منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
*منتدي شعبان مجاورعلي المحامي يشرفه زيارتكم وتسعده المشاركة*
منتدي شعبان مجاورعلي المحامي ـ أهناسيا ـ بني سويف مصــــــــر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

النداء في القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل

النداء في القرآن الكريم Empty النداء في القرآن الكريم

مُساهمة من طرف شعبان مجاورعلي المحامي الخميس 27 ديسمبر 2012, 8:56 pm

رسالة دكتوراة


موضوعها

النداء في القراآن الكريم
بقلم / مبارك تريكي - الجزائر

ملخص الرسالة

مقدمة:


لقد تولدت لدي رغبة البحث في الدراسات
القرآنية منذ السنوات الأولى من دراستي الجامعية، حيث وجدت المعارف اللغوية
التي كنت أتلقاها الأرضية مهيأة، إذ كنت قد حفظت القرآن في طفولتي، فلما
توسعت مداركي ومعارفي اللغوية، ازدادت تلك الرغبة علي إلحاحا،، فشعرت بحاجة
ماسة إلى أن أتناول جانبًا من الجوانب القرآنية، لتجد تلك المعارف اللغوية
طريقها إلى التطبيق، وكان لي ذلك حيث لما فتح الله علي بالنجاح في مسابقة
الدخول إلى الدراسات العليا ازدادت تلك الرغبة عندي، فعملت على تحقيقها
بتناول -المصدر في القرآن الكريم- موضوعًا لنيل شهادة الماجستير، وهو الأمر
الذي جعلني أعايش عن قرب أسرار النص القرآني من كل جوانبه اللغوية،
والنحوية، والصرفية، والبلاغية، والدلالية، والإعجازية الأمر الذي شجعني
على مواصلة هذه المعايشة بتبني مشروع جديد لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: (النداء في القرآن)
ولئن كان النداء قد تناوله بالدراسة العلماء، كل في مجال اختصاصه، حيث
تناوله النحاة من الناحية النحوية، وتناوله البلاغيون من الناحية البلاغية،
كما تناوله الأصوليون، والمناطقة من زواياهم المختلفة، بهدف استنباط
الأحكام، والتدليل على صحتها، قلت فلئن كان لهم ذلك فإن ذلك لا.


يمنعنا نحن اليوم من أن نتناوله بالدراسة
برؤية علمية جديدة لكنها متأصلة، تربط بين التراث والمعاصرة، فالموضوع -كما
نرى- في حاجة إلى مثل هذه المعالجة، خاصة بعد الثورة الغزيرة في الحقل
اللساني في هذا العصر، وما أحدثته من مناهج ومفاهيم، ونظريات لها إسهاماتها
الإيجابية على الدرس اللغوي عمومًا، وعلى فهمنا المتجدد للقرآن الكريم
خصوصًا، ومن هنا تظهر لنا أهمية البحث في موضوعنا -النداء في القرآن- في
ضوء هذه المناهج، والنظريات، والمفاهيم، ومنه أيضًا يكتسب مشروعنا هذا مبرر
وجوده، وشرعيته، حيث إنه يتناول الجملة الندائية القرآنية من الوجهة
النحوية، والبلاغية، واللسانية، والأسلوبية، والدلالية، وهي الدراسة التي
يفتقد إليها موضوعنا هذا -فيما نزعم-، حيث لم تتم معالجته بهذه الكيفية حسب
معلوماتنا إذ لم يتناوله أحد بصفة شمولية، وبرؤية علمية حديثة، وما نجده
مكتوبًا عن النداء القرآني في كتب التفاسير، والدراسات القرآنية يقتصر على
الجانب النحوي، والبلاغي دون الجوانب اللسانية، والدلالية، ثم أننا لم نجد
أحدًا تتبع بطريقة إحصائية استقصائية النداءات القرآنية كلها، لذلك آلينا
على أنفسنا أن نقوم بهذا الأمر، وأن نتحمل عبئه.


فالنداء بوصفه أحد أساليب اللغة التي وجد
فيها المبدعون أداة طيعة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم إذا نظرنا إليه بهذه
الرؤية الجديدة المتأصلة فإننا نتوقع أن تنفتح أمامنا آفاق رحبة، تمكننا من
الغوص في بلاغة النص القرآني، وبالتالي الكشف عن أغراض البنى الندائية
المتواترة فيه اعتمادًا على المساق العام أي السياق المقامي، والسياق
المقالي، أعني بالسياق هنا: العوامل الخارجية المؤثرة في إنتاج النص
القرآني كأسباب نزول الآي ومكان نزولها وفيمن نزلت أما السياق المقالي
فأعني به العوامل الداخلية للنص القرآني - أي تعلق الكلم ببعضها بعضًا -
واعتمادا أيضًا على التحاليل اللسانية التي أجريناها على عدد من البنى
الندائية القرآنية وغير القرآنية فهذه الجوانب من الدراسة تفتح لنا آفاقًا
حول وظيفة الجملة الندائية، إذ من المعلوم عند علماء اللسانيات أن النداء
يؤدي وظيفة أساسية حيث أنه يعتبر أهم الصيغ التعبيرية دورانًا على الألسنة،
يلجا إليه الإنسان في كل الظروف على اعتبار أن الاتصال بين إنسان وآخر يتم
عن طريق التخاطب، والنداء أحد أدوات هذا التخاطب، بل إنه يشكل وحده عناصر
دورة التخاطب، فالأسلوب الندائي يتكون من مخاطب بكسر الطاء، ومخاطب بفتح
الطاء، وصيغة الخطاب.


فالدراسة إذا سعت إلى رصد بنى خطابية في
النص القرآني من خلال الكشف عن أشكالها فيه، مقارنة بأشكالها المنصوص عليها
واقعيًا وقواعديًا في اللسان العربي، ومن ثم فهي أجابت عن تساؤلات عدة
نراها تؤسس لإشكالية الدراسة وهي: ما هي البنى الندائية الموظفة في النص القرآني؟ وما
هي أشكالها؟ لماذا أكثر القرآن من هذا الشكل وأهمل الأشكال الأخرى؟ ما
دلالة هذه البنى وهي تتفاعل مع بنى خطابية أخرى؟ ما هي البنى الخطابية
الأكثر تجاورًا للبنى الندائية في القرآن ولماذا؟ ما هي أكثر الأسماء
مناداة ولماذا؟ فالدراسة إذا حاولت الإجابة عن هذه التساؤلات التي انطلقت
منها.


هذا ولما كان من الضروري أكاديميا أن يكون لكل بحث مساحة يدور في فلكها فلا يتجاوزها أبدا، فقد قسمناه إلى بابين اثنين:

الباب الأول: وقد خصصته لدراسة النداء في اللسانيات العربية:وقد فرعته إلى ثلاثة فصول هي:

الفصل الأول: النداء
في النحو العربي: وفيه عملت على تتبع البنية الندائية عند النحاة، وكانت
البداية مع أوائل النحاة فوجدت أنها تحظى بموقع متميز عندهم، إذ لا يخلو
كتاب ذو أهمية في النحو منها، ثم هي تشغل حيزاً كبيرًا في مساحة الخلاف
النحوي بين البصريين،والكوفيين، وسبب ذلك لأهميتها في العملية التواصلية.


الفصل الثاني:
النداء في البلاغة العربية:وفيه عملت أيضا على معايشة البلاغيين في نظرتهم
للجملة الندائية،فأدركت من هذه المعايشة أن النداء أحد الموضوعات البلاغية
المهمة التي وجد فيها المبدعون متنفسا للتعبير عن خوالجهم،وأدركت أيضا
طريقة معالجة البلاغيين للنداء،والزاوية التي نظروا من خلالها إلى هذه
البنية فاكتملت بذلك عندي الرؤية العلمية للموضوع،وهو الأمر الذي جعلني ألج
الفصل الثالث.


الفصل الثالث:
النداء بين النحويين والبلاغيين: وفيه قارنت بين نظرة النحويين وطريقة
معالجتهم للنداء، ونظرة البلاغيين وطريقة معالجتهم للنداء أيضًا، فوجدتها
تتكامل، وتتواصل حتى وإن كان لكل دراسة حدودها، فإنها تتداخل أحيانًا كثيرة
إذ كثيرا ما نجد النحويين يتحدثون عن الجوانب البلاغية للنداء، وهو ما
رأيناه عند سيبويه، وابن السراج،وغيرهما.


أما الباب الثاني: الذي
خصصته للدراسة التطبيقية على البنى الندائية القرآنية، والمعنون بـ:
النداء في القرآن الكريم:والذي هو موضوع الدراسة في حقيقة الأم، فقد قسمته
أيضا إلى ثلاثة فصول:

أولها،
معنون بـ: وصف بنية الجملة الندائية في القرآن: وعليه فقد عمد هذا الفصل
إلى الوصف الشكلي للجملة الندائية القرآنية كما هي متواترة في النص
القرآني، وذلك برصدها في مواقعها، وإبراز علاقاتها التركيبية من حيث ذكر
الأداة، أو حذفها،ومن حيث توافرها على العملية الاسنادية أم لا، حيث أظهرها
الوصف الأولي أنها جملة قائمة على الإسناد غير الظاهر،ولكن التحليل أظهرها
أنها تتوفر على إسناد نحوي يتكون من إسناد تام في أسلوب خبري.


كما سمح لنا هذا الفصل الوصفي برصد أشكال
البنى الندائية القرآنية،وتصنيفها من حيث تنوع المنادى، منادى حقيقي أو
مجازي، أو مستغاث به، أو مستغاث له، أو منه، أو مندوب، وهي كلها أشكال
مظهرية للبنى الندائية مجسدة في القرآن الأمر الذي جعلنا نفيد في هذا الفصل
من اللسانيات الإحصائية، حيث مكننا هذا المنهج الوصفي المدعوم بالإحصاء من
رصد البنى الندائية في القرآن كله بطريقة حصرية، وتصنيفها طبقا لأشكالها
المظهرية، فأحصينا البنى الندائية المذكورة الأداة، والمحذوفة الأداة،
وأحصيناها كذلك طبقا لأشكالها المذكورة سلفا، كما مكننا هذا المنهج اللساني
الوصفي من معرفة شيوع بنى خطابية معينة تلحق بالبنى الندائية القرآنية،
فالنداء القرآني غالبا ما وجدناه يتبع بأفعال أمرية أو أفعال مسبوقة بأدوات
النفي أو النهي، أو لنقل عنه انه بنية خطابية ندائية متبوعة ببنية خطابية
أخرى في أساليب أمرية أو منهية أو منفية.


الفصل الثاني:
تحليل الجملة الندائية القرآنية في ضوء الاتجاهات اللسانية الحديثة: حيث
اقترحت دراستنا هنا وصفا آنيًا شكليًا للجمل الندائية المتواترة في النص
القرآني برمته، على اعتبار أن الدراسة النحوية للجملة هي جوهر النحو العربي
فهي عبارة عن مجموع المكونات المباشرة، والعلاقات بينها في نظام نحوي موحد
صارم، وكانت هذه الاتجاهات اللسانية الحديثة، ومدارسها قد أفرزت كمًا
هائلًا من المفاهيم،والمصطلحات، والطرق الوصفية التي من شانها أن تمكن
الباحث من المناظرة النحوية بين اللغات البشرية، وعليه فنحن نعتقد أن النحو
العربي بما يملك من وجاهة نظرية، ومنهجية مستفيد لا محالة من القراءة
اللسانية الحديثة في موضوع نظام الجملة، وقد أقيمت دراسات عربية عديدة وظفت
فيها هذه المفاهيم اللسانية الحديثة توظيفًا له أثره الطيب على الدرس
النحوي العربي، خاصة في نظام الجملة، ولذلك فنحن رأينا أن استفادتنا من هذه
المناهج، والمفاهيم مؤكدة،ومن أوجه مختلفة، فدراستنا للجملة الندائية في
ضوء الاتجاه اللساني الوظيفي مكنتنا من وصف الجملة الندائية وصفا نحويًا
تركيبيًا ذلك أن العلاقات النحوية في نظر هذا الاتجاه الوظيفي موطنها
الجملة، والعلم بالجملة هو علم بالتركيب، والعلم بالتركيب هو إدراك
للعلاقات بين مكوناته الدلالية، فالبنية هنا مرهونة بالوظيفة في كل سياق
دلالي، ولذلك حلل الوظيفيون الجملة إلى وحدات دلالية دنيا، وعليه فنحن
استفدنا من هذه النظرية في تحليل البنية الندائية القرآنية إلى
مركباتها،والعلاقات التركيبية التي تتضمنها.


أما الاتجاه اللساني التحويلي التوليدي
لصاحبه ناعوم تشومسكي فان استفادتنا منه كانت أقوى من المدرسة الوظيفية
والتوزيعية، ذلك أن هذا الاتجاه اللساني مكننا من دراسة البنى الندائية
القرآنية دراسة تنظيمية مستقلة، وعليه فالمظاهر الإيجابية لهذا الاتجاه
وخاصة المنهجية منها كانت لنا جد مفيدة لتحليل البنية الندائية في إطار
الدراسة التحويلية التوليدية، فدراسة الجملة في ضوء هذا المنهج استدعت
اللجوء إلى استعمال مفاهيم البنية السطحية، والبنية العميقة، وكذا قواعد
إعادة كتابة الجملة، وهي المفاهيم التي يرتكز عليها النحو التحويلي
التوليدي، وهذا الاتجاه الذي كان قد أبعد في بدايته المعنى كلية من دراسته
مكتفيا بالجانب الشكلاني لنظام الجملة، ثم عاد ليدخل المكون الدلالي في
تحليله لنظام الجملة كان حاضرا في هذه الدراسة، ومنه نقول إن أوجه
الاستفادة من الاتجاهات اللسانية الحديثة -وظيفية وتحويلية توليدية
وتوزيعية- في دراستنا هذه أمر مؤكد -في حدود استطاعتنا-، فالتحليل التوليدي
التوزيعي الذي أساسه الجملة باعتبارها مجموعة مركبات نحوية متناسقة في
بنية نحوية خطابية يشكل من وجهة نظرنا جهازاً نحويًا مفيداً في عملنا هذا
المتعلق بالجملة الندائية خاصة في قضايا المكونات المباشرة للجملة -في
بنيتيها السطحية والعمقية- والجملة الندائية يتجسد فيها هذا الوصف، فهي
مظهريا تبدو بنية سطحية وكأنها خالية الإسناد تتوافر على أداة مذكورة أو
محذوفة، ومنادى، أما عمقيا فالتحليل يثبت أنها بنية خطابية ذات دلالة
تنغيمية إفهامية موفورة الإسناد.


وعليه نقول مجددًا إن النظريات النحوية،
واللسانية كانت جديرة بالاهتمام في دراستنا هذه، إذ ساعدتنا على تبيين
خصائص البنية الندائية القرآنية باعتبارها بنية خطابية نحوية تتمفصل
موقعيًا داخل الخطاب القرآني برمته، والمتكون من عدد من البنى النحوية
المتميزة، وانطلاقا من أبنية الجمل التي تقدمها هذه النظريات اللسانية
أمكننا تحديد الجملة الندائية بأنها تشكل نمطًا ثابتًا في القرآن، وفي
قواعد النحو العربي لا تخرج عنه أبداً، وهي ذات نظام علاقات بين مركبات
نحوية متميزة بالمعنى والوظيفة تجري في سياق لغوي معين، وهي تختص بخاصية
التقطيع، والتحليل إلى مكونات مباشرة، وإن كانت بعض مكوناتها لا تظهر إلا
في البنية العميقة، ولذلك توصف هذه البنية بالاستقامة النحوية شكلاً
ومعنى،فهي إذا بنية محكمة من جهة مكوناتها، وعلاقاتها بالبنى المحيطة بها
وإن كانت قد وصفت بلاغيًا بالإنشائية فإن ذلك لا يخرجها من دائرة الوصف
النحوي الثابت.


الفصل الثالث: الأوجه
الدلالية للجملة الندائية القرآنية: وأما الفصل الثالث الذي خصصناه للأوجه
الدلالية للجملة الندائية في القرآن فإننا تناولنا فيه دلالة النداء
نحويا، باعتباره وحدة دلالية قاعدية داخل الخطاب القرآني تؤدي وظيفة نحوية
كالمفعولية، والفاعلية، ونيابة الفاعل، والاستئناف...على أن دلالتها أو
وظيفتها النحوية طبقًا للعلاقات النحوية التي تربطها بالبنى الخطابية
الأخرى المندرجة ضمنها، وطبقا للسمات الانتقائية الخاصة بالعناصر اللسانية
التي تسبق أو تلحق البنية في سياق النص القرآني، كما نظرنا من خلال هذا
الفصل في التوسع الدلالي الذي يقع للبنى الندائية في القرآن وهو المعروف
حديًثا بالانزياح فتمسي إذ ذاك دلالته موسعة، فكثيرًا ما تنتقل البنى
الندائية من دلالتها الحقيقية إلى دلالة مجازية، يظهر ذلك حين يتوجه النداء
إلى ما لا يعقل وهو كثير في القرآن، حيث نادى القرآن جميع أصناف الخلق
الإنس والجن، الأرض والسماء... على أنه يجب التنبيه هنا إلى أن النداء
الإلهي لهذه المخلوقات غير العاقلة قد يعتبر عند بعضهم حقيقة لا مجازًا.


ولعل أكثر ما يظهر التوسع الدلالي للنداء
القرآني حين يخرج النداء عن معناه الأصلي إلى معان أخر تستشف من السياق،
وهي كثيرة جدا منها الدعاء وهو كثير في القرآن، والتحسر، والندامة... إن
التوسع الدلالي للنداء القرآني حاصل على أكثر من صعيد، فهو حاصل حين خروج
النداء عن معناه الأصلي، وحاصل كذلك حين يجري القرآن -وفي أكثر من موقع-
النداء على لسان أحد البشر، قد يكون رسولًا أو نبيًا أو شخصًا آخر، فهنا
يتنوع الثراء الدلالي للبنى الندائية، بتنوع من أجري الخطاب الندائي على
لسانه.


أما دلالة النداء السياقية المقامية فإننا
عملنا من خلالها على كشف دلالة البنى الندائية القرآنية من خلال السياق
العام، ذلك أن النداء من الجمل الموسومة بنغم صوتي دلالي، وظيفته تنبيهية
إشارية إفهامية، كما هي مجسدة في عدد من المواقع القرآنية، وقد لجأنا إلى
المقام لتحديد دلالة العديد من البنى الندائية في القرآن على اعتبار أن
مقولة العرب -لكل مقام مقال- مجسدة في النص القرآني، وعليه فالكثير من
الجمل الندائية القرآنية لا تفهم فهمًا صحيحًا بمعزل عن المساق العام للنص
القرآني الواردة فيه، ونعني به هنا أسباب نزول السورة أو الآية التي تواترت
فيها البنية الندائية المقصودة بالدراسة، وكذا فيمن نزلت، وزمن النزول،
والبنى الخطابية الأخرى المحيطة بها، فهذه كلها عوامل مساعدة على فهم
أبعادها الدلالية، وبمعنى أدق أن البنية الندائية لا تدرس معزولة عن سياقها
وإلا أصبحت مجرد بنية غير واضحة الدلالة اللهم إلا الدلالة التنبيهية
المفهومة من الصوت.


كما حاولت في هذا الفصل تحديد نسبة شيوع
بعض الأسماء المناداة مقارنة بمجموع المناديات في القرآن،لما لهذا الأمر من
دور في الدلالة، ومحاولة تبيان ما أسميته بالدلالة الصياتية للجملة
الندائية القرآنية وقد ركزت فيه على إبراز دور الجانب الموسيقي لحروف
النداء في بعض الآيات الندائية القرآنية وأثره دلاليا وإبلاغًيا.


وعليه يمكن القول إن دراستنا هذه متأصلة
لأنها أفردت بابًا كاملًا وهو الباب الأول بفصوله الثلاثة لقواعد النحو
العربي والبلاغة العربية، وذلك بهدف وضع البحث في قسمه النظري في إطاره
الأصيل، وهي توسم بالحداثة والعصرنة، لكونها أفردت بابًا كاملًا أيضا هو
الباب الثاني وبفصوله الثلاثة كذلك وهو القسم التحليلي التطبيقي، لتجسد فيه
بعض قواعد أهم المدارس اللسانية المعاصرة، حيث وظفنا فيه أهم المفاهيم
اللسانية التي جاءت بها هذه المدارس ابتداء من مفاهيم الوظيفية، كمفهوم
الفونام والمونام، والتقطيع المزدوج، والوحدات التابعة، والمستقلة... إلى
مفاهيم المدرسة التحويلية التوليدية التي عمل بحثنا هي الأخرى على توظيف
بعض مفاهيمها، كمفهوم البنية السطحية، والعميقة، ومفهوم السلامة النحوية،
والتحويل بأنواعه... مرورًا ببعض مفاهيم المدرسة التوزيعية... فتكون هذه
المفاهيم قد وجدت الأرضية صالحة لتجسيدها في الجملة العربية، ومنها الجملة
الندائية القرآنية.


هذا؛
وإذا كان لكل بحث هدف يرمي إليه، وغاية يصل إليها، فان بحثنا هذا هذه هي
أهدافه وغاياته التي عمل على تحقيقها، والوصول إليها، وإذا كان أيضا كل بحث
ينشد الكمال، أو يحاول الاقتراب منه -وهو أمر لا ندعيه- فقد عملنا بجدية
على أن يكون البحث متوفرًا على حد أدنى من المواصفات التي تجعله بحثًا
علميًا، ولما كان الأمر كذلك، فقد واجهتنا صعوبات اعترضت مشروعنا هذا فولدت
لدينا الإصرار على مواجهتها، ومن ثم كانت سعادتنا كبيرة إذ حلاوة البحث
تكمن في الصعوبات التي تعترض صاحبه، ومن ثم فقد يكون الإصرار على مواجهة
هذه الصعوبات قد لعب دوًرا قويًا في وصولي إلى هذه الغاية، ولعل من
الصعوبات التي واجهتنا ونحن ننجز البحث هي:

1- كثرة الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين في النداء، وصعوبة ترجيح رأي على آخر لقوة الدليل عند كل قبيل.


2-
كثرة الخلاف بين معربي القرآن الكريم في عدد غير قليل من الكلمات التي
خرجها بعضهم على أنها منادى، ورفضها الآخرون الأمر الذي جعلنا نحتار في
كثير من الأحيان في ترجيح رأي على آخر لتكافؤ الأدلة عند القبيلين.


3-
اقتصار الدراسات الحديثة التي وظفت الاتجاهات اللسانية الحديثة وظيفية
تحويلية توليدية في اللغة العربية على الجملة المبنية للمعلوم ومقارنتها
بالجملة المبنية للمجهول أو الجمل المنسوخة.


4- قلة الدراسات العربية المطبقة للمفاهيم اللسانية الحديثة على القرآن الكريم لتهيب الدارسين من هذا الأمر فيما نزعم.


5- الحذر من عدم ملاءمة المفاهيم اللسانية الغربية على اللغة العربية،وقد اكتفينا نحن بالمفاهيم الملائمة للغتنا.


وبعد هذا لا يفوتني أن أتوجه بالشكر
الجزيل لكل من مد لي يد المساعدة بتقديم مرجع أو إسداء نصيحة، وأخص بالذكر
الدكتور محمد الحباس الذي تفضل بالإشراف على هذا البحث لحظة عرضه عليه، ولم
يبخل علي بالنصح والتوجيه، والتقويم طيلة المدة التي استغرقها البحث،
فجزاه الله عني خير الجزاء.


الخاتمة:


إلى هنا وعلى ما هو معهود عند الباحثين
يكون قد تبين لنا أن ما قدمناه من فرضيات في مقدمة بحثنا هذا، عملنا على
تحقيقه في البابين المكونين من ستة فصول.


فلدى تعرضنا للفصل الأول من الباب الأول المعنون بـ: النداء
في النحو العربي عملنا على الغوص في الفكر النحوي عند أوائل النحاة،
نستقرئ من خلاله آراءهم في النداء، فوجدنا أن النداء لم يكن غائبا عند
أوائلهم، وتمكنا من رصد العديد من الآراء لهؤلاء النحاة الأوائل تتعلق
بالنداء الأمر الذي يؤكد أصالة هذا الباب، وأوليته، ثم عملنا بعد ذلك على
محاورة نحاة البصرة، والكوفة في المسالة فوجدنا آراءهم مختلفة حولها وقد
بلغت المسائل المختلف حولها فيه ثمان مسائل فأثبتنا من خلال ذلك غزارة
الآراء، وكثافة القواعد التي تقنن للنداء، وخرجنا منها بنتيجة مفادها أن
النداء يحتل موقعًا متميًزا لدى نحاتنا وهذا دليل آخر على أهمية هذا
الأسلوب في العملية التواصلية بين المتخاطبين، لكثرة وظائفه اللغوية، وتدعم
هذا الرأي عندنا أكثر لما غصنا في البحث عن القواعد المقننة لأسلوب النداء
عند النحاة المتأخرين، وحتى المحدثين،ولم يكن بحثنا هذا في هذا الفصل يسلم
بآراء النحاة كما هي،بل كان يناقش النحاة آراءهم، ومن ثم فقد ارتضى البحث
بعض ما ذهب إليه هذا الفريق في هذه المسالة لقلة الدليل عنده، ورفض بعضها
الآخر لضعف الدليل فوقف مع الفريق الآخر ثانًيا، وأبدى رأيًا خاصًا به في
بعضها الآخر ثالثًا، ولم يجد البحث من خلال ذلك حرجًا في المجاهرة بالقول
بان النداء جملة، إذ وبعد تحليل التركيب الندائي ومقارنته بمفهومي الجملة،
والكلام عند القدماء اتضح أن النداء لم يكن يعوزه ما توافر للجملة من شروط
اشترطها عدد من النحاة القدماء كحسن السكوت مثلًا الذي اعتبر معيارًا يعول
عليه في مفهوم الجملة، ولم يكن البحث ليرضى بما قال به بعض المحدثين من
أقوال أخرجت النداء من قسم الجملة بعد أن أذهبت عنه تلك الصفة، ورأى البحث
أن هذه الأقوال يعوز أصحابها الدليل.


وفي الفصل الثاني:
والمعنون بـ:النداء في البلاغة العربية انتقلنا من الفكر النحوي إلى الفكر
البلاغي، فكانت لنا الفرصة سانحة لعرض أسلوب النداء عند البلاغيين، وقد
وجدناه حاضرا عندهم، فهو موضوع بلاغي مهم، وتتبعنا طريقة معالجتهم له
فوجدناها تكمل طريقة النحويين ومنهجهم، إذ أين توقف النحويون تدخل
البلاغيون، خاصة حين خروج النداء عن دلالته النحوية الأصلية إلى أغراض
بلاغية.


الفصل الثالث:
أما الفصل الثالث من هذا الباب والمعنون بـ: النداء بين النحويين
والبلاغيين، والذي كان خاتمة هذا الباب فقد خصصناه للحديث المقارني بين عمل
النحويين، وطريقة معالجتهم للنداء، وعمل البلاغيين، وطريقة معالجتهم
للنداء أيضًا، وقد خلصنا من خلاله إلى أن الفريقين يتمايزان في جوانب
ويتكاملان في أخرى، وذلك نظرا لطبيعة كل من الدرسين النحوي، والبلاغي، ومع
هذا التمايز فقد لاحظنا نوعًا من التداخل الذي سميناه تكاملًا، وذلك راجع
في نظري إلى عدم انفصال العلوم عن بعضها بعضا آنذاك، وعدم ظهور ظاهرة
التخصص في العلوم في تلك الفترة، ولذلك لاحظنا أن سيبويه كثيرًا ما عالج
القضايا البلاغية للنداء مثله ابن السراج أيضًا، لأنه إلى وقتهما لم تكن
العلوم الإنسانية قد انفصلت عن بعضها واستقلت كما هي في العصور المتأخرة.


الباب الثاني: أما الباب الثاني المعنون بـ: النداء في القرآن الكريم: والذي يعتبر البداية الفعلية للدراسة التطبيقية، فنجد:

الفصل الأول:
كشف الفصل الأول منه النقاب عن العلاقات التركيبية في الجملة الندائية في
القرآن الكريم، فوجدها محصورة في شكلين اثنين: مذكورة الأداة، ومحذوفة
الأداة،ووجد المذكورة الأداة تنحصر في أداة واحدة هي (يا)
أما من حيث نوع المنادى فوجدها تنحصر في أربعة أشكال هي: المنادى العلم،
نكرة مقصودة، نكرة غير مقصودة، المنادى المضاف، وقد كشف الوصف أيضا أن
القرآن الكريم يخلو من بعض الحالات التي تخرج إليها الجملة الندائية
كالاستغاثة، والندبة، والترخيم.


الفصل الثاني: المعنون
بـ: تحليل الجملة الندائية القرآنية في ضوء الاتجاهات اللسانية الحديثة:
وفي الفصل الثاني من هذا الباب الذي كان امتدادا طبيعيا للفصل الأول
انتقلنا إلى الدراسة الحداثية، حيث تناولنا بالتحليل الجملة الندائية
القرآنية بأشكالها الأربعة في ضوء الاتجاهات اللسانية الحديثة
الوظيفية،والتحويلية التوليدية.


أما تحليلها في ضوء الاتجاه الوظيفي فقد
كشف عن إمكانية المدرسة الوظيفية بما تتيحه من مفاهيم، ومعطيات نظرية
مكنتنا من تحليل البنى الندائية عموديًا وأفقيًا، وان أظهرت عجزا في تحليل
الجمل الندائية المحذوفة الأداة، أو المحذوفة المنادى، فان النبر أو النغم
الذي تقر بهما هذه المدرسة قد ساعدانا في التحليل، أما تحليلها في ضوء
الاتجاه التحويلي التوليدي فقد كشف عن توافق يكاد يكون تامًا بين النظريتين
- النظرية العربية كما هي عند القدماء، والنظرية التحويلية التوليدية في
عدد من المفاهيم، فالأصل والفرع عند العرب يقابلهما البنية السطحية،
والبنية العميقة عند التحوليين، ثم وجدنا مفاهيم الحذف، والاستتار،
والتقدير، أو الأثر موجودة عند التحويليين التوليديين، ومن ثم كانت
التحويلية التوليدية أرضية صالحة لتحلل الجملة الندائية على ضوئها، وقد
نفذنا مقاربتنا على ضوئها بنجاح تام، ولعل هذه أهم نتائج هذا البحث.


الفصل الثالث:
أما الفصل الثالث: المعنون، بالأوجه الدلالية للجملة الندائية القرآنية:
فدرسنا فيه الدلالة النحوية التي عنينا بها هنا الوظائف النحوية التي أدتها
الجملة الندائية في النص القرآني، وقد وجدناها محصورة في جملة من الوظائف
هي: وظيفة المفعولية، والفاعلية، ونيابة الفاعل، والاستئناف، أو الابتداء
والاعتراض.


وعالجنا في المبحث الثاني من هذا الفصل
التوسع الدلالي للجملة الندائية في القرآن، وقد كشف المبحث عن جملة من
الانزياحات تقع للجملة الندائية، كمناداة ما لا ينادى، ومنه لفظ الأرض،
والسماء، والنار، والجبال، وكوقوع الجملة الندائية موقع الفاعل، أو
المفعول، فهذا أيضا انزياح أو توسع دلالي.


وفي المبحث الأخير من هذا الفصل عالجنا
الدلالة السياقية، وقد كشف لنا البحث عن حقائق مهمة كانت دعمًا لنتائج
الفصول السابقة فقد كشف لنا البحث أن السياق بمفهومه الواسع هو سيد الموقف.


إلى هنا أيضا وعلى ما هو معهود عند
الدارسين في خواتمهم حيث أنهم يذكرون النتائج التي توصلت إليها بحوثهم،
والاقتراحات التي يرونها مفيدة في دعم تلك النتائج، فإن بحثنا هذا لن يشذ
عن تلك السنة المتبعة.


وعليه فهو قد توصل إلى النتائج التالية:

1- إن الجملة الندائية وجدت تفسيرا لها في ظل المنهج العقلي (المعياري) ولو تقيدت دراستنا بالمنهج الوصفي لكانت وقفت عند الظاهرة الندائية محتارة في تصنيفها.


2- إن النداء من البنى الخطابية الأكثر تداولا على الألسنة،وهو الأمر الذي جعله يشغل حيزًا متميزًا في الدرس اللساني (نحوي، بلاغي، أسلوبي، دلالي).


3-
الجملة الندائية القرآنية تؤدي جملة من الوظائف التبليغية في الخطاب
القرآني والتي يقر بها اللسانيون، إن لم اقل إنها تؤدي الوظائف الست التي
رسمها ياكبسون للغة على تفاوت في التواصلية، ودليلنا على هذا أن سيبويه
واللسانيين معه يذكرون أن النداء أبدًا يجري على الألسنة.


4- كشف
البحث أيضا أن الجملة الندائية، لأهميتها التواصلية، عولجت معالجة شاملة
نحويًا، وبلاغيًا، فلقد عالجها النحاة، ثم البلاغيون، وكانت معالجة
الفريقين متكاملة، وهذا يؤكد ما خلصنا إليه سابقًا من أن النداء مهم جدًا
تواصليًا.


5- يؤدي وظيفة تنبيهية استحضارية، استعدادية في كل أو معظم مواقعه، فلم يكن هو المقصود دلاليا، وإنما المقصود ما يذكر بعده.


6- كشف أيضا عن عدم استقلالية الجملة الندائية القرآنية.


7- خلو النداء القرآني من أدوات النداء الأخرى.


8- خلوه أيضا من التركيب الاستغاثي، والندبة بصيغتيهما النحويتين المعروفتين.


9- أكدت الدراسة أن النداء علامة من علامات الاتصال بين الناس، وأنه دليل قوي على اجتماعية اللغة.


إلى هنا نحسب أننا قدمنا دراسة تتسم
بشمولية كما نحسب أننا بذلنا قدر استطاعتنا جهدا نؤجر عليه، ولا نغلق باب
القول في الموضوع بل نعتقد جازمين أننا بعملنا هذا نفتح الباب أمام
الآخرين- وما أكثرهم- ليكملوا ما نقص فان النقص من طبيعة البشر.

شعبان مجاورعلي المحامي
شعبان مجاورعلي المحامي
المدير العام

عدد المساهمات : 1408
تاريخ التسجيل : 05/05/2011
الموقع : مصر

https://shabanavocat.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى