنكار الوارد في قانون الإثبات ، مع بعض الإختلافات لتعلقه بأمور الزواج و قيوده .







2- تعريف الزواج العرفي :

يجب قبل الخوض في حكم الزواج العرفي و آثاره ، سواء في الشرع أوالقانون ، أن نحدِّد و نعرِّف مدلول هذا الزواج ، حتى يتسنى ضبط أحكامه ، و لقد تلاحظ للباحث مدى مسارعة كثيرمن الناس و العوام ، بل و بعض المتخصصين ، إلى القول بعدم شرعية هذا الزواج و بطلانه ، انطلاقاً من نظرة محدودة و ضيقة لمفهومه ، و حدث الخلط في شأنه في لحظات العضب و الرفض له في كثيرمن الندوات و البرامج التي عنيت بمناقشته و بحثه ، سواء في التليفزيون أو غيره من وسائل الإعلام الأخرى ، ومن هنا كان لزاما ً علينا أن نعرج على تعريفه حتى يرفع هذا الخلاف .



من المعلوم أن الزواج ينعقد شرعاً بين طرفيه بإيجاب من أحدهما و قبول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و في مرحلة تالية لانعقاد الزواج صحيحاً تأتي مسألة إثبات الزواج بالطرق المقررة كشهادة الشهود أو الإقرار أو الكتابة ، و مرحلة الإثبات يمكن خلالها إسباغ صفة الرسمية على عقد الزواج أو عدم إسباغها ، فإذا تحرر الزواج في ورقة رسمية كان العقد رسمياً، أما إذا لم يحرر العقد في ورقة رسمية و حرر في ورقة عرفية كان العقد عرفياً، و هو ما أُطلق عليه الزواج العرفي ، مع ملاحظة أن الزواج العرفي كما يكون مكتوباً يمكن أن يكون غير مكتوب .



و ترتيباً على ذلك ، يمكن تعريف الزواج العرفي بأنه : " الزواج الذي استوفى شرائطه الشرعية ، غير أنه لم يوثق رسمياً أمام جهة رسمية نص القانون عليها ، ويستوي في ذلك أن يكون الزواج مكتوباً أو غير مكتوب أصلاً ". ( قريب من هذا المعنى : د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 218 ، أ/ كمال صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – 1997 – ص 14 ).



3- الزواج السّري و الزواج العرفي :

الزواج السري هو نوع قديم من الزواج افترضه الفقهاء ، و بينوا معناه ، و تكلموا في حكمه ، و قد أجمعوا على أن منه العقد الذي يتولاه الطرفان دون أن يحضره شهود، و دون أن يُعلن ، و دون أن يُكتب في وثيقة ، و يعيش الزواجان في ظله زواجاً مكتوماً ، لا يعرفه أحد من الناس سواهما، وقد يحضره الشهود و يؤخذ عليهم العهد بالكتمان ، و عدم إشاعته و الإخبار به ، و لكلٍ من هذين النوعين حكمه ، أما الزواج العرفي فهو كما سبق البيان ، الذي لا يكتب في وثيقة رسمية مع استيفائه للشروط الشرعية للزواج ، فهو ليس الزواج في السر ، غيرأنه قد تصحب الزواج العرفي توصية الشهود بالكتمان ، و بذلك يكون من زواج السر المشار إليه . ( الشيخ الإمام / محمود شلتوت – الفتاوى – ص 229 و ما بعدها ).





و يلاحظ أن الزواج العرفي المردد على ألسنة الناس و بعض المتخصصين في الوقت الحاضر ينتمي في حقيقته إلى الزواج السري ، و يتأكد ذلك إذا علمنا أن الزواج العرفي الواقع في المجتمع ينقسم إلى نوعين : الأول : عبارة عن ورقة مكتوبة بين الطرفين دون شهادة شهود ، الثاني : ورقة مكتوبة بشهادة صديقين مع توصيتهما بالكتمان ، ويفتقد إلى عنصر العلانية ، و لا شك في انتماء هذين النوعين إلى الزواج السري ، ، كما يحدث أن يتم الزواج دون حضور و لي المرأة ، و هذا غالب في الوقوع ، و سيرد فيما بعد حكم هذه الأنواع من الأنكحة . ( د/ عزة كريم – ندوة منشورة بمجلة منبر الإسلام – سابق الإشارة إليها – ص 87 و ما بعدها ).
عطيه عبدالله المحامى
عطيه عبدالله المحامى
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 31/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحــــث   في الزواج العرفي قانوناً Empty رد: بحــــث في الزواج العرفي قانوناً

مُساهمة من طرف عطيه عبدالله المحامى الثلاثاء 12 يوليو 2011, 10:46 pm

الجزء الثاني







المبحث الثاني

حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون

يثير حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون مسائل شتى و متنوعة ، و سيتناول هذا المبحث أحكام الزواج العرفي بالشرح و البيان من خلال النصوص القانونية التي عالج بها المشرع هذا الزواج ، و كذا آراء الفقه و أحكام القضاء ، و ذلك وفقاً لما يلي .



أولاً : الواقع الخطير و اضطرار المشرع إلى التدخل التشريعي :

كان الزواج قديماً ينعقد دون توقف على تسجيله أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، ما دام قد استكمل أركانه و شروطه المعتبرة شرعاً . و ظل الأمر كذلك بين المسلمين من مبدأ التشريع إلى أن رأى أولياء الأمر أن ميزان الإيمان في كثيرمن قلوب الناس قد خف ، و أن الضمير الإيماني في بعض الناس قد ذبل ، فَوُجِد من يدعي الزوجية زوراً، و يعتمد في إثباتها على شهادة شهود هم من جنس المدعي ، لا يتقون الله و لا يرعون الحق ، فما تشعر المرأة إلا و هي زوجة لمزور أراد إلباسها قهراً ثوب الزوجية ، و إخراجها من خدرها إلى بيته تحقيقاً لشهوته ، أو كيداً لها و لإسرتها ، كما وجد من أنكره تخلصاً من حقوق الزوجية ، أو التماساً للحرية في التزوج بمن يشاء، و يعجز الطرف الآخر عن إثباته أمام القضاء ، و بذلك لا تصل الزوجة إلى حقها في النفقة ، و لا يصل الزوج إلى حقه في الطاعة ، و قد يضيع نسب الأولاد ، و يلتصق بهم و بأمهم العار الأبدي فوق حرمانهم حقوقهم فيما تركه الوالدان .( الشيخ / محمود شلتوت – المرجع السابق – ص 231 ).



و قد اضْطُر المشرع الوضعي إلى التدخل التشريعي لمواجهة هذه الآثار الوخيمة حفاظاً على الأسرة و كيانها، و فصلاً للحياة الزوجية و الأعراض من هذا التلاعب ، و ذلك عن طريق وضع قيود وشروط قانونية . و قد قصد المشرع من وضع هذه القيود القانونية أن يحقق بعض الأغراض ذات الأثر الكبير في الحياة الإجتماعية للدولة و المجتمع ، هي :

1- حفظ حقوق الزوجين ، و حماية مصالحهما الناشئة عن الزواج ، بصيانة عقد الزواج الذي هو أساس رابطة الأسرة عن العبث و الضياع بالجحود و الإنكار، إذا ما عقد اثنان زواجهما بدون وثيقة رسمية ثم أنكرها أحدهما و عجز الآخر عن الإثبات ، فلو كان عقد زواجهما بوثيقة رسمية لم يكن هناك مجال لإنكاره.



2- منع ذوي الأغراض السيئة أن يرفعوا دعاوى الزوجية أمام القضاء زوراً و بهتاناً ، فقد أثبتت الحوادث الكثيرة السابقة على وضع هذه الشروط و القيود القانونية أن بعض ممن لا خلاق لهم كانوا يرفعون قضايا زوجية أمام المحاكم لا أساس لها من الصحة ، للنكاية و الكيد للمدعى عليه ، أو للتشهير به ، أو لغير ذلك من الأغراض السيئة ، اعتماداً على سهولة إثبات الزوجية بشهادة الشهود .( الشيخ / عمر عبد الله – أحكام الشريعة الإسلامية في الزواج – ص 105 ، 106 ، المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 ).



ثانياً : الأساس المبيح لتدخل المشرع :

جاء تدخل المشرع بوضع هذه الشروط القانونية مستنداً – حسبما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 – إلى ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من أن القضاء يُخَصَص بالزمان والمكان والحوادث و الأشخاص ، و أن لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى ، و أن يقيد السماع بما يراه من القيود و تبعاً لأحوال الزمان و حاجة الناس ، و صيانة للحقوق من العبث والضياع ، كما أنه قد درج الفقهاء من سالف العصور على ذلك ، و أقروا هذا المبدأ في أحكام كثيرة ، و اشتملت لائحتا سنة 1897 و سنة 1910 للمحاكم الشرعية على كثير من مواد التخصيص ، و خاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية و الطلاق و الإقرار بهما ، و ألف الناس هذه القيود و اطمأنوا إليها بعد ما تبين ما لها من عظيم الأثرفي صيانة حقوق الأسرة .



و قيل في تبرير مبدأ تخصيص القضاء بالزمان والمكان و الحوادث و الأشخاص ، أن من الأصول المقررة في الشريعة الإسلامية أن ولي الأمر العام و هو الحاكم في الدولة الإسلامية هو الذي يتولى مهمة القضاء بين الناس في المنازعات التي تثار بينهم ، و لكن على اتساع هذه الدولة و ترامي أطرافها أصبح من العسير عليه مباشرة هذه المهمة بنفسه ، فعهد الخلفاء الراشدون في الفصل بين الناس في الخصومات إلى أشخاص لهم الخبرة والدراية بهذه الأمور، و هكذا فعل من جاء بعد الخلفاء الراشدين ، و مع كثرة الخصومات و تنوعها تعذر على القاضي أن ينظر فيها جميعاً ، فأصبح من الواجب تعدد القضاة لمواجهة تعدد و تنوع القضايا ، و من هنا استقر مبدأ التخصيص المذكور في الفقه الإسلامي .( مستشار/ حسن منصور- المرجع السابق – ص 162 ).



ثالثاً : مراحل تدخل المشرع تشريعياً في توثيق عقد الزواج :

كانت الخطوة الأولى بشأن توثيق عقد الزواج هو ما جاء في لائحة سنة 1880 خاصاً بمأذوني عقود الأنكحة من اختيارهم و تعيينهم و واجباتهم، و لكن توثيق العقد نفسه بقي أمراً اختيارياً دون أن يترتب على عدمه أي أثر في صح العقد.



ثم جاء في لائحة سنة 1897 المادة 31 عدم سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها بعد وفاة أحد الزوجين إلا إذا كانت مؤيدة بمقتضى أوراق خالية من شبهة التصنع، و هذه المادة كما هو واضح اكتفت بوجود أي أوراق خالية من شبهة التصنع و إن لم تكن وثيقة زواج رسمية ، كما أنها لم تتعرض لحالة وجود الزوجين على قيد الحياة .



ثم جاءت لائحة سنة 1910 فتشددت أكثر من سابقتها، إذ جاء ضمن المادة 101 منها أن دعوى الزوجية أو الإقرار بها – بعد وفاة الزوجين أو أحدهما – من أحد الزوجين أو من غيره لا تسمع عند الإنكار في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلا إذا كانت الدعوى ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و توقيعه، و مع هذا فهي لم توجب التوثيق. ( يراجع في هذه المراحل – د/ محمد سلام مدكور – أحكام الأسرة في الإسلام – 1969 ص 113 ).



ثم جاءت اللائحة رقم 78 لسنة 1931 و راعى القانون فيها أن يكون المسوغ الكتابي ملائماً للتدرج التشريعي و منتظماً مع ما أدخل على اللائحة من تعديلات في أزمنة مختلفة من سنة 1880 إلى سنة1930 ، إذ كان كل تعديل يتضمن قيوداً جديدة تساير مقتضيات الأحوال الاجتماعية ، و تلائم الحوادث الواقعة ، و قد جاء المسوغ الكتابي لإثبات الزوجية في المادة 99 من اللائحة المذكورة على النحو التالي :



أ – لا تسمع دعوى الزوجية بعد وفاة أحد الزوجين عند إنكارها في الحوادث الواقعة من سنة 1897 إلى سنة 1911 ، سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره إلا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير تدل على صحتها ( الفقرة الأولى من المادة المذكورة ).



ب – و أما في دعاوى الزوجية في الحوادث السابقة على سنة 1897 فلا يشترط وجود المسوغ الكتابي لسماعها عند الإنكار، بل تسمع دعوى الزوجية في هذا الحالة بشهادة الشهود، إذا تحقق أمران ، أحدهما : أن تكون الدعوى مقامة من أحد الزوجين ، ثانيهما : أن تكون الزوجية المدعاة معروفة بالشهرة العامة .



ج – لا تسمع دعوى الزوجية عند إنكارها بعد وفاة أحد الزوجين في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلى آخر يوليو سنة 1931 إلا إذا كانت الزوجية ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و عليها إمضاؤه كذلك ، سواء أكانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .



د – لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمنية ، سواء كانت الدعوى في حياة الزوجين أو بعد وفاتهما أو بعد وفاة أحدهما ، و سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .( يراجع في هذه المراحل : الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق ص 102 و 103 ، د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق ص 217 ).







ثم صدر أخيراً القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، ناصاً في مادته الرابعة من مواد إصداره على إلغاء لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ، و معدلاً مرة أخرى في مسألة توثيق عقد الزواج ، حيث نصت المادة 17 منه على أنه :



( .... و لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931 – ما لم يكن الزواج ثابتاً يوثيقة رسمية ، و مع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ...).



و البين من هذه التعديلات التشريعية أن المشرع لم يزل يصر على إيجاد حلول لمشكلة الزواج العرفي ( غير الموثق ) في محاولة منه لتحجيم آثاره السيئة ، و على كل حال فسوف نبين فيما بعد أحكام هذه التعديلات ، و الاختلافات بين النص القديم و الجديد ، على أنه يلاحظ أن الصورة الأخيرة في التعديل الجديد المتعلقة بالفترة من أول أغسطس سنة 1931 هي المطلوبة الان لإثبات دعوى الزوجية و الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و ذلك نظراً لبعد العهد بالصور الأخرى لارتباطها بالحوادث التي وقعت منذ ما يزيد على قرن من الزمان ، و من النادر أن تكون هناك وقائع معروض أمرها على في ساحات القضاء بشأنها ، و لذا نكتفي بما ورد في النصوص السابقة عنها ، وبالتالي سيكون بيان حكم الزواج العرفي و آثاره من خلال النص الجديد باعتباره هو النص الحاكم لهذا الزواج الآن .







رابعاً : المقصود بالشروط القانونية :

الشروط القانونية التي تطلبها المشرع ، و منها توثيق عقد الزواج ، هي في حقيقتها شروط لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في حالة الإنكار أمام القضاء ، أي أن مجال إعمال هذه الشروط هو بعد أن يصل الأمرإلى ساحات القضاء و ليس قبل ذلك ، حتى يتمكن الطرف الذي لم يحصل على حقوقه تلقائياً من العقد أن يصل إليها عن طريق القضاء، بحيث إذا لم تتوافر تلك الشروط قضت المحكمة بعدم سماع الدعوى . و إذا كان شرط توثيق عقد الزواج لقبول الدعوى هو في حقيقته لإثبات هذا العقد تحسباً لوصول النزاع بشأنه إلى القضاء ، فيمكن تسمية هذا الشرط بالشرط القانوني لإثبات عقد الزواج ( م/ حسن منصور- مرجع سابق –ص 157 و ما بعدها ) ، و أرى تبعاً لذلك عدم صحة وصف هذه الشروط القانونية بالشروط القانونية لعقد الزواج ، حتى لا يتصور أحد أنها شروط لصحة العقد ، و هي ليست كذلك ، حسبما سبق بيان ذلك فيما تقدم ، بل هي قاصرة على التقاضي في شأن الزواج و ليست قيداً وارداً على الزواج في ذاته .





و قد أفتت دار الإفتاء المصرية في ذلك بأنه :

" ينعقد الزواج شرعاً بين الطرفين ( الزوج و الزوجة ) بنفسيهما أو بوكيلهما أو وليهما بإيجاب من أحدهما و قيول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و تترتب على هذا العقد جميع الآثار والنتائج ، و يثبت لكل من الزوجين قبل الآخر جميع الجقوق والواجبات دون توقف على توثيق العقد رسمياً أو كتابته بورقة عرفية ، و هذا كله من الوجهة الشرعية ، أما من الوجهة القانونية فإن المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أنه (................) ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، و إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى.... ". فتواها بتاريخ 1/2/1957 في الطلب رقم 582 لسنة 1963 – مشار إليها بمؤلف المستشارالبكري – الكتاب الأول – ص 131 .



خامساً : شروط عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج :

بداءة أشير إلى أني آثرت بحث الشروط القانونية في صيغة شروط عدم القبول و ليس شروط القبول ، لأن النص يتكلم أساساً عن عدم قبول هذه الدعاوى .



بينت المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف الذكر هذه الشروط ، و هما شرطان ، الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ، الثاني : إنكار المدعي عليه للزوجية ، و سأتناول هذين الشرطين شرحاً على النحو الآتي :







الشرط الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية :

أساس و مصدر التوثيق :

أولى المصلحون المحدثون عناية خاصة لموضوع توثيق الزواج في سجلات موثقة تشرف عليها أجهزة إدارية ، و ذلك لمنع إدعاء الزواج أو جحده و إنكاره زوراً و كذباً بعد اتساع المجتمعات والمدن و صعوبة تحقق القاضي من صحة دعاوى الزواج و النسب و التوارث و النفقة في هذه الظروف و خطورة ضياع الحقوق في هذه المجالات ، فمست الحاجة إلى نظام للتوثيق يعين القضاة على الحكم بجهد يسير.



و لا يخفى وضوح الإتجاه في التشريع الإسلامي إلى توثيق الحقوق و إلى الاعتماد على الكتابة في هذا التوثيق، و كان بروز علم الشروط و المكانة التي استحقها هذا العلم بين علوم الفقه الاسلامي دليلاً على بروز هذا الإتجاه و قوته.



و من جهة أخرى ، فإن وجود الكتبة الرسميين الذين كانوا يوثقون العقود و يشهدون عليها و لا يزاولون مهنتهم إلا بإذن من القاضي ، و الذين كان يطلق عليهم ( العدول) أحياناً ، دليل هو الآخر على سعي القضاة إلى التشجيع على وجود نظام توثيق الحقوق و تدوينها على نحو رسمي يخضع لإشرافهم و يمكنهم من الاطمئنان إليه في عملهم .( يراجع فيما تقدم : د/ محمد أحمد سراج و د/ محمد كمال إمام – أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية – ص 72 ، 73 ).



و لذلك كانت كتابة العقد بقصد الإثبات ليست جديدة في الفقه الأسلامي ، بل إن في خزائن المحاكم الشرعية وثيقات لعقود زواج يرجع بعضها للقرن الرابع الهجري ( د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 99 )، و من هنا يمكن القول أن ما اتجه إليه المشرع من اشتراط توثيق عقد الزواج ليس بجديد من حيث التوثيق ، و إنما الجديد هو في جعله شرطاً لسماع أو لقبول الدعوى .



لقد تحدث المشرع في النص الجديد عن ( وثيقة رسمية ) يجب أن يثبت فيها الزواج ، فما المقصود بتوثيق الزواج ؟ و الوثيقة الرسمية التي بدونها لا تقبل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ؟



المقصود بتوثيق الزواج :

هو تحرير عقد الزواج على يد موظف مختص بتحرير عقود الزواج ( د/ محمد سراج و زميله – مرجع سابق – ص 75 ) . و جدير بالذكر أنه لا يجوز الخلط بين توثيق عقد الزواج و الإشهاد عليه ، فالتوثيق هو وسيلة وضعها المشرع لإثبات عقد الزواج عند النزاع أو الإنكار أمام القضاء ، أما الإشهاد عليه فهو شرط لصحة العقد ، بدونها لا يصح عقد الزواج .



المقصود بالوثيقة الرسمية :

لم تعرف المادة 17 المشار إليها فيما سبق الوثيقة الرسمية المتطلبة لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يمكن القول أنه يدخل في مفهوم هذه الوثيقة كل ورقة رسمية أسبغ عليها القانون حجة بشأن ما يثبت فيها ، فقد تكون الوثيقة الرسمية وثيقة زواج ، و هي حجة فيما دون فيها ، لأن ذلك وضعها فيما وضعت له و جعلت لأجله ، باعتبار وصفها العنواني ، لأن كل مستند له وصف عنواني هو حجة فيه ، فوثيقة الزواج حجة في خصوص الزواج . هذا ، و وثيقة الزواج قد تكون وثيقة إنشائية ( عن طريق الموظف المحتص ) ، أو بطريق التصادق على الزوجية ، و كلا الإثنين يطلق عليه وثيقة زواج ، و على هذا الأساس فإن كل إنشاء زواج أو تصادق عليه – يثبته القاضي في محضره أو أثبته المأذون في دفتره ، أو القنصل في سجله ، يعد وثيقة رسمية بالزواج أو التصادق عليه ( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – طبعة 2000 ص 307 ، 308 ) . و يقصد بالمصادقة على عقد الزواج أن يقر الزوجان لدى الموظف المختص بأنهما قد عقد زواجهما في تاريخ سابق و يطلبان الآن تسجيله في وثيقة رسمية ( الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق – ص100 ).



اختلاف النص الملغي عن النص الجديد في لفظ الوثيقة :

هذا ، و يلاحظ وجود اختلاف بين نص المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الملغاة و نص المادة 17 من القانون الجديد ، حيث كان النص الملغي يستوجب ثبوت الزواج بـ : ( وثيقة زواج رسمية ) ، في حين استوجب النص الجديد مجرد ( وثيقة رسمية ) لإثباته ، و مفاد ذلك أن المشرع كان متشدداً في الماضي بشأن وسيلة إثبات الزواج ، حيث قصرها على وثيقة الزواج الرسمية ، و هي التي تصدر من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، كالمأذون داخل الجمهورية و القنصل في خارجها ، و ذلك على نحو ما أوردته المذكرة الإيضاحية للائحة سالفة الذكر، و على عكس ذلك يأتي النص الجديد ، حيث توسع في الرسمية ، فاكتفى بثبوت الزواج في أية وثيقة رسمية على نحوما سلف بيانه ، فكل ورق رسمية لها حجية قانوناً فيما يثبت بها يصح أن تكون محلاُ لإثبات الزواج بها ، كل ذلك مالم يقر الخصم بالزوجية .



و على ذلك إذا لم يكن الزواج العرفي ثابتاً في وثيقة رسمية فلا تقبل الدعاوى الناشئة عنه إلا ما استثني بالنص الجديد و بالشروط التي وردت به .



و من أوضح الأمثلة للورقة الرسمية التي يمكن أن يثبت بها الزواج ، محضر الشرطة الذ ي يقر فيه الزوجان بزواجهما ، حيث يعتبر هذا المحضر حجة عليهما بإقرارهما فيه بهذا الزواج ، و الأمر مع ذلك يخضع لسلطة محكمة الموضوع بحسب ظروف كل دعوى .



الشرط الثاني : إنكار المدعى عليه للزوجية :

اشترط المشرع في المادة الجديدة لعدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – بالإضافة إلى الشرط السابق – إنكار المدعى عليه للزوجية ، ذلك أن الخصم قد يقر بالزوجية و لا ينكرها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية .



المقصود بالإنكار :

يقصد بالإنكار هنا ، إنكار و نفي المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – للزوجية أمام القضاء ، و على ذلك فلا يعد إنكاراً يجعل الدعوى غير مقبول ، مجرد إنكار التوقيع على عقد الزواج العرفي أو غير الموثق ( أ/ كما ل صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – ص 15 )، إذ أن التوقيع أمر و التصرف الثابت بالورقة أمر آخر، فإنكار التوقيع لا يستلزم معه إنكار التصرف الموقع عليه ، حيث قد يتم إنكار التوقيع لأن التصرف لم يحرر في هذه الورقات بالذات ، أو لأن التصرف تم شفاهة و ليس كتابة .







و إذا رفعت إحدى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الثابت بوثيقة رسمية ( العرفي ) و لم يحضر المدعى عليه أمام المحكمة ، فلا يعد ذلك إنكاراً ، إذ لا يمكن أن ينسب له قول ما ، طالما أعلن إعلاناً صحيحاً قانوناً . إلا أنه لما كانت المحكمة ملزمة – من تلقاء نفسها – ببحث مسألة ثبوت الزواج رسمياً من عدمه بوثيقة رسمية ، لكون قيد عدم قبول الدعوى يتعلق بالنظام العام على ماسيأتي بيانه ، فإنه في حالة عدم جضور المدعى عليه أمام المحكمة ، و تبين للمحكمة عدم ثبوت الزوجية بوثيقة رسمية ، تعين عليها أن تحكم بعدم قبول الدعوى .



و إذا حضر الخصم و سكت ، فإن هذا السكوت لا يعد إنكاراً ، لأن القاعدة الفقهية أنه لا ينسب لساكت قو ل( م/ البكري – ص 141 ) ، فضلاً عن أنه قد أتيحت له الفرصة لإبداء دفاعه ، كما أن إدعاء الزوجية أمر خطير، و يصعب أن يسكت الشخص عند الإدعاء عليه بها إلا إذا كانت قد حدثت فعلاً و ليست مجرد إدعاء كاذب.



هذا ، و الإنكار كما يكون صريحاً ، يجوز أن يكون ضمنياً، تستخلصه المحكمة من ظروف الدعوى و ملابساتها وفقاً لتقديرها هي دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ، باعتبار أن تقدير الإنكار من وسائل الواقع ، شريطة أن يقوم تقديرها على أسباب سائغة تكفي لحمل حكمها ( م/ البكري – ص 141 ، 142 ).





و قد قضت محكمة النقض بأن :

" تقدير إنكار الخصم للزوجية المدعاة – في دعوى الوراثة – من عدمه من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع مما لا يجوزالمجادلة فيه أمام محكمة النقض ، ما دام يقوم على أسباب مقبولة تكفي لحمله " الطعنان رقما 39 ، 45 لسنة 40 ق – أحوال شخصية – جلسة 11/6/1975 – مشار إليهما بمؤلف م/ البكري – ص 142 .



فإذا حضر الحصم و دفع بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، عد ذلك إنكاراً صريحاً منه للزوجية .



الإقــــــرار بالزوجــــية :

و إذا كان الإنكار كفيلاً للقضاء بعدم قبول الدعوى في حالة عدم إثبات الزواج بوثيقة رسمية ، فإن مفاد ذلك ، و بمفهوم المخالفة ، أنه إذا كان الخصم مقراً بالزوجية ، فإنه يكون لزاماً و أمراً مقضياً أن يعامل بإقراره في أي مدة يدعي حصول الزواج فيها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لكن ما هو الإقرار الذي تقبل به الدعوى ؟ ، و هل الإقرار هنا هو الإقرار في مجلس القضاء فقط ؟ أم يجوز أن يكون خارج مجلس القضاء ؟ . في المسألة قضاء لمحكمة النقض ، و على هذا القضاء في تلك المسألة تعليق لي بنقده .

ذهبت محكمة النقض إلى أن الإقرار المقصود هو ذلك الذي يصدر في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقد الزواج فلا يؤخذ به .



فقد قضت بأن :

" و حيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أنه في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و طلب استخراج البطاقة العائلية لا يدخل في هذا النطاق و لا يحمل معنى الرسمية ، و إذ كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن ( الزواج مدعى بحصوله سنة 1955 ، فلا تسمع الدعوى به إلا إذا كان ثابتاً بوثيقة زواج رسمية من موظف مختص بتوثيق عقود الزواج ، سواء أكانت الدعوى في حالة حياة الزوجين أم بعد الوفاة ، و الإقرار المعول عليه في هذا الشأن هو الإقرار الذي يحصل في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج فلا يؤخذ به و لا يعول عليه ) ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ".

الطعن رقم 25 لسنة 35 ق – أحوال شخصية – جلسة 31/5/1967 ، و قد أيد هذا القضاء : المستشار/ البكري ص 140 ، أ/ كمال صالح البنا – ص 15 .



و مع احترامنا و إجلالنا لمحكمة النقض و من أيدها في ذلك ، إلا أن الأخذ بقضائها المتقدم في ظل العمل بالقانون الجديد ، محل نظر عندي .



فبالنسبة للإقرار أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج ، فقد كان يمكن القول بعدم الاعتداد به في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، و الذي كان يشترط لسماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ثبوتها بوثيقة زواج رسمية فقط ، حيث إن المقصود بوثيقة الزواج الرسمية تلك التي تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و إذن فوثيقة الزواج الرسمية المتطلبة في ظل هذا القانون بهذا المعنى لا تصدر إلا من موظف معين ( المأذون ) ، كما لا يعتد إلا بالإقرار بالزوجية الصادر من هذا الموظف ، و من ذلك يتبين أن هذه الوثيقة و هذا الإقرار الصادران من هذا الموظف المختص هما وحدهما وسيلة إثبات الزواج رسمياً و المعتد بهما في ظل القانون المذكور، و لا يعتد بالتالي بأي إقرار بالزوجية صادر أمام أي جهة أخرى ، و عليه فحكم محكمة النقض صحيح في ظل القانون المشار إليه من هذه الناحية .







أما في ظل العمل بالقانون الجديد و الذي لم يشترط سوى أن يكون الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لم يشترط بالتالي ثبوته بوثيقة زواج رسمية و التي سبق تعريفها ، فإن مفاد ذلك كما سبق البيان عند تعريف الوثيقة الرسمية ، صلاحية أي ورقة رسمية ثبت فيها الزواج و أسبغ القانون عليها حجية بشأن مايثبت فيها – بما في ذلك بيان الزوجية – لأن تكون وثيقة رسمية يثبت بها الزواج ، فضلاً عن أن النص الجديد لم يشترط صدور الإقرار بالزوجية أمام الموظف المختص ، على عكس النص الملغي الذي كان يشترط ذلك في ظل العمل به .



أما فيما يتعلق بالإقرار خارج مجلس القضاء و عدم الاعتداد به ، فإنه لا محل له بعد صدور القانون الجديد ، والغاء ما كان يشترط في ظل العمل بالقانون الملغي من صدور الإقرار أمام الموظف المختص بإبرام عقد الزواج ، فضلاً عن أن الإقرار خارج مجلس القضاء و إن كان إقراراً غير قضائي ، إلا أن القانون المتعلق بالإثبات اعتد به ، و أخضعه من حيث آثاره القانونية للقواعد العامة ، فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته ، و يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في استخلاصه و تقديره بحيث تعتبره دليلاً كاملاً أو مجرد قرينة أو لا تأخذ به أصلاً، إلا أنها ملزمة إذا أطرحته ببيان سبب ذلك و إلا كان حكمها مشوباً بالقصور( المستشار/ عز الدين الدناصوري و زميله – التعليق على قانون الإثبات – الطبعة السابعة –ص 855 ، الطعن رقم 2001 لسنة 57 ق – جلسة 10/12/1992 ، الطعن رقم 1867 لسنة 53 ق – جلسة 25/6/1987 ). و لا يجوز للمقر التنصل مما ورد في إقراره غير القضائي بمحض إرادته إلا بمبرر قانوني ، كأن يصدر عن إرادة مشوبة بتدليس مثلا، و بالتالي فلا يجوز رفض الأخذ بالإقرار غير القضائي بصورة مطلقة ، بل لابد من منح محكمة الموضوع حقها القانوني في بحث صحته و مدى جديته ، و تقصي ظروف صدوره و ملابسات الدعوى حتى يتسنى الأخذ به أو طرحه ، و القول بغير ذلك فيه مصادرة لحق أصيل لمحكمة الموضوع في تقدير الدليل ، وهو حق يدخل في صميم سلطتها التقديرية الأصيلة لها دون مشاركة في ذلك من غيرها .



و فوق هذا و ذاك ، فإن الإقرار في الفقه الإسلامي حجة على المقر ، ومتى صدر الإقرار صحيحاً مستوفياً جميع شروطه الشرعية ألزم المقر، لأن الإقرار حجة ملزمة شرعاً كالبينة ، بل هو أولى ، لأن احتمال الكذب فيه أبعد( المستشار/ الدناصوري و زميله – المرجع السابق ص 864 ، 865 ) ، و لم يشترط الفقه الإسلامي أن يكون الإقرار بين يدي القاضي إلا إذاكان المقر به حداً خالصاً لله تعالى ، كالزنا و شرب الخمر و السرقة ( المرجع السابق ص 864 ) ، بل إن المتفق عليه بين فقهاء الحنفية أن الإقرار كما يكون بمجلس القضاء يصح أن يكون في غيره ( الطعن رقم 99 لسنمة 58 ق – جلسة 11/6/1991 ).







هذا ، و قد اطلعت على رأي يمكن أن يكون سنداً لي فيما ذهبت إليه ، حيث يقول صاحبه - و هو رجل يتوسد من القضاء سابقاً والفقه حالياً مكاناً عليا – في مخلص طيب :

" هذه الدعاوى لا تقبل إذا أنكرها المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – والمراد بالإنكار هنا هو الإنكار حين الخصومة أمام القضاء ، و الذي لم يوجد إقرار سابق ينافيه ، و لو لم يكن أمام مجلس القضاء ، ما دام ثابتاً بالطريق الذي بينه القانون ، فالإنكار الذي يعتد به هوالإنكار الذي يقع أما القضاء ، أما الإقرار الذي ينفي هذا الإنكار فقد يكون أمام مجلس القضاء ، و قد يكون خارج مجلس اللقضاء ، ما دام يمكن إثباته قانونا " .( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – ص 307 ).



و إذا كانت الزوجية قد ثبتت ضمن حكم في دعوى إثبات نسب صغير رزقت به المرأة في زواج عرفي من زوجها المدعى عليه ، فلا تعتبر الزوجية منكرة في هذه الحالة ، إذ الحكم عنوان الحقيقة ( أ/ البنا – مرجع سابق – 21 ) .



و تثبت الزوجية – عندي – أيضاً الناتجة عن زواج عرفي و لا تعتبر منكرة ، إذا أقر الزوج أمام الموظف المختص بإبرام عقود الزواج ، عند زواجه بأخرى رسمياً ، بسبق زواجه عرفيا.



و يحدث أن تقيم امرأة ضد آخر جنحة مباشرة لأنه زور عليها عقد زواج عرفي ، و تعجز عن إثبات دعواها أو يثبت من تقرير قسم التزييف و التزوير بالطب الشرعي أن التوقيع المنسوب إليها هو توقيع صحيح ، و تقضي المحكمة الجنائية ببراءته مما هو منسوب إليه ، فهذا الحكم لا يحول دون الحكم بعدم قبول دعواه عليها بالزوجية ، لأنه لم يضف على عقد الزواج العرفي الصفة الرسمية ، و طالما أن المرأة المذكورة تنكر الزوجية و لا تقر يه ( أ/ البنا- مرجع سابق – ص 16 ).



و إذا كان لا يعتد بالإنكار إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أن المدعى عليه يمكنه الطعن بطريق التزوير على هذه الوثيقة الرسمية صلباً وتوقيعاً ، تخلصاً من هذه الزوجية و نفياً لها ، إذا كانت منسوية إليه زورا.



و قد ذهب البعض إلى أن الحكم في دعوى صحة التوقيع على عقد الزواج العرفي أمام المحاكم المدنية لا أثر له ، فلا يجعل الإقرار العرفي بالزوجية إقراراً رسمياً ما لم يكن المدعى عليه حاضراً أمام المحكمة و قد أقر بالزوجية أو صادق على الدعوى ( أ/ البنا – مرجع سابق – ص 28 ).



كما ذهبوا إلى أن رفع دعوى صحة التعاقد بشأن عقد زواج أمام المحكمة المدنية لا يحول دون الحكم بعدم سماع الدعوى لعدم وجود وثيقة رسمية بالزواج ، ما لم يكن المدعى عليه قد حضر بالجلسة و أقر بالزوجية و سلم بطلبات المدعي ، أو قدم الطرفان محضر صلح أقر كل منهما فيه بالزوجية بينهما ( أ/ البنا – المرجع السابق – ص 28) .



و هذا الرأي ، بعد صدور القانون الجديد ، قد يكون محل نظر ، حيث إن المنع قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و دعوى الزوجية ليست منها وفقاً لرأي محكمة النقض كما سيأتي البيان عند بحث الدعاوى التي يسري عليها المنع ، و بالتالي تقبل – وفقاً للرأي الأخير – طالما كان العقد صحيحاُ شرعا.



هذا ، و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج تقبل إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أنه يمكن الحكم بعدم قبولها رغم ثبوت الزواج بهذه الوثيقة الرسمية ، و يحدث هذا إذا كانت سن الزوجة تقل عن ستة عشرة سنة ميلادية ، أو كانت سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى ، و ذلك وفقاً لنص المادة (17) من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرتها الأولى .





سادساً : الأثر المترتب على عدم إثبات الزواج العرفي في وثيقة رسمية : ( آثار الزواج العرفي ) :



إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، فإن الدعوى به تقبل وتسير في مجراها الطبيعي حتى يتم الفصل فيها ، أما إذا كان الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ( أي زواجاً عرفياً سواء أكان مكتوياً أم لا ) ، و أنكر المدعى عليه الزوجية ، فقد رتب القانون على ذلك أثراً هاماً و خطيراً ، هو عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مع تقرير استثناء من هذا الأثر وفقاً لشروط معينة ، و فيما يلي شرح لذلك الأثر و الإستثناء الوارد عليه .



تحديد الأشخاص الذين يسري عليهم الأثر المذكور :



نظراً لأن المنع من قبول الدعوى قد ورد عاماً موجهاً الخطاب فيه للكافة ، فإن المنع من قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج يسري على الدعاوى التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر، وعلى الدعاوى التي يقيمها ورثة أيهما على الآخر أو ورثته ، كما يسري على الدعاوى التي يقيمها الغير أوالنيابة في الأحوال التي تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أيهما أو ورثته ( المرحوك الشيخ / أحمد إبراهيم – طرق الإثبات الشرعية – إعداد المستشارواصل علاء الدين – طبعة 1985 – ص 90 و ما بعدها ، المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 308 ، المستشار/ البكري ص 131 ، الطعن رقم 3 لسنة 50 ق – جلسة 30/12/1980 ).



تحديد الدعاوى التي يسري عليها عدم القبول :

جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرته الثانية محدداً الدعاوى التي لا تقبل بأنها الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مغايراً في ذلك نص المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، حيث كانت تنص على عدم سماع ( دعوى الزوجية ) ، فهل يختلف المقصود بهذه الدعاوى في القانون الجديد عنه في القانون الملغي ؟ أم أن هناك تطابق بينهما ؟ . الإجابة تقتضي بيان المقصود بهذه الدعاوى في كل من هذين القانونين سالفي الذكر، و هذا ما أبينه على النحو التالي :



تحديد الدعاوى التي لا تقبل في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي :

نصت المادة 99 من القانون المذكور على عدم سماع (دعوى الزوجية ) ، و قد اختلفت الآراء في مسألة تحديد المقصود بـ ( دعوى الزوجية ) إلى ثلاثة آراء ، على التفصيل التالي :



الرأي الأول : ذهب إلى أن المقصود بدعوى الزوجية ، الدعوى التي يطلب فيها الحكم بالزوجية فقط، و هي دعوى تهدف إلى التحقق من قيام عقد الزواج ، سواء من حيث صحته أو فساده ، فلا تسمع بالتالي ، أما الدعاوى الأخرى الناشئة عن الآثار المترتبة على هذا العقد ، مثل دعوى النفقة و الطاعة .... فتسمع و لوكان عقد الزواج غير ثابت في وثيقة رسمية ، أو كانت سن الزوجين أوأحدهما أقل عن الحد الأدنى المقرر قانوناً، و قد ارتكن هذا الرأي إلى أن المشرع عبر في النصوص عن الدعوى المقصودة بدعوى الزوجية ، كما جرى على تسمية دعاوى أخرى ، فقال " دعوى النفقة " و " الطاعة " ، فاستدلوا بذلك على المغايرة بين دعوى الزوجية و غيرها من الدعاوى ( هذا الرأي مشار إليه في : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 302 ) . و قد ذهبت بعض الأحكام إلى تأييد هذا الرأي و أخذت بظاهر النص ، استناداً إلى أن القول بسريان المنع على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو توسع في نص القانون الصريح ، و هو قيد ورد استثناء من أصل جواز السماع ، فيجب الإقتصار فيه على موضع النص ( مشار إليه لدى المستشار/ البكري ص 132 هامش 4 ).



الرأي الثاني : ذهب إلى أن المنع يشمل دعوى عقد الزواج و الدعاوى الناشئة عن الآثار التي تترتب عليه ، و حجتهم في ذلك أن عقدالزواج غير مقصود لذاته ، بل لما يترتب عليه من آثار، فمدعي الزواج لا يقصد بدعواه – و لا يستفيد منها – إلا آثار الزوجية المترتبة عليه ، و لا يمكن أن يكون مقصد المشرع من النهي عن سماع دعوى الزوجية النهي عن سماع عقد الزواج فقط دون النهي عن سماع دعوى النفقة و الطاعة والإرث ، و غير ذلك من الحقوق المترتبة على الزواج ، لأنه لو كان مقصده هذا لأصبح نهيه عديم الأثر و القيمة ، إذ في استطاعة المدعي أن يترك دعوى عقد الزواج ، و يدعي بما شاء من الآثار المترتبة على الزواج فتسمع دعواه و يحكم له بما طلب و حسبه هذا و كفى , ثم هو غني عن الحكم له بثبوت عقد الزواج ، ما دام يستطيع الحصول على الحكم له بما شاء من آثار هذا العقد بدون أي استثناء ، و حاشا أن يكون هذا هو مقصود المشرع ( هذا الرأي مشارإليه لدى : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 303 ) ، و واضح أن هذا الرأي نظر إلى الغاية من النص و ليس ظاهره .



و أضاف أصحاب هذا الرأي بأن دعوى النفقة أو الطاعة أوالصداق اوالإرث أو اية دعوى بسبب الزواج هي دعوى عقد زواج وزيادة، لأن الزوجة التي تدعي النفقة على زوجها تدعي عقد الزواج ، و تزيد على ذلك استحقاق النفقة عليه ، فدعواها مؤلفة من جزءين : دعوى الزواج ، و دعوى استحقاق النفقة ، و ليس في وسع القاضي أن يمتنع عن سماع الزواج ثم يحكم بأثره المترتب عليه ، لأنه متى سقط الأصل سقط الفرع ( د/ عبد العظيم شرف الدين – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية 1961 – ص 174 ).



و إزاء هذا الخلاف بين الرأيين سالفي الذكر، صدر منشور وزارة الحقانية ينص على أن دعوى الزوجية لا تسمع مطلقاً سواء كان النزاع في ذات الزوجية أم فيما ترتب عليها من آثار( المستشار/ الجندي ص 304 ).



و بالرأي الثاني أفتت دار الإفتاء المصرية ، حيث انتهت إلى أن :

" ...... المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أن ............... ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى بين الزوجين في الزوجية و آثارها كالطاعة و النفقة و غيرها ما عدا النزاع في النسب .......) فتوى بتاريخ 1/2/1957 مشارإليالدى المستشار/ البكري ص 132 ، 133 .



الرأي الثالث : ذهب إلى التفرقة بين أمرين :

1- دعوى الزوجية ، أي دعوى الزواج الذي تكون فيه الزوجية محل نزاع بين الخصمين ، فهذه الدعوى لاشك أنها غير مسموعة إلا إذاوجد المؤيد لها .



2- الحقوق التي تنشأ عن عقد الزواج ، و هي قسمان :

أ – قسم لا يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد الزواج إذ ادعي ، كالنسب و المهر، فإنهما يثبتان بالوطء بشبهة ، فلا شك في أن الدعوى بهما مسموعة و لو لم يوجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ، لأن القاضي لا يسمع في ضمن الدعوى بها دعوى الزوجية ، بل يسمع دعوى الوطء بشبهة ، و فيه استوفى الرجل منافع البضع ، فلزمه البدل من أجل ذلك .

ب – قسم من الحقوق يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد زواج صحيح كالنفقة و الطاعة و الإرث ، فالدعوىبأحد هذه المواد لا يجوز سماعها إلا إذا وجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ( مشا رإليه لدى المستشار/ الجندي ص 304 ). و الملاحظ على هذا الرأي أنه قريب من الرأي الثاني .



و قد ذهبت محكمة النقض إلى تأييد الرأي الأخير ، حيث قضت بأنه :

" متى كانت دعوى المطعون ضده هي دعوى إرث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى إثبات الزوجية أو إثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سبباً مباشراً لها ، فإن إثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية او ألإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع على دعوى النسب ، سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الإسلامية حتى و لوكان النسب مبناه الزوحية الصحيحة " . الطعن رقم 12 لسنة 44 ق – جلسة 4/7/1976 .



هذا هو الوضع في ظل القانون الملغي ، فماذا عن الوضع بعد صدور القانون الجديد ؟ هذا ما سنعرض له الآن .



الدعاوى التي لا تقبل بعد العمل بالقانون الجديد :

يبدو أن المشرع يبغي بنا رهقاً ، حيث تمسك بهوايته المعتادة في إثارة الاختلاف و اللبس دون داع ، فقد جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ناصاً على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلم يرفع الخلاف السابق ، و إنما أنشأ خلافاً على عكس هذا الخلاف ، فقد كان الوضع السابق في ظل المادة 99 الملغاة أن دعوى الزوجية لا خلاف على سريان المنع عليها إذا لم يكن الزواج ثابتاً في وثيقة زواج رسمية و أنكر المدعى عليه الدعوى ، و كان الخلاف : هل تدخل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ضمن دعوى الزوجية المشار إليها في النص المذكور ، فلا تسمع هي الأخرى إذا توافرت شروط عدم سماعها ، أم لا ؟ ، أما بعد صدر القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول ( الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ) ، فقد أصبحت الدعاوى المذكورة في النص الجديد لا تقبل عند الإنكار بلا خلاف في ذلك ، و إنما أصبح الخلاف حول دعوى الزوجية ، هل تدخل ضمن الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج و تخضع بالتالي للمنع الوارد بالنص أم لا ؟







الإجابة عن ذلك لا تخرج عن أحد رأيين :



الأول : ما ذهب إليه البعض من أن الدعاى الناشئة عن عقد الزواج هي دعاوى تفترض قيام عقد الزواج و قيامه صحيحاً ، و القانون قد ورد به العديد من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، كالنفقة والمهر و الجهاز و تحقيق الوفاة والوراثة إذا كانت الزوجة ضمن ورثة المتوفي و الطلاق أو التطليق ، و غير ذلك كثير، و هذه الدعاوى جميعها تختلف عن الدعوى التي تتعلق بانعقاد عقد الزواج ، و شروط صحته ، أو نفاذه أولزومه ، فالدعوى بأحد هذه المسائل سواء من الزوج أو من الزوجة تختلف في موضوعها عن أي دعوى ناشئة عن عقد الزواج ، و انتهى هذا الرأي إلى أن نص المادة 17 سالف الذكر لم يتناول هذه المسائل الخاصة بعقد الزواج ، و اكتفى بالدعاوى الناشئة عنه ( المسشتار/ أحمد نصر الجندي – المرجع السابق – ص 305 ، 306 ). و مفاد هذا الرأي أنه يمكن لمن تزوج عرفياً – رجلاً أو امرأة – أن يقيم دعوى لإثبات هذه الزوجية دون أن يملك المدعى عليه دفعها بالإنكار باعتبارها لا تخضع لهذا المنع الوارد بنص المادة 17 آنفة الذكر.







و قد أكدت ذلك محكمة النقض ، حيث قضت بأن :

" القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوزللزوج أو للزوجة اثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ".

الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 .



و الرأي السابق أوجب الرجوع بشأن هذه المسألة ( إثبات دعوى الزوجية ) إلى نص المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 التي نصت على أن يعمل فيما لم يرد به نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة .

و لا مراء أن الرأي المذكور له وجاهته و سنده ، و لكن الأخذ به يؤدي إلى تناقض غريب ، فهو يعني أن المشرع يعترف بدعوى الزوجية أي بعقد الزواج العرفي و يقر قبولها أمام القضاء ، في الوقت الذي لا يعترف و لا يقبل الدعاوى الناشئة عنه ، فطالما أنه لا يقبل الدعاوى بآثار عقد الزواج ، فلا فائدة عملية ترجى من قبول دعوى الزوجية .



و قد ذهب البعض – ممن له وزنه و مكانته المرموقة – إلى أن مؤدى حكم محكمة النقض المشار إليه سلفاً – بإخراج دعوى الزوجية من القيد – حق المتزوجة عرفياً في طلب الحقوق المترتبة على عقد الزواج العرفي من نفقة أو حضانة وغير ذلك ، شريطة أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين ، أولهما : طلب إثبات صحة ونفاذ عقد الزواج العرفي ، ثانيهما : المطالبة بما يترتب على ثبوت العقد من حقوق تشكل جوهر طلبها الثاني من نفقة أو حضانة أو غير ذلك ، وإن كان ذلك يسبتلزم صيرورة الحكم الصادر في الطلب الأول بإثبات الزواج العرفي نهائياً حتى لا يحرم المدعى عليه فيه من التقاضي على درجيتن باعتباره مما يتعلق بالنظام العام ( المستشار/ أشرف مسطفى كما ل- موسوعة الأحوال الشخصية – ص 208 ).



و هذا الراي - عندي - محل نظر، مع احترامي و تقديري الشديد لصاحبه ، ذلك أنه و إن جاز لجوء المتزوجة عرفياً إلى القضاء للمطالبة بإثبات زواجها العرفي وفقاً لقضاء محكمة النقض آنف الذكر، و عدم خضوعها لقيد عدم السماع الوارد بصدر الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، إلا أنها تخضع للإستثناء الوارد بعجز الفقرة الثانية المذكورة ، فالأصل ألا تُسمع – مطلقاً – الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ، إلا أن المشرع لأسباب ارتآها و ارتضاها أجازعلى سبيل الإستثناء ( قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ) ، فالمتزوجة عرفياً و على فرض حصولها على حكم بإثبات زواجها و صحته ، ما زال عقدها عرفياً , غير ثابت بوثيقة رسمية ، فالأحكام كاشفة و ليست منشئة ، و حيث إن المشرع و إن رتب على ثبوت الزواج العرفي بأية كتابة قبول دعوى التطليق أوالفسخ إلا أنه لم يجز قبول أي دعوى أخرى غيرهما ، و ليس للمتزوجة عرفياً بالتالي المطالبة بأية حقوق مترتبة على زواجها العرفي أو مترتبة على الحكم بالتطليق أوالفسخ ، و القول بغير ذلك – بلا أدنى شك – إفراغ للقيد الوارد بالفقرة الثانية من المادة 17 المذكورة سلفاً من مضمونها، و وصم للمشرع بالعبث ، إذ ما أيسر الأمر على كل متزوجة عرفياً أن تلجأ للقضاء إثباتاً لزواجها العرفي و المطالبة من بعد بحقوقها المترتبة على هذا الزواج ، و هو ما تدخل المشرع لمنعه بنصوصه الواردة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و من بعده القانون رقم 1 لسنة 2000 بعد أن كان جائزا ، و القاعدة أن المشرع لا يعبث و لا يلغو ، و في هذا الرأي أيضاً إهدار للصيانة التي ابتغاها المشرع للزواج من العبث و الجحود حماية لركائز المجتمع و تثبيتاً لأركانه .





الرأي الثاني : أن يقال أن دعوى الزوجية تخضع للمنع الوارد بنص المادة 17 ، و لكن النص المذكور لا يساند هذا الرأي ، إلا أن يقال بأن المشرع منزه عن العبث ، و لا يمكن أن يمنع قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ( العرفي ) ثم يقبل دعوى العقد ذاته ، لاسيما و أن المشرع ما تدخل بمثل هذه الصور إلا لمواجهة هذا الزواج غير الرسمي ، في محاولات منه لمنع اللجوء إليه ، حارماً أطرافه من آثاره قضاء ، و لكن هذا الرأي يعوزه السند الصحيح في مواجهة النص الصريح ، وما كان لهذا الخلاف أن يقع لو كان المشرع يقظاً في تحديد الفاظ النصوص القانونية ، مبتعداً في تشريعه عن الأهواء .



لا مراء أن عقد الزواج سيكون محلاً لدعاوى عديدة يطالب أطرافه من خلالها بإثبات هذه الزوجية أو هذا الزواج أو العقد ، استناداً إلى ظاهر النص و ماذهب إليه أصحاب الرأي الأول و قضاء محكمة النقض المذكور سلفاً ، و نظراً لاحتمال قبولها ، فسوف تضطر محكمة الموضوع في سبيل الفصل فيها إلى التطرق إلى إثبات الزواج شرعاً ، بحثاً عما إذا كان مدعي الزوجية قد أفلح في إثبات دعواه فيقضى له بها ، أم عجز و فشل فترفض ، الأمر الذى أرى معه وجوب بيان طرق إثبات الزواج شرعاً حتى يستكمل البحث مقوماته الأساسية ، و إذا كانت المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أنه يعمل فيما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة ، فإن بحث إثبات الزواج سيكون من خلال مذهب أبي حنيفة و بإيجاز، بحسبان أن المشرع لم يتطرق إلى تنظيم تلك المسألة ، و هذا ما سأعرض له في بداية الجزء الثالث من هذا البحث إن كان في العمر بقية ، و الحمد لله رب العالمين .
منقول وبتصرف
عطيه عبدالله المحامى
عطيه عبدالله المحامى
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 31/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بحــــث   في الزواج العرفي قانوناً Empty رد: بحــــث في الزواج العرفي قانوناً

مُساهمة من طرف عطيه عبدالله المحامى الثلاثاء 12 يوليو 2011, 10:48 pm

الجزء الثاني

من البحث الخاص

بالزواج العرفي





المبحث الثاني

حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون

يثير حكم الزواج العرفي و آثاره في القانون مسائل شتى و متنوعة ، و سيتناول هذا المبحث أحكام الزواج العرفي بالشرح و البيان من خلال النصوص القانونية التي عالج بها المشرع هذا الزواج ، و كذا آراء الفقه و أحكام القضاء ، و ذلك وفقاً لما يلي .



أولاً : الواقع الخطير و اضطرار المشرع إلى التدخل التشريعي :

كان الزواج قديماً ينعقد دون توقف على تسجيله أو توثيقه في ورقة أو وثيقة ، ما دام قد استكمل أركانه و شروطه المعتبرة شرعاً . و ظل الأمر كذلك بين المسلمين من مبدأ التشريع إلى أن رأى أولياء الأمر أن ميزان الإيمان في كثيرمن قلوب الناس قد خف ، و أن الضمير الإيماني في بعض الناس قد ذبل ، فَوُجِد من يدعي الزوجية زوراً، و يعتمد في إثباتها على شهادة شهود هم من جنس المدعي ، لا يتقون الله و لا يرعون الحق ، فما تشعر المرأة إلا و هي زوجة لمزور أراد إلباسها قهراً ثوب الزوجية ، و إخراجها من خدرها إلى بيته تحقيقاً لشهوته ، أو كيداً لها و لإسرتها ، كما وجد من أنكره تخلصاً من حقوق الزوجية ، أو التماساً للحرية في التزوج بمن يشاء، و يعجز الطرف الآخر عن إثباته أمام القضاء ، و بذلك لا تصل الزوجة إلى حقها في النفقة ، و لا يصل الزوج إلى حقه في الطاعة ، و قد يضيع نسب الأولاد ، و يلتصق بهم و بأمهم العار الأبدي فوق حرمانهم حقوقهم فيما تركه الوالدان .( الشيخ / محمود شلتوت – المرجع السابق – ص 231 ).



و قد اضْطُر المشرع الوضعي إلى التدخل التشريعي لمواجهة هذه الآثار الوخيمة حفاظاً على الأسرة و كيانها، و فصلاً للحياة الزوجية و الأعراض من هذا التلاعب ، و ذلك عن طريق وضع قيود وشروط قانونية . و قد قصد المشرع من وضع هذه القيود القانونية أن يحقق بعض الأغراض ذات الأثر الكبير في الحياة الإجتماعية للدولة و المجتمع ، هي :

1- حفظ حقوق الزوجين ، و حماية مصالحهما الناشئة عن الزواج ، بصيانة عقد الزواج الذي هو أساس رابطة الأسرة عن العبث و الضياع بالجحود و الإنكار، إذا ما عقد اثنان زواجهما بدون وثيقة رسمية ثم أنكرها أحدهما و عجز الآخر عن الإثبات ، فلو كان عقد زواجهما بوثيقة رسمية لم يكن هناك مجال لإنكاره.



2- منع ذوي الأغراض السيئة أن يرفعوا دعاوى الزوجية أمام القضاء زوراً و بهتاناً ، فقد أثبتت الحوادث الكثيرة السابقة على وضع هذه الشروط و القيود القانونية أن بعض ممن لا خلاق لهم كانوا يرفعون قضايا زوجية أمام المحاكم لا أساس لها من الصحة ، للنكاية و الكيد للمدعى عليه ، أو للتشهير به ، أو لغير ذلك من الأغراض السيئة ، اعتماداً على سهولة إثبات الزوجية بشهادة الشهود .( الشيخ / عمر عبد الله – أحكام الشريعة الإسلامية في الزواج – ص 105 ، 106 ، المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 ).



ثانياً : الأساس المبيح لتدخل المشرع :

جاء تدخل المشرع بوضع هذه الشروط القانونية مستنداً – حسبما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 78 لسنة 1931 – إلى ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من أن القضاء يُخَصَص بالزمان والمكان والحوادث و الأشخاص ، و أن لولي الأمر أن يمنع قضاته من سماع بعض الدعاوى ، و أن يقيد السماع بما يراه من القيود و تبعاً لأحوال الزمان و حاجة الناس ، و صيانة للحقوق من العبث والضياع ، كما أنه قد درج الفقهاء من سالف العصور على ذلك ، و أقروا هذا المبدأ في أحكام كثيرة ، و اشتملت لائحتا سنة 1897 و سنة 1910 للمحاكم الشرعية على كثير من مواد التخصيص ، و خاصة فيما يتعلق بدعاوى الزوجية و الطلاق و الإقرار بهما ، و ألف الناس هذه القيود و اطمأنوا إليها بعد ما تبين ما لها من عظيم الأثرفي صيانة حقوق الأسرة .



و قيل في تبرير مبدأ تخصيص القضاء بالزمان والمكان و الحوادث و الأشخاص ، أن من الأصول المقررة في الشريعة الإسلامية أن ولي الأمر العام و هو الحاكم في الدولة الإسلامية هو الذي يتولى مهمة القضاء بين الناس في المنازعات التي تثار بينهم ، و لكن على اتساع هذه الدولة و ترامي أطرافها أصبح من العسير عليه مباشرة هذه المهمة بنفسه ، فعهد الخلفاء الراشدون في الفصل بين الناس في الخصومات إلى أشخاص لهم الخبرة والدراية بهذه الأمور، و هكذا فعل من جاء بعد الخلفاء الراشدين ، و مع كثرة الخصومات و تنوعها تعذر على القاضي أن ينظر فيها جميعاً ، فأصبح من الواجب تعدد القضاة لمواجهة تعدد و تنوع القضايا ، و من هنا استقر مبدأ التخصيص المذكور في الفقه الإسلامي .( مستشار/ حسن منصور- المرجع السابق – ص 162 ).



ثالثاً : مراحل تدخل المشرع تشريعياً في توثيق عقد الزواج :

كانت الخطوة الأولى بشأن توثيق عقد الزواج هو ما جاء في لائحة سنة 1880 خاصاً بمأذوني عقود الأنكحة من اختيارهم و تعيينهم و واجباتهم، و لكن توثيق العقد نفسه بقي أمراً اختيارياً دون أن يترتب على عدمه أي أثر في صح العقد.



ثم جاء في لائحة سنة 1897 المادة 31 عدم سماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها بعد وفاة أحد الزوجين إلا إذا كانت مؤيدة بمقتضى أوراق خالية من شبهة التصنع، و هذه المادة كما هو واضح اكتفت بوجود أي أوراق خالية من شبهة التصنع و إن لم تكن وثيقة زواج رسمية ، كما أنها لم تتعرض لحالة وجود الزوجين على قيد الحياة .



ثم جاءت لائحة سنة 1910 فتشددت أكثر من سابقتها، إذ جاء ضمن المادة 101 منها أن دعوى الزوجية أو الإقرار بها – بعد وفاة الزوجين أو أحدهما – من أحد الزوجين أو من غيره لا تسمع عند الإنكار في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلا إذا كانت الدعوى ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و توقيعه، و مع هذا فهي لم توجب التوثيق. ( يراجع في هذه المراحل – د/ محمد سلام مدكور – أحكام الأسرة في الإسلام – 1969 ص 113 ).



ثم جاءت اللائحة رقم 78 لسنة 1931 و راعى القانون فيها أن يكون المسوغ الكتابي ملائماً للتدرج التشريعي و منتظماً مع ما أدخل على اللائحة من تعديلات في أزمنة مختلفة من سنة 1880 إلى سنة1930 ، إذ كان كل تعديل يتضمن قيوداً جديدة تساير مقتضيات الأحوال الاجتماعية ، و تلائم الحوادث الواقعة ، و قد جاء المسوغ الكتابي لإثبات الزوجية في المادة 99 من اللائحة المذكورة على النحو التالي :



أ – لا تسمع دعوى الزوجية بعد وفاة أحد الزوجين عند إنكارها في الحوادث الواقعة من سنة 1897 إلى سنة 1911 ، سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره إلا إذا كانت مؤيدة بأوراق خالية من شبهة التزوير تدل على صحتها ( الفقرة الأولى من المادة المذكورة ).



ب – و أما في دعاوى الزوجية في الحوادث السابقة على سنة 1897 فلا يشترط وجود المسوغ الكتابي لسماعها عند الإنكار، بل تسمع دعوى الزوجية في هذا الحالة بشهادة الشهود، إذا تحقق أمران ، أحدهما : أن تكون الدعوى مقامة من أحد الزوجين ، ثانيهما : أن تكون الزوجية المدعاة معروفة بالشهرة العامة .



ج – لا تسمع دعوى الزوجية عند إنكارها بعد وفاة أحد الزوجين في الحوادث الواقعة من سنة 1911 إلى آخر يوليو سنة 1931 إلا إذا كانت الزوجية ثابتة بأوراق رسمية أو مكتوبة كلها بخط المتوفي و عليها إمضاؤه كذلك ، سواء أكانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .



د – لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمنية ، سواء كانت الدعوى في حياة الزوجين أو بعد وفاتهما أو بعد وفاة أحدهما ، و سواء كانت الدعوى مقامة من أحد الزوجين أو من غيره .( يراجع في هذه المراحل : الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق ص 102 و 103 ، د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق ص 217 ).







ثم صدر أخيراً القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، ناصاً في مادته الرابعة من مواد إصداره على إلغاء لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ، و معدلاً مرة أخرى في مسألة توثيق عقد الزواج ، حيث نصت المادة 17 منه على أنه :



( .... و لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931 – ما لم يكن الزواج ثابتاً يوثيقة رسمية ، و مع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ...).



و البين من هذه التعديلات التشريعية أن المشرع لم يزل يصر على إيجاد حلول لمشكلة الزواج العرفي ( غير الموثق ) في محاولة منه لتحجيم آثاره السيئة ، و على كل حال فسوف نبين فيما بعد أحكام هذه التعديلات ، و الاختلافات بين النص القديم و الجديد ، على أنه يلاحظ أن الصورة الأخيرة في التعديل الجديد المتعلقة بالفترة من أول أغسطس سنة 1931 هي المطلوبة الان لإثبات دعوى الزوجية و الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و ذلك نظراً لبعد العهد بالصور الأخرى لارتباطها بالحوادث التي وقعت منذ ما يزيد على قرن من الزمان ، و من النادر أن تكون هناك وقائع معروض أمرها على في ساحات القضاء بشأنها ، و لذا نكتفي بما ورد في النصوص السابقة عنها ، وبالتالي سيكون بيان حكم الزواج العرفي و آثاره من خلال النص الجديد باعتباره هو النص الحاكم لهذا الزواج الآن .







رابعاً : المقصود بالشروط القانونية :

الشروط القانونية التي تطلبها المشرع ، و منها توثيق عقد الزواج ، هي في حقيقتها شروط لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في حالة الإنكار أمام القضاء ، أي أن مجال إعمال هذه الشروط هو بعد أن يصل الأمرإلى ساحات القضاء و ليس قبل ذلك ، حتى يتمكن الطرف الذي لم يحصل على حقوقه تلقائياً من العقد أن يصل إليها عن طريق القضاء، بحيث إذا لم تتوافر تلك الشروط قضت المحكمة بعدم سماع الدعوى . و إذا كان شرط توثيق عقد الزواج لقبول الدعوى هو في حقيقته لإثبات هذا العقد تحسباً لوصول النزاع بشأنه إلى القضاء ، فيمكن تسمية هذا الشرط بالشرط القانوني لإثبات عقد الزواج ( م/ حسن منصور- مرجع سابق –ص 157 و ما بعدها ) ، و أرى تبعاً لذلك عدم صحة وصف هذه الشروط القانونية بالشروط القانونية لعقد الزواج ، حتى لا يتصور أحد أنها شروط لصحة العقد ، و هي ليست كذلك ، حسبما سبق بيان ذلك فيما تقدم ، بل هي قاصرة على التقاضي في شأن الزواج و ليست قيداً وارداً على الزواج في ذاته .





و قد أفتت دار الإفتاء المصرية في ذلك بأنه :

" ينعقد الزواج شرعاً بين الطرفين ( الزوج و الزوجة ) بنفسيهما أو بوكيلهما أو وليهما بإيجاب من أحدهما و قيول من الآخر متى استوفى هذا العقد جميع شرائطه الشرعية المبسوطة في كتب الفقه ، و تترتب على هذا العقد جميع الآثار والنتائج ، و يثبت لكل من الزوجين قبل الآخر جميع الجقوق والواجبات دون توقف على توثيق العقد رسمياً أو كتابته بورقة عرفية ، و هذا كله من الوجهة الشرعية ، أما من الوجهة القانونية فإن المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أنه (................) ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، و إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى.... ". فتواها بتاريخ 1/2/1957 في الطلب رقم 582 لسنة 1963 – مشار إليها بمؤلف المستشارالبكري – الكتاب الأول – ص 131 .



خامساً : شروط عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج :

بداءة أشير إلى أني آثرت بحث الشروط القانونية في صيغة شروط عدم القبول و ليس شروط القبول ، لأن النص يتكلم أساساً عن عدم قبول هذه الدعاوى .



بينت المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف الذكر هذه الشروط ، و هما شرطان ، الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ، الثاني : إنكار المدعي عليه للزوجية ، و سأتناول هذين الشرطين شرحاً على النحو الآتي :







الشرط الأول : أن يكون الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية :

أساس و مصدر التوثيق :

أولى المصلحون المحدثون عناية خاصة لموضوع توثيق الزواج في سجلات موثقة تشرف عليها أجهزة إدارية ، و ذلك لمنع إدعاء الزواج أو جحده و إنكاره زوراً و كذباً بعد اتساع المجتمعات والمدن و صعوبة تحقق القاضي من صحة دعاوى الزواج و النسب و التوارث و النفقة في هذه الظروف و خطورة ضياع الحقوق في هذه المجالات ، فمست الحاجة إلى نظام للتوثيق يعين القضاة على الحكم بجهد يسير.



و لا يخفى وضوح الإتجاه في التشريع الإسلامي إلى توثيق الحقوق و إلى الاعتماد على الكتابة في هذا التوثيق، و كان بروز علم الشروط و المكانة التي استحقها هذا العلم بين علوم الفقه الاسلامي دليلاً على بروز هذا الإتجاه و قوته.



و من جهة أخرى ، فإن وجود الكتبة الرسميين الذين كانوا يوثقون العقود و يشهدون عليها و لا يزاولون مهنتهم إلا بإذن من القاضي ، و الذين كان يطلق عليهم ( العدول) أحياناً ، دليل هو الآخر على سعي القضاة إلى التشجيع على وجود نظام توثيق الحقوق و تدوينها على نحو رسمي يخضع لإشرافهم و يمكنهم من الاطمئنان إليه في عملهم .( يراجع فيما تقدم : د/ محمد أحمد سراج و د/ محمد كمال إمام – أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية – ص 72 ، 73 ).



و لذلك كانت كتابة العقد بقصد الإثبات ليست جديدة في الفقه الأسلامي ، بل إن في خزائن المحاكم الشرعية وثيقات لعقود زواج يرجع بعضها للقرن الرابع الهجري ( د/ محمد كمال إمام – مرجع سابق – ص 99 )، و من هنا يمكن القول أن ما اتجه إليه المشرع من اشتراط توثيق عقد الزواج ليس بجديد من حيث التوثيق ، و إنما الجديد هو في جعله شرطاً لسماع أو لقبول الدعوى .



لقد تحدث المشرع في النص الجديد عن ( وثيقة رسمية ) يجب أن يثبت فيها الزواج ، فما المقصود بتوثيق الزواج ؟ و الوثيقة الرسمية التي بدونها لا تقبل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ؟



المقصود بتوثيق الزواج :

هو تحرير عقد الزواج على يد موظف مختص بتحرير عقود الزواج ( د/ محمد سراج و زميله – مرجع سابق – ص 75 ) . و جدير بالذكر أنه لا يجوز الخلط بين توثيق عقد الزواج و الإشهاد عليه ، فالتوثيق هو وسيلة وضعها المشرع لإثبات عقد الزواج عند النزاع أو الإنكار أمام القضاء ، أما الإشهاد عليه فهو شرط لصحة العقد ، بدونها لا يصح عقد الزواج .



المقصود بالوثيقة الرسمية :

لم تعرف المادة 17 المشار إليها فيما سبق الوثيقة الرسمية المتطلبة لقبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و يمكن القول أنه يدخل في مفهوم هذه الوثيقة كل ورقة رسمية أسبغ عليها القانون حجة بشأن ما يثبت فيها ، فقد تكون الوثيقة الرسمية وثيقة زواج ، و هي حجة فيما دون فيها ، لأن ذلك وضعها فيما وضعت له و جعلت لأجله ، باعتبار وصفها العنواني ، لأن كل مستند له وصف عنواني هو حجة فيه ، فوثيقة الزواج حجة في خصوص الزواج . هذا ، و وثيقة الزواج قد تكون وثيقة إنشائية ( عن طريق الموظف المحتص ) ، أو بطريق التصادق على الزوجية ، و كلا الإثنين يطلق عليه وثيقة زواج ، و على هذا الأساس فإن كل إنشاء زواج أو تصادق عليه – يثبته القاضي في محضره أو أثبته المأذون في دفتره ، أو القنصل في سجله ، يعد وثيقة رسمية بالزواج أو التصادق عليه ( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم بعض أوضاع و إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – طبعة 2000 ص 307 ، 308 ) . و يقصد بالمصادقة على عقد الزواج أن يقر الزوجان لدى الموظف المختص بأنهما قد عقد زواجهما في تاريخ سابق و يطلبان الآن تسجيله في وثيقة رسمية ( الشيخ / عمر عبد الله – مرجع سابق – ص100 ).



اختلاف النص الملغي عن النص الجديد في لفظ الوثيقة :

هذا ، و يلاحظ وجود اختلاف بين نص المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الملغاة و نص المادة 17 من القانون الجديد ، حيث كان النص الملغي يستوجب ثبوت الزواج بـ : ( وثيقة زواج رسمية ) ، في حين استوجب النص الجديد مجرد ( وثيقة رسمية ) لإثباته ، و مفاد ذلك أن المشرع كان متشدداً في الماضي بشأن وسيلة إثبات الزواج ، حيث قصرها على وثيقة الزواج الرسمية ، و هي التي تصدر من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، كالمأذون داخل الجمهورية و القنصل في خارجها ، و ذلك على نحو ما أوردته المذكرة الإيضاحية للائحة سالفة الذكر، و على عكس ذلك يأتي النص الجديد ، حيث توسع في الرسمية ، فاكتفى بثبوت الزواج في أية وثيقة رسمية على نحوما سلف بيانه ، فكل ورق رسمية لها حجية قانوناً فيما يثبت بها يصح أن تكون محلاُ لإثبات الزواج بها ، كل ذلك مالم يقر الخصم بالزوجية .



و على ذلك إذا لم يكن الزواج العرفي ثابتاً في وثيقة رسمية فلا تقبل الدعاوى الناشئة عنه إلا ما استثني بالنص الجديد و بالشروط التي وردت به .



و من أوضح الأمثلة للورقة الرسمية التي يمكن أن يثبت بها الزواج ، محضر الشرطة الذ ي يقر فيه الزوجان بزواجهما ، حيث يعتبر هذا المحضر حجة عليهما بإقرارهما فيه بهذا الزواج ، و الأمر مع ذلك يخضع لسلطة محكمة الموضوع بحسب ظروف كل دعوى .



الشرط الثاني : إنكار المدعى عليه للزوجية :

اشترط المشرع في المادة الجديدة لعدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج – بالإضافة إلى الشرط السابق – إنكار المدعى عليه للزوجية ، ذلك أن الخصم قد يقر بالزوجية و لا ينكرها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية .



المقصود بالإنكار :

يقصد بالإنكار هنا ، إنكار و نفي المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – للزوجية أمام القضاء ، و على ذلك فلا يعد إنكاراً يجعل الدعوى غير مقبول ، مجرد إنكار التوقيع على عقد الزواج العرفي أو غير الموثق ( أ/ كما ل صالح البنا – موسوعة الأحوال الشخصية – ص 15 )، إذ أن التوقيع أمر و التصرف الثابت بالورقة أمر آخر، فإنكار التوقيع لا يستلزم معه إنكار التصرف الموقع عليه ، حيث قد يتم إنكار التوقيع لأن التصرف لم يحرر في هذه الورقات بالذات ، أو لأن التصرف تم شفاهة و ليس كتابة .







و إذا رفعت إحدى الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الثابت بوثيقة رسمية ( العرفي ) و لم يحضر المدعى عليه أمام المحكمة ، فلا يعد ذلك إنكاراً ، إذ لا يمكن أن ينسب له قول ما ، طالما أعلن إعلاناً صحيحاً قانوناً . إلا أنه لما كانت المحكمة ملزمة – من تلقاء نفسها – ببحث مسألة ثبوت الزواج رسمياً من عدمه بوثيقة رسمية ، لكون قيد عدم قبول الدعوى يتعلق بالنظام العام على ماسيأتي بيانه ، فإنه في حالة عدم جضور المدعى عليه أمام المحكمة ، و تبين للمحكمة عدم ثبوت الزوجية بوثيقة رسمية ، تعين عليها أن تحكم بعدم قبول الدعوى .



و إذا حضر الخصم و سكت ، فإن هذا السكوت لا يعد إنكاراً ، لأن القاعدة الفقهية أنه لا ينسب لساكت قو ل( م/ البكري – ص 141 ) ، فضلاً عن أنه قد أتيحت له الفرصة لإبداء دفاعه ، كما أن إدعاء الزوجية أمر خطير، و يصعب أن يسكت الشخص عند الإدعاء عليه بها إلا إذا كانت قد حدثت فعلاً و ليست مجرد إدعاء كاذب.



هذا ، و الإنكار كما يكون صريحاً ، يجوز أن يكون ضمنياً، تستخلصه المحكمة من ظروف الدعوى و ملابساتها وفقاً لتقديرها هي دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ، باعتبار أن تقدير الإنكار من وسائل الواقع ، شريطة أن يقوم تقديرها على أسباب سائغة تكفي لحمل حكمها ( م/ البكري – ص 141 ، 142 ).





و قد قضت محكمة النقض بأن :

" تقدير إنكار الخصم للزوجية المدعاة – في دعوى الوراثة – من عدمه من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع مما لا يجوزالمجادلة فيه أمام محكمة النقض ، ما دام يقوم على أسباب مقبولة تكفي لحمله " الطعنان رقما 39 ، 45 لسنة 40 ق – أحوال شخصية – جلسة 11/6/1975 – مشار إليهما بمؤلف م/ البكري – ص 142 .



فإذا حضر الحصم و دفع بعدم قبول الدعوى لعدم تقديم وثيقة رسمية بالزواج ، عد ذلك إنكاراً صريحاً منه للزوجية .



الإقــــــرار بالزوجــــية :

و إذا كان الإنكار كفيلاً للقضاء بعدم قبول الدعوى في حالة عدم إثبات الزواج بوثيقة رسمية ، فإن مفاد ذلك ، و بمفهوم المخالفة ، أنه إذا كان الخصم مقراً بالزوجية ، فإنه يكون لزاماً و أمراً مقضياً أن يعامل بإقراره في أي مدة يدعي حصول الزواج فيها ، فتقبل الدعوى حينئذ و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لكن ما هو الإقرار الذي تقبل به الدعوى ؟ ، و هل الإقرار هنا هو الإقرار في مجلس القضاء فقط ؟ أم يجوز أن يكون خارج مجلس القضاء ؟ . في المسألة قضاء لمحكمة النقض ، و على هذا القضاء في تلك المسألة تعليق لي بنقده .

ذهبت محكمة النقض إلى أن الإقرار المقصود هو ذلك الذي يصدر في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقد الزواج فلا يؤخذ به .



فقد قضت بأن :

" و حيث إن هذا النعي مردود ، ذلك أنه في الحوادث الواقعة من أول أغسطس سنة 1931 وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و طلب استخراج البطاقة العائلية لا يدخل في هذا النطاق و لا يحمل معنى الرسمية ، و إذ كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن ( الزواج مدعى بحصوله سنة 1955 ، فلا تسمع الدعوى به إلا إذا كان ثابتاً بوثيقة زواج رسمية من موظف مختص بتوثيق عقود الزواج ، سواء أكانت الدعوى في حالة حياة الزوجين أم بعد الوفاة ، و الإقرار المعول عليه في هذا الشأن هو الإقرار الذي يحصل في مجلس القضاء ، أما الإقرار الذي يحصل خارج مجلس القضاء أو في ورقة عرفية أو أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج فلا يؤخذ به و لا يعول عليه ) ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ".

الطعن رقم 25 لسنة 35 ق – أحوال شخصية – جلسة 31/5/1967 ، و قد أيد هذا القضاء : المستشار/ البكري ص 140 ، أ/ كمال صالح البنا – ص 15 .



و مع احترامنا و إجلالنا لمحكمة النقض و من أيدها في ذلك ، إلا أن الأخذ بقضائها المتقدم في ظل العمل بالقانون الجديد ، محل نظر عندي .



فبالنسبة للإقرار أمام جهة رسمية غير مختصة بتوثيق عقود الزواج ، فقد كان يمكن القول بعدم الاعتداد به في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، و الذي كان يشترط لسماع دعوى الزوجية أو الإقرار بها ثبوتها بوثيقة زواج رسمية فقط ، حيث إن المقصود بوثيقة الزواج الرسمية تلك التي تصدر أو يصدر الإقرار بها من موظف مختص بمقتضى وظيفته بإصدارها ، و إذن فوثيقة الزواج الرسمية المتطلبة في ظل هذا القانون بهذا المعنى لا تصدر إلا من موظف معين ( المأذون ) ، كما لا يعتد إلا بالإقرار بالزوجية الصادر من هذا الموظف ، و من ذلك يتبين أن هذه الوثيقة و هذا الإقرار الصادران من هذا الموظف المختص هما وحدهما وسيلة إثبات الزواج رسمياً و المعتد بهما في ظل القانون المذكور، و لا يعتد بالتالي بأي إقرار بالزوجية صادر أمام أي جهة أخرى ، و عليه فحكم محكمة النقض صحيح في ظل القانون المشار إليه من هذه الناحية .







أما في ظل العمل بالقانون الجديد و الذي لم يشترط سوى أن يكون الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، و لم يشترط بالتالي ثبوته بوثيقة زواج رسمية و التي سبق تعريفها ، فإن مفاد ذلك كما سبق البيان عند تعريف الوثيقة الرسمية ، صلاحية أي ورقة رسمية ثبت فيها الزواج و أسبغ القانون عليها حجية بشأن مايثبت فيها – بما في ذلك بيان الزوجية – لأن تكون وثيقة رسمية يثبت بها الزواج ، فضلاً عن أن النص الجديد لم يشترط صدور الإقرار بالزوجية أمام الموظف المختص ، على عكس النص الملغي الذي كان يشترط ذلك في ظل العمل به .



أما فيما يتعلق بالإقرار خارج مجلس القضاء و عدم الاعتداد به ، فإنه لا محل له بعد صدور القانون الجديد ، والغاء ما كان يشترط في ظل العمل بالقانون الملغي من صدور الإقرار أمام الموظف المختص بإبرام عقد الزواج ، فضلاً عن أن الإقرار خارج مجلس القضاء و إن كان إقراراً غير قضائي ، إلا أن القانون المتعلق بالإثبات اعتد به ، و أخضعه من حيث آثاره القانونية للقواعد العامة ، فهو حجة على المقر ما لم يثبت عدم صحته ، و يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في استخلاصه و تقديره بحيث تعتبره دليلاً كاملاً أو مجرد قرينة أو لا تأخذ به أصلاً، إلا أنها ملزمة إذا أطرحته ببيان سبب ذلك و إلا كان حكمها مشوباً بالقصور( المستشار/ عز الدين الدناصوري و زميله – التعليق على قانون الإثبات – الطبعة السابعة –ص 855 ، الطعن رقم 2001 لسنة 57 ق – جلسة 10/12/1992 ، الطعن رقم 1867 لسنة 53 ق – جلسة 25/6/1987 ). و لا يجوز للمقر التنصل مما ورد في إقراره غير القضائي بمحض إرادته إلا بمبرر قانوني ، كأن يصدر عن إرادة مشوبة بتدليس مثلا، و بالتالي فلا يجوز رفض الأخذ بالإقرار غير القضائي بصورة مطلقة ، بل لابد من منح محكمة الموضوع حقها القانوني في بحث صحته و مدى جديته ، و تقصي ظروف صدوره و ملابسات الدعوى حتى يتسنى الأخذ به أو طرحه ، و القول بغير ذلك فيه مصادرة لحق أصيل لمحكمة الموضوع في تقدير الدليل ، وهو حق يدخل في صميم سلطتها التقديرية الأصيلة لها دون مشاركة في ذلك من غيرها .



و فوق هذا و ذاك ، فإن الإقرار في الفقه الإسلامي حجة على المقر ، ومتى صدر الإقرار صحيحاً مستوفياً جميع شروطه الشرعية ألزم المقر، لأن الإقرار حجة ملزمة شرعاً كالبينة ، بل هو أولى ، لأن احتمال الكذب فيه أبعد( المستشار/ الدناصوري و زميله – المرجع السابق ص 864 ، 865 ) ، و لم يشترط الفقه الإسلامي أن يكون الإقرار بين يدي القاضي إلا إذاكان المقر به حداً خالصاً لله تعالى ، كالزنا و شرب الخمر و السرقة ( المرجع السابق ص 864 ) ، بل إن المتفق عليه بين فقهاء الحنفية أن الإقرار كما يكون بمجلس القضاء يصح أن يكون في غيره ( الطعن رقم 99 لسنمة 58 ق – جلسة 11/6/1991 ).







هذا ، و قد اطلعت على رأي يمكن أن يكون سنداً لي فيما ذهبت إليه ، حيث يقول صاحبه - و هو رجل يتوسد من القضاء سابقاً والفقه حالياً مكاناً عليا – في مخلص طيب :

" هذه الدعاوى لا تقبل إذا أنكرها المدعى عليه – الزوج أو الزوجة أو ورثتيهما – والمراد بالإنكار هنا هو الإنكار حين الخصومة أمام القضاء ، و الذي لم يوجد إقرار سابق ينافيه ، و لو لم يكن أمام مجلس القضاء ، ما دام ثابتاً بالطريق الذي بينه القانون ، فالإنكار الذي يعتد به هوالإنكار الذي يقع أما القضاء ، أما الإقرار الذي ينفي هذا الإنكار فقد يكون أمام مجلس القضاء ، و قد يكون خارج مجلس اللقضاء ، ما دام يمكن إثباته قانونا " .( المستشار/ أحمد نصر الجندي – التعليق على نصوص قانون تنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الاحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 – ص 307 ).



و إذا كانت الزوجية قد ثبتت ضمن حكم في دعوى إثبات نسب صغير رزقت به المرأة في زواج عرفي من زوجها المدعى عليه ، فلا تعتبر الزوجية منكرة في هذه الحالة ، إذ الحكم عنوان الحقيقة ( أ/ البنا – مرجع سابق – 21 ) .



و تثبت الزوجية – عندي – أيضاً الناتجة عن زواج عرفي و لا تعتبر منكرة ، إذا أقر الزوج أمام الموظف المختص بإبرام عقود الزواج ، عند زواجه بأخرى رسمياً ، بسبق زواجه عرفيا.



و يحدث أن تقيم امرأة ضد آخر جنحة مباشرة لأنه زور عليها عقد زواج عرفي ، و تعجز عن إثبات دعواها أو يثبت من تقرير قسم التزييف و التزوير بالطب الشرعي أن التوقيع المنسوب إليها هو توقيع صحيح ، و تقضي المحكمة الجنائية ببراءته مما هو منسوب إليه ، فهذا الحكم لا يحول دون الحكم بعدم قبول دعواه عليها بالزوجية ، لأنه لم يضف على عقد الزواج العرفي الصفة الرسمية ، و طالما أن المرأة المذكورة تنكر الزوجية و لا تقر يه ( أ/ البنا- مرجع سابق – ص 16 ).



و إذا كان لا يعتد بالإنكار إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أن المدعى عليه يمكنه الطعن بطريق التزوير على هذه الوثيقة الرسمية صلباً وتوقيعاً ، تخلصاً من هذه الزوجية و نفياً لها ، إذا كانت منسوية إليه زورا.



و قد ذهب البعض إلى أن الحكم في دعوى صحة التوقيع على عقد الزواج العرفي أمام المحاكم المدنية لا أثر له ، فلا يجعل الإقرار العرفي بالزوجية إقراراً رسمياً ما لم يكن المدعى عليه حاضراً أمام المحكمة و قد أقر بالزوجية أو صادق على الدعوى ( أ/ البنا – مرجع سابق – ص 28 ).



كما ذهبوا إلى أن رفع دعوى صحة التعاقد بشأن عقد زواج أمام المحكمة المدنية لا يحول دون الحكم بعدم سماع الدعوى لعدم وجود وثيقة رسمية بالزواج ، ما لم يكن المدعى عليه قد حضر بالجلسة و أقر بالزوجية و سلم بطلبات المدعي ، أو قدم الطرفان محضر صلح أقر كل منهما فيه بالزوجية بينهما ( أ/ البنا – المرجع السابق – ص 28) .



و هذا الرأي ، بعد صدور القانون الجديد ، قد يكون محل نظر ، حيث إن المنع قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، و دعوى الزوجية ليست منها وفقاً لرأي محكمة النقض كما سيأتي البيان عند بحث الدعاوى التي يسري عليها المنع ، و بالتالي تقبل – وفقاً للرأي الأخير – طالما كان العقد صحيحاُ شرعا.



هذا ، و تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج تقبل إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، إلا أنه يمكن الحكم بعدم قبولها رغم ثبوت الزواج بهذه الوثيقة الرسمية ، و يحدث هذا إذا كانت سن الزوجة تقل عن ستة عشرة سنة ميلادية ، أو كانت سن الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى ، و ذلك وفقاً لنص المادة (17) من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرتها الأولى .





سادساً : الأثر المترتب على عدم إثبات الزواج العرفي في وثيقة رسمية : ( آثار الزواج العرفي ) :



إذا كان الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ، فإن الدعوى به تقبل وتسير في مجراها الطبيعي حتى يتم الفصل فيها ، أما إذا كان الزواج غير ثابت بوثيقة رسمية ( أي زواجاً عرفياً سواء أكان مكتوياً أم لا ) ، و أنكر المدعى عليه الزوجية ، فقد رتب القانون على ذلك أثراً هاماً و خطيراً ، هو عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مع تقرير استثناء من هذا الأثر وفقاً لشروط معينة ، و فيما يلي شرح لذلك الأثر و الإستثناء الوارد عليه .



تحديد الأشخاص الذين يسري عليهم الأثر المذكور :



نظراً لأن المنع من قبول الدعوى قد ورد عاماً موجهاً الخطاب فيه للكافة ، فإن المنع من قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج يسري على الدعاوى التي يقيمها أحد الزوجين على الآخر، وعلى الدعاوى التي يقيمها ورثة أيهما على الآخر أو ورثته ، كما يسري على الدعاوى التي يقيمها الغير أوالنيابة في الأحوال التي تباشر فيها الدعوى كطرف أصيل قبل أيهما أو ورثته ( المرحوك الشيخ / أحمد إبراهيم – طرق الإثبات الشرعية – إعداد المستشارواصل علاء الدين – طبعة 1985 – ص 90 و ما بعدها ، المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 308 ، المستشار/ البكري ص 131 ، الطعن رقم 3 لسنة 50 ق – جلسة 30/12/1980 ).



تحديد الدعاوى التي يسري عليها عدم القبول :

جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 في فقرته الثانية محدداً الدعاوى التي لا تقبل بأنها الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، مغايراً في ذلك نص المادة 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي ، حيث كانت تنص على عدم سماع ( دعوى الزوجية ) ، فهل يختلف المقصود بهذه الدعاوى في القانون الجديد عنه في القانون الملغي ؟ أم أن هناك تطابق بينهما ؟ . الإجابة تقتضي بيان المقصود بهذه الدعاوى في كل من هذين القانونين سالفي الذكر، و هذا ما أبينه على النحو التالي :



تحديد الدعاوى التي لا تقبل في ظل العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931 الملغي :

نصت المادة 99 من القانون المذكور على عدم سماع (دعوى الزوجية ) ، و قد اختلفت الآراء في مسألة تحديد المقصود بـ ( دعوى الزوجية ) إلى ثلاثة آراء ، على التفصيل التالي :



الرأي الأول : ذهب إلى أن المقصود بدعوى الزوجية ، الدعوى التي يطلب فيها الحكم بالزوجية فقط، و هي دعوى تهدف إلى التحقق من قيام عقد الزواج ، سواء من حيث صحته أو فساده ، فلا تسمع بالتالي ، أما الدعاوى الأخرى الناشئة عن الآثار المترتبة على هذا العقد ، مثل دعوى النفقة و الطاعة .... فتسمع و لوكان عقد الزواج غير ثابت في وثيقة رسمية ، أو كانت سن الزوجين أوأحدهما أقل عن الحد الأدنى المقرر قانوناً، و قد ارتكن هذا الرأي إلى أن المشرع عبر في النصوص عن الدعوى المقصودة بدعوى الزوجية ، كما جرى على تسمية دعاوى أخرى ، فقال " دعوى النفقة " و " الطاعة " ، فاستدلوا بذلك على المغايرة بين دعوى الزوجية و غيرها من الدعاوى ( هذا الرأي مشار إليه في : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 302 ) . و قد ذهبت بعض الأحكام إلى تأييد هذا الرأي و أخذت بظاهر النص ، استناداً إلى أن القول بسريان المنع على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج هو توسع في نص القانون الصريح ، و هو قيد ورد استثناء من أصل جواز السماع ، فيجب الإقتصار فيه على موضع النص ( مشار إليه لدى المستشار/ البكري ص 132 هامش 4 ).



الرأي الثاني : ذهب إلى أن المنع يشمل دعوى عقد الزواج و الدعاوى الناشئة عن الآثار التي تترتب عليه ، و حجتهم في ذلك أن عقدالزواج غير مقصود لذاته ، بل لما يترتب عليه من آثار، فمدعي الزواج لا يقصد بدعواه – و لا يستفيد منها – إلا آثار الزوجية المترتبة عليه ، و لا يمكن أن يكون مقصد المشرع من النهي عن سماع دعوى الزوجية النهي عن سماع عقد الزواج فقط دون النهي عن سماع دعوى النفقة و الطاعة والإرث ، و غير ذلك من الحقوق المترتبة على الزواج ، لأنه لو كان مقصده هذا لأصبح نهيه عديم الأثر و القيمة ، إذ في استطاعة المدعي أن يترك دعوى عقد الزواج ، و يدعي بما شاء من الآثار المترتبة على الزواج فتسمع دعواه و يحكم له بما طلب و حسبه هذا و كفى , ثم هو غني عن الحكم له بثبوت عقد الزواج ، ما دام يستطيع الحصول على الحكم له بما شاء من آثار هذا العقد بدون أي استثناء ، و حاشا أن يكون هذا هو مقصود المشرع ( هذا الرأي مشارإليه لدى : المستشار/ أحمد نصر الجندي ص 303 ) ، و واضح أن هذا الرأي نظر إلى الغاية من النص و ليس ظاهره .



و أضاف أصحاب هذا الرأي بأن دعوى النفقة أو الطاعة أوالصداق اوالإرث أو اية دعوى بسبب الزواج هي دعوى عقد زواج وزيادة، لأن الزوجة التي تدعي النفقة على زوجها تدعي عقد الزواج ، و تزيد على ذلك استحقاق النفقة عليه ، فدعواها مؤلفة من جزءين : دعوى الزواج ، و دعوى استحقاق النفقة ، و ليس في وسع القاضي أن يمتنع عن سماع الزواج ثم يحكم بأثره المترتب عليه ، لأنه متى سقط الأصل سقط الفرع ( د/ عبد العظيم شرف الدين – أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية 1961 – ص 174 ).



و إزاء هذا الخلاف بين الرأيين سالفي الذكر، صدر منشور وزارة الحقانية ينص على أن دعوى الزوجية لا تسمع مطلقاً سواء كان النزاع في ذات الزوجية أم فيما ترتب عليها من آثار( المستشار/ الجندي ص 304 ).



و بالرأي الثاني أفتت دار الإفتاء المصرية ، حيث انتهت إلى أن :

" ...... المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 قد نص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أن ............... ، و مقتضى ذلك أن القانون لم يشترط لصحة عقد الزواج أن يكون بوثيقة رسمية ، إنما اشترط ذلك لسماع الدعوى بين الزوجين في الزوجية و آثارها كالطاعة و النفقة و غيرها ما عدا النزاع في النسب .......) فتوى بتاريخ 1/2/1957 مشارإليالدى المستشار/ البكري ص 132 ، 133 .



الرأي الثالث : ذهب إلى التفرقة بين أمرين :

1- دعوى الزوجية ، أي دعوى الزواج الذي تكون فيه الزوجية محل نزاع بين الخصمين ، فهذه الدعوى لاشك أنها غير مسموعة إلا إذاوجد المؤيد لها .



2- الحقوق التي تنشأ عن عقد الزواج ، و هي قسمان :

أ – قسم لا يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد الزواج إذ ادعي ، كالنسب و المهر، فإنهما يثبتان بالوطء بشبهة ، فلا شك في أن الدعوى بهما مسموعة و لو لم يوجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ، لأن القاضي لا يسمع في ضمن الدعوى بها دعوى الزوجية ، بل يسمع دعوى الوطء بشبهة ، و فيه استوفى الرجل منافع البضع ، فلزمه البدل من أجل ذلك .

ب – قسم من الحقوق يتوقف سماع الدعوى به على ثبوت عقد زواج صحيح كالنفقة و الطاعة و الإرث ، فالدعوىبأحد هذه المواد لا يجوز سماعها إلا إذا وجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ( مشا رإليه لدى المستشار/ الجندي ص 304 ). و الملاحظ على هذا الرأي أنه قريب من الرأي الثاني .



و قد ذهبت محكمة النقض إلى تأييد الرأي الأخير ، حيث قضت بأنه :

" متى كانت دعوى المطعون ضده هي دعوى إرث بسبب البنوة ، و هي دعوى متميزة عن دعوى إثبات الزوجية أو إثبات أي حق من الحقوق التي تكون الزوجية سبباً مباشراً لها ، فإن إثبات البنوة الذي هو سبب الإرث لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من قيد على سماع دعوى الزوجية او ألإقرار بها ، إذ لا تأثير لهذا المنع على دعوى النسب ، سواء كان النسب مقصوداً لذاته أو كان وسيلة لدعوى المال ، فإن هذه الدعوى باقية على حكمها المقرر في الشريعة الإسلامية حتى و لوكان النسب مبناه الزوحية الصحيحة " . الطعن رقم 12 لسنة 44 ق – جلسة 4/7/1976 .



هذا هو الوضع في ظل القانون الملغي ، فماذا عن الوضع بعد صدور القانون الجديد ؟ هذا ما سنعرض له الآن .



الدعاوى التي لا تقبل بعد العمل بالقانون الجديد :

يبدو أن المشرع يبغي بنا رهقاً ، حيث تمسك بهوايته المعتادة في إثارة الاختلاف و اللبس دون داع ، فقد جاء نص المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ناصاً على عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلم يرفع الخلاف السابق ، و إنما أنشأ خلافاً على عكس هذا الخلاف ، فقد كان الوضع السابق في ظل المادة 99 الملغاة أن دعوى الزوجية لا خلاف على سريان المنع عليها إذا لم يكن الزواج ثابتاً في وثيقة زواج رسمية و أنكر المدعى عليه الدعوى ، و كان الخلاف : هل تدخل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ضمن دعوى الزوجية المشار إليها في النص المذكور ، فلا تسمع هي الأخرى إذا توافرت شروط عدم سماعها ، أم لا ؟ ، أما بعد صدر القانون الجديد و النص في المادة 17 منه على عدم قبول ( الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ) ، فقد أصبحت الدعاوى المذكورة في النص الجديد لا تقبل عند الإنكار بلا خلاف في ذلك ، و إنما أصبح الخلاف حول دعوى الزوجية ، هل تدخل ضمن الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج و تخضع بالتالي للمنع الوارد بالنص أم لا ؟







الإجابة عن ذلك لا تخرج عن أحد رأيين :



الأول : ما ذهب إليه البعض من أن الدعاى الناشئة عن عقد الزواج هي دعاوى تفترض قيام عقد الزواج و قيامه صحيحاً ، و القانون قد ورد به العديد من الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، كالنفقة والمهر و الجهاز و تحقيق الوفاة والوراثة إذا كانت الزوجة ضمن ورثة المتوفي و الطلاق أو التطليق ، و غير ذلك كثير، و هذه الدعاوى جميعها تختلف عن الدعوى التي تتعلق بانعقاد عقد الزواج ، و شروط صحته ، أو نفاذه أولزومه ، فالدعوى بأحد هذه المسائل سواء من الزوج أو من الزوجة تختلف في موضوعها عن أي دعوى ناشئة عن عقد الزواج ، و انتهى هذا الرأي إلى أن نص المادة 17 سالف الذكر لم يتناول هذه المسائل الخاصة بعقد الزواج ، و اكتفى بالدعاوى الناشئة عنه ( المسشتار/ أحمد نصر الجندي – المرجع السابق – ص 305 ، 306 ). و مفاد هذا الرأي أنه يمكن لمن تزوج عرفياً – رجلاً أو امرأة – أن يقيم دعوى لإثبات هذه الزوجية دون أن يملك المدعى عليه دفعها بالإنكار باعتبارها لا تخضع لهذا المنع الوارد بنص المادة 17 آنفة الذكر.







و قد أكدت ذلك محكمة النقض ، حيث قضت بأن :

" القيد المنصوص عليه في المادتين 99 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تقديم وثيقة زواج رسمية قاصر على الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ، فلا يمتد إلى الدعاوى الناشئة عن النزاع في ذات الزواج أو في وجود الزوجية ، فيجوزللزوج أو للزوجة اثبات الزوجية عند الإنكار أو وجود نزاع فيها و لو لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية ".

الطعن رقم 643 لسنة 73 ق – جلسة 23/4/2005 .



و الرأي السابق أوجب الرجوع بشأن هذه المسألة ( إثبات دعوى الزوجية ) إلى نص المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 التي نصت على أن يعمل فيما لم يرد به نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة .

و لا مراء أن الرأي المذكور له وجاهته و سنده ، و لكن الأخذ به يؤدي إلى تناقض غريب ، فهو يعني أن المشرع يعترف بدعوى الزوجية أي بعقد الزواج العرفي و يقر قبولها أمام القضاء ، في الوقت الذي لا يعترف و لا يقبل الدعاوى الناشئة عنه ، فطالما أنه لا يقبل الدعاوى بآثار عقد الزواج ، فلا فائدة عملية ترجى من قبول دعوى الزوجية .



و قد ذهب البعض – ممن له وزنه و مكانته المرموقة – إلى أن مؤدى حكم محكمة النقض المشار إليه سلفاً – بإخراج دعوى الزوجية من القيد – حق المتزوجة عرفياً في طلب الحقوق المترتبة على عقد الزواج العرفي من نفقة أو حضانة وغير ذلك ، شريطة أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين ، أولهما : طلب إثبات صحة ونفاذ عقد الزواج العرفي ، ثانيهما : المطالبة بما يترتب على ثبوت العقد من حقوق تشكل جوهر طلبها الثاني من نفقة أو حضانة أو غير ذلك ، وإن كان ذلك يسبتلزم صيرورة الحكم الصادر في الطلب الأول بإثبات الزواج العرفي نهائياً حتى لا يحرم المدعى عليه فيه من التقاضي على درجيتن باعتباره مما يتعلق بالنظام العام ( المستشار/ أشرف مسطفى كما ل- موسوعة الأحوال الشخصية – ص 208 ).



و هذا الراي - عندي - محل نظر، مع احترامي و تقديري الشديد لصاحبه ، ذلك أنه و إن جاز لجوء المتزوجة عرفياً إلى القضاء للمطالبة بإثبات زواجها العرفي وفقاً لقضاء محكمة النقض آنف الذكر، و عدم خضوعها لقيد عدم السماع الوارد بصدر الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 ، إلا أنها تخضع للإستثناء الوارد بعجز الفقرة الثانية المذكورة ، فالأصل ألا تُسمع – مطلقاً – الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ، إلا أن المشرع لأسباب ارتآها و ارتضاها أجازعلى سبيل الإستثناء ( قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة ) ، فالمتزوجة عرفياً و على فرض حصولها على حكم بإثبات زواجها و صحته ، ما زال عقدها عرفياً , غير ثابت بوثيقة رسمية ، فالأحكام كاشفة و ليست منشئة ، و حيث إن المشرع و إن رتب على ثبوت الزواج العرفي بأية كتابة قبول دعوى التطليق أوالفسخ إلا أنه لم يجز قبول أي دعوى أخرى غيرهما ، و ليس للمتزوجة عرفياً بالتالي المطالبة بأية حقوق مترتبة على زواجها العرفي أو مترتبة على الحكم بالتطليق أوالفسخ ، و القول بغير ذلك – بلا أدنى شك – إفراغ للقيد الوارد بالفقرة الثانية من المادة 17 المذكورة سلفاً من مضمونها، و وصم للمشرع بالعبث ، إذ ما أيسر الأمر على كل متزوجة عرفياً أن تلجأ للقضاء إثباتاً لزواجها العرفي و المطالبة من بعد بحقوقها المترتبة على هذا الزواج ، و هو ما تدخل المشرع لمنعه بنصوصه الواردة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 و من بعده القانون رقم 1 لسنة 2000 بعد أن كان جائزا ، و القاعدة أن المشرع لا يعبث و لا يلغو ، و في هذا الرأي أيضاً إهدار للصيانة التي ابتغاها المشرع للزواج من العبث و الجحود حماية لركائز المجتمع و تثبيتاً لأركانه .





الرأي الثاني : أن يقال أن دعوى الزوجية تخضع للمنع الوارد بنص المادة 17 ، و لكن النص المذكور لا يساند هذا الرأي ، إلا أن يقال بأن المشرع منزه عن العبث ، و لا يمكن أن يمنع قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج غير الرسمي ( العرفي ) ثم يقبل دعوى العقد ذاته ، لاسيما و أن المشرع ما تدخل بمثل هذه الصور إلا لمواجهة هذا الزواج غير الرسمي ، في محاولات منه لمنع اللجوء إليه ، حارماً أطرافه من آثاره قضاء ، و لكن هذا الرأي يعوزه السند الصحيح في مواجهة النص الصريح ، وما كان لهذا الخلاف أن يقع لو كان المشرع يقظاً في تحديد الفاظ النصوص القانونية ، مبتعداً في تشريعه عن الأهواء .



لا مراء أن عقد الزواج سيكون محلاً لدعاوى عديدة يطالب أطرافه من خلالها بإثبات هذه الزوجية أو هذا الزواج أو العقد ، استناداً إلى ظاهر النص و ماذهب إليه أصحاب الرأي الأول و قضاء محكمة النقض المذكور سلفاً ، و نظراً لاحتمال قبولها ، فسوف تضطر محكمة الموضوع في سبيل الفصل فيها إلى التطرق إلى إثبات الزواج شرعاً ، بحثاً عما إذا كان مدعي الزوجية قد أفلح في إثبات دعواه فيقضى له بها ، أم عجز و فشل فترفض ، الأمر الذى أرى معه وجوب بيان طرق إثبات الزواج شرعاً حتى يستكمل البحث مقوماته الأساسية ، و إذا كانت المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 تنص على أنه يعمل فيما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة ، فإن بحث إثبات الزواج سيكون من خلال مذهب أبي حنيفة و بإيجاز، بحسبان أن المشرع لم يتطرق إلى تنظيم تلك المسألة ، و هذا ما سأعرض له في بداية الجزء الثالث من هذا البحث إن كان في العمر بقية ، و الحمد لله رب العالمين .
منقول
عطيه عبدالله المحامى
عطيه عبدالله المحامى
مشرف
مشرف

عدد المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 31/05/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى